المحتوى الرئيسى

«أميرة».. السينما تغوص في تساؤلات مؤرقة حول هوية الوجود والحرية

10/19 20:56

يعود المخرج محمد دياب بفيلمه الجديد «أميرة»، الذى يعرض بمهرجان الجونة السينمائى، ليقتحم مجددا قضية انسانية شائكة تتمحور حول هوية الوجود والحرية، حيث يهوى رواية القصص التى تلقى بظلالها على نقطة فاصلة لواقع وتطرح تساؤلات مؤرقة. «أميرة» الذى تدور أحداثه فى فلسطين بالتأكيد مخاطرة فهو يحكى قصة الأبوة والتمرد المستوحى من قصة إخبارية عن سجناء فلسطينيين فى إسرائيل يهربون حيواناتهم المنوية من السجن.

دراما القصة توحى أنك أمام شىء من الخيال لكنه بشرى جدا ورمز للبقاء بالنسبة للفلسطينيين، ربما الموضوع لم يمس فى السينما العربية بهذا الشكل من قبل، وربما طريقة التهريب الحقيقية للحيوانات المنوية غير معروفة، حيث يبقون الأمر سرا، هناك شائعات حول كيفية القيام بذلك منها أنهم وضعوها فى قطع حلوى ثم وضعوها تحت الزجاج الحاجز بين السجناء والزوار، بينما فى الفيلم ابتكر دياب ورفاقه فى كتابة السيناريو خالد وشيرين، بديلا موثوقًا به: عبوة بلاستيكية محكمة الغلق مخزنة فى فنجان قهوة ملىء بالثلج.

أعلم أن دياب تحدث إلى كثير من الفلسطينيين قبل الشروع فى تنفيذ الفيلم، وأن تلك الشهادات غيرته كإنسان وكمخرج أيضا حيث انتهج أسلوبا واقعيا صادما فى طرحه المتوتر والصورة لواحد من أكثر المواقف حساسية فى حياتنا.

الحيوانات المنوية المهربة ليست سوى نقطة انطلاق فى ميلودراما تجتاح وتتوغل بهواجسنا، حيث قرر نوار (على سليمان) المسجون فى المعتقلات الاسرائيلية وأنهى اضرابه عن الطعام مؤخرا وزوجته وردة (صبا مبارك) إنجاب طفل ثان، الأول كانت أميرة (تارا عبود)، 17 عامًا، والتى ولدت عن طريق التلقيح الاصطناعى أيضًا، بنفس الأساليب السرية التى يخططون الآن لاستخدامها مرة أخرى. ولكن بعد ذلك تحدث المفاجأة حيث اكتشف الأطباء أن نوار عقيم، وكان دائمًا كذلك، اذا من هو والد أميرة؟ وهنا ينخرط السيناريو بكامل المأزق حيث يضع اميرة المراهقة فى مهمة لاكتشاف أصولها لمعرفة الحقيقة لتصبح هويتها فجأة موضع تساؤل.

فى تفاصيل القصة اميرة، فلسطينية مراهقة ولدت بالحيوانات المنوية المهربة لوالدها المسجون، وعلى الرغم من أن علاقتهما منذ الولادة اقتصرت على زيارات السجن، إلا أنه يظل بطلها فى عينيها، غيابه فى حياتها يعوض عنه حب وعاطفة من حولها، لكن عندما تكشف محاولة فاشلة لإنجاب طفل آخر ينقلب عالم أميرة رأسًا على عقب.

فى الأحداث التى تتخذ نبرة ميلودرامية قاسية، ومقدمة مثيرة يجد محمد دياب. وكما هو الحال مع عمله السابق « 678» و«اشتباك» طريقة خاصة لتقديم السينما لجمهوره، كجزء من التحقيق الاجتماعى العميق لمسألة الانتماء.

تجسد تارا عبود بشكل مثالى شخصية «أميرة» بكل توتراتها وهواجسها كفتاة نشأت وتعتقد أن والدها هو نوار، وهل ما زالت تنتمى إلى الأب الذى عرفته طوال حياتها؟ هل الأسرة التى نشأت فيها ما زالت أسرتها؟!

عبر عدة مشاهد نراها واثقة فى نفسها وفى حب والديها، ولديها طموح فى أن تكون مصورة، تصبح مهاراتها فى الفوتوشوب موحية عندما يتعلق الأمر بالتلاعب بالصور العائلية لتشمل والدها نوار (على سليمان). كل زيارة تقوم بها لرؤيته فى سجن مجيدو تتميز بهدية من صورة أخرى يتم فيها تركيبها هى ونوار على خلفيات متنوعة حول العالم. على الرغم من أنهم لم يعيشوا معًا كعائلة أبدًا.

وفى جانب اخر ومع الكشف المفاجئ عن أن نوار لا يمكن أن يكون والد أميرة البيولوجى، تسلط الأضواء على وردة، التى تصمت، حتى عندما يحبسها رجال العائلة فى غرفة ويتعهدون بمعاقبتها على هذه الجريمة غير المؤكدة بعد وعن سحابة العار التى تقع الآن على الأسرة.

وفى طريق الإجابة على أحد هذه الأسئلة نستكشف مضمون السرد الرائع وشخصياته التى ترسم المشهد الكبير، فابطال دياب من الممثلين الفلسطينيين منحوا بعدا أكثر صدقا وواقعية، ويجعلون كل اكتشاف يستحق الانتظار، على سليمان، وليد زعيتر وصالح بكرى وتارا عبود، وزياد بكرى وريم تلحمى وسميرة عيسى بالاضافة لصبا مبارك وهو شىء نشعر أنه ضرورى للمساعدة فى صياغة سرد معقول حيث أميرة فى رحلة معاناتها محاطة بمجموعة مدهشة.

هؤلاء الممثلون حقيقيون من السينما الفلسطينية، يخلقون إحساسًا بالواقع يسمح بالانغماس الكامل فى القصة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل