المحتوى الرئيسى

تفاقم أزمة الطاقة في الدول الأوروبية

10/19 20:56

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للباحثتين نرمين سعيد ونوران عوضين عرضتا فيه الأسباب وراء أزمة الطاقة فى الدول الأوروبية... نعرض منه ما يلى:

تفاقمت أزمة الطاقة فى الدول الأوروبية لتعرقل عملية الانتعاش الاقتصادى التى يتعطش لها العالم فى أعقاب أزمة فيروس كورونا. إذ أعلنت كبريات الشركات المصنعة عجزها أمام تداعيات أزمة زيادة أسعار الكهرباء، على الرغم من قدرتها على توليد 80% من طاقتها المستخدمة فى عملية التصنيع. وهو الأمر الذى أكدته شركة (Aurubis)، أكبر منتج للنحاس فى القارة الأوروبية، حين أشارت إلى تفاقم تأثير ارتفاع أسعار الطاقة، مما أثر سلبا على هامش ربح بعض الدول مثل بريطانيا، حيث ساءت الأوضاع إلى حد إغلاق مصنعين للأسمدة. وفى النرويج أوقف مصنع الأمونيا إنتاجه، مما يؤكد أن الوضع فى القارة غير مبشر.

حسب التقرير المنشور على موقع بلومبرج، شهدت أوروبا والولايات المتحدة وآسيا ارتفاعا كبيرا فى أسعار الطاقة مع خروج الاقتصادات العالمية من الوباء. حيث تضاعفت أسعار الغاز فى أوروبا إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، بينما تضاعفت أسعار الطاقة بشكل عام خلال العام الحالى، مما عرقل النشاط الاقتصادى المتراجع بالأساس بسبب تداعيات الجائحة. يأتى هذا فى الوقت الذى تقوم فيه روسيا بتصدير كميات أقل من الغاز إلى أوروبا، وسط تطلعات سوقية للحصول على إمدادات جديدة عبر خط أنابيب «نورد ستريم 2» الذى لم يكتمل بعد والذى يربط بين روسيا وألمانيا.

ووفقا لبلومبرج، تحصل أوروبا على الغاز الروسى أكثر مما تحصل عليه من أى مورد آخر، ومع انخفاض الإنتاج المحلى واحتمال إغلاق حقل غاز «جرونينجن» العملاق فى هولندا قبل ثلاث سنوات من الموعد المحدد، تصبح القارة العجوز أكثر عرضة لتقلبات سوق الغاز العالمية، مع الأخذ فى الاعتبار أن الأزمة الحالية لا تقتصر فقط على الطلب المرتفع فى أوروبا وآسيا، فقد تعطلت إمدادات الغاز من النرويج هذا العام بسبب أعمال الصيانة الثقيلة بعد التأثيرات الناجمة عن الوباء أيضا. ومن ناحية أخرى، يتطلع المشترون الأوروبيون إلى سوق الغاز الطبيعى المسال لتعويض النقص، مما عزز التنافس مع مشترين فى الصين واليابان، حيث يتزايد الطلب على الغاز الطبيعى المسال، ما أدى فى النهاية إلى ارتفاع أسعاره. هذا إلى جانب خطط تخفيض انبعاثات الكربون التى جعلت المرافق تدفع أسعارا شبه قياسية لشراء تصاريح «الحد من التلوث» الضرورية لمواصلة إنتاج الطاقة من الوقود الأحفورى، ناهيك عن التباطؤ غير المعتاد على صعيد توربينات الرياح التى تولد نحو 10٪ من الطاقة فى أوروبا خلال فصل الصيف.

لا تنحصر أزمة الطاقة الأوروبية فى نقص واردات الغاز الطبيعى؛ بل تمتد لتطال ارتفاع أسعار الفحم أيضا، إذ تتجه شركات الطاقة الأوروبية إلى الفحم عند ارتفاع أسعار الغاز ومصادر الطاقة البديلة، بيد أن تضاؤل المعروض من المناجم الأوروبية وارتفاع الطلب الصينى أدى إلى ارتفاع أسعار المواد السوداء أيضا، ناهيك عن التكلفة المتزايدة لتصاريح الكربون الأوروبية من نحو 30 يورو للطن فى بداية العام الحالى إلى 63 يورو فى أوائل شهر سبتمبر، وإذا تزايد حرق الفحم للتعويض عن ندرة الغاز الطبيعى؛ فسيزداد بالتبعية الطلب على التصاريح، مما سيرفع سعرها مرة أخرى.

يتفق ما سبق مع ما أوضحه «هيلين تومبسون» فى مقاله المنشور على موقع «فاينانشيال تايمز»؛ فقد تزامنت أزمة الغاز مع أزمات مماثلة على صعيد مصادر الطاقة المتجددة. وعليه، لا توجد حلول لهذه الأزمة وبخاصة مع تحكم الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» المحتمل فى الخيارات الأوروبية، ذلك أن الفشل الروسى فى تلبية الطلب الأوروبى الأخير على الغاز كان متعمدا لتسليط الضوء على الحاجة إلى «نورد ستريم 2»، وبالتالى تجاوز العديد من التأخيرات القانونية والبيروقراطية التى لا تزال تقوض توصيل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.

قد يسهم تراجع الطلب فى القارة الآسيوية ــ بعد انتهاء فصل الصيف ــ فى دفع التفاؤل الأوروبى، على نحو يخلق فائض تصدير يسمح بإعادة ملء الخزانات؛ إلا أن توقعات السوق حاليا تشير إلى أن القادم أسوأ على صعيد أسعار الطاقة، كما تشير أيضا إلى أن برودة الشتاء القادم ــ على وجه التحديد ــ يمكن أن تدفع سعر برميل النفط الواحد إلى 100 دولار محطما الأرقام القياسية، خصوصا فى ظل تراجع احتياطات الغاز والفحم إلى مستويات أقل بكثير مما كانت عليه فى هذا التوقيت من العام منذ عقود. إن محدودية الإمدادات التى تصل إلى أوروبا من الغاز الروسى، وتراجع إنتاج بحر الشمال، والمنافسة المحتدمة فى آسيا على الغاز الطبيعى المسال؛ قد تؤدى إلى تأجيج حالة ارتفاع الأسعار لتدفع المشهد القادم إلى سيناريو هو الأشد قتامة.

أهم أخبار كورونا

Comments

عاجل