المحتوى الرئيسى

قلوب من حجر .. أبناء وإخوة طردوا آباءهم وأشقاءهم إلى الشارع

10/18 21:59

لم يتمالك محمود وحيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «معانا لإنقاذ إنسان»، نفسه وانخرط فى نوبة بكاء شديدة، عندما ذهب فى رحلة بحث ميدانى معتادة إلى إحدى مناطق المرج، وفجأة اكتشف وجود عجوز ملقى فى القمامة بعد أن تخلى عنه أولاده وتركوه فى الشارع، ليجد الأب الذى ضحّى كثيراً لتربية أبنائه الثلاثة نفسه وسط مخلفات المنازل لا يقوى على الحركة. تدخّل الجيران كان سبباً رئيسياً فى إنقاذ المسن الذى ظل وسط القمامة عدة أيام دون حراك حتى اكتشف أحد المارة وجوده صدفة، وهنا قرر الشاب الذى وجده الذهاب به إلى ابنته، ظناً منه أنه ربما يكون قد خرج دون علمها، ولم تتمكن من العثور عليه، نظراً لوجوده فى مكان مهجور به قمامة كثيرة، لكنه تعرّض لصدمة مدوية أبكت «وحيد» عندما ذهب هو وفريقه إلى موقع البلاغ، ليجد أن ابنة الرجل تقف فى البلكونة وتشاهد كل ما يحدث لوالدها فى الشارع وهى صامتة تكتفى فقط «بنشر الغسيل»، وهى ترى رمز الأسرة وربها ينام على الأرض وسط الشارع، رفضت الابنة تسلم الأب، فلم يجد «وحيد» ورفاقه سوى نقله إلى مقر المؤسسة بمنطقة الدقى، ليلقى الرعاية الصحية التى يحتاجها، إلى جانب محاولة دمجه مرة أخرى مع النزلاء، نظراً لوضعه النفسى السيئ الذى جعله يفضل القمامة عن الاختلاط بالآخرين.

مواقف كثيرة تعرض لها «وحيد» خلال رحلة عمله التى بدأت منذ عشر سنوات، ما زال الرجل يتذكر الكثير منها ويعلم جيداً أنه مع تكرار مشاهدة هذه المواقف سيتأثر بشدة، ولكنه يعلم مدى أهمية دور المؤسسة فى دعم المشردين وإنقاذهم من الشارع، وتوفير حياة كريمة لهم.

«موسى»: إخواتي رموني أنا ومراتي وابني وماحدش حاسس بيا و«إبراهيم»: زوجة أخي طردتني من المنزل

محمد موسى، 47 سنة، من منطقة السيدة زينب، كان يعمل ميكانيكياً ويمتلك ورشة خاصة لتصليح السيارات، إلا أنه لم يعد ينعم بهذا الآن، بعدما خارت قواه وأصبح غير قادر على العمل، نتيجة إصابة فى قدمه نتجت عن سقوط باب سيارة حديدى عليها، الأمر الذى كان سبباً فى تقييد حركته إلى الأبد، فلم يعد قادراً على التحكم فى مفاصل الجسم، الأمر الذى أدى إلى طرده من العمل.

بعد غلق الورشة خسر الرجل كثيراً حتى أصبح لا يمتلك سوى بضعة جنيهات لم تكن كافية لاستمرار الحياة داخل الشقة التى كان يسكن فيها منذ سنوات مضت فى منطقة السيدة زينب، ليجد أنه لا سبيل له ولذويه سوى الرصيف، وقال: «ماكانش قدامى غير الشارع وأقعد أنا ومراتى وابنى فى الشارع ما هو مفيش بديل عن كده، والظروف صعبة وإخواتى طردونى أنا ومراتى وابنى ومحدش حاسس بيا».

على بُعد أمتار قليلة من مسجد السيدة زينب، وجد الأربعينى سيارة متهالكة أكل عليها الدهر وشرب، فلم يجد سواها بديلاً له ولأسرته عن الشقة التى كان يسكن بها، وتابع: «قعدت جوه العربية، حطيت قماشة جوه الكنبة اللى ورا من العربية وقعدت فيها علشان رجلى ماباقدرش أمشى عليها، وبالليل باخلى مراتى تنام مكانى، وأنا بانام ومعايا ابنى جنب العربية على الرصيف».

ما يحدث له قاسٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأنه وجد نفسه هو وأسرته وحيداً دون سكن يضمن لهم الاستقرار، بعدما تخلى عنه شقيقه ليجد نفسه مشرداً لا يملك قوت يومه ويعيش على ما يمنحه الناس له من بقايا طعام، وواصل سرد مأساته قائلاً: «باكل فى أوقات كتير من الزبالة، وفى المناسبات ربنا بيرزق بأكل كتير من أهل الله، وبابكى لما ابنى يطلب منى ياكل أو يقول لى نفسى فى تفاح أو لحمة وأنا لا حول لى ولا قوة».

هذه الأسرة التى لم تجد يوماً من يحنو عليها، ومعاناتها لم تنته بعدما تمكن المرض منهم وأفقدهم القدرة على الحياة الكريمة، فرب الأسرة أصيب بمرض عضلى ألزمه الفراش والزوجة أصبحت تستغيث يومياً لنيل بعض النقود لإنقاذ زوجها من المرض وتخفيف ألم معدة طفلها الذى يكاد يموت جوعا وهنا لم تجد الأسرة من يمد لها يد العون.

وأضاف الأب المريض: «أهلنا اتخلوا عننا ومابقاش لينا حد غير ربنا، أخويا ضحك عليا وأخد ميراثى ورمانى أنا وابنى فى الشارع بعد ما خسرت شغلى».

الكثير من كبار السن أصبحوا منتشرين فى الشارع بسبب تخلى الأبناء عنهم مثلما حدث مع محمد إبراهيم، الذى وجده مسئولو مؤسسة معانا لإنقاذ إنسان يفترش رصيفاً بمنطقة كوبرى القبة بعدما قامت زوجة شقيقه بطرده، لتقدم العمر به، حيث قرروا التخلى عنه، وهنا قرر أن يفترش الشارع حتى علم بظروفه صديق له ساعده قدر المستطاع ولم يتمكن من نجدته، فقط كان يكتفى بتقديم الأكل له ليظل الرجل طريح الفراش جالساً فى الشارع، ورغم بشاشة وجهه إلا أن ذلك لم يشفع له عند أقاربه، فقرروا التخلص منه، المشكلة الأكبر التى واجهت فريق الإنقاذ عندما علموا بقصته أن الرجل ليست لديه أوراق ثبوتية، وليست لديه دراية بأى شىء.

المشردين تكون حالتهم الصحية سيئة للغاية وتحتاج إلى تدخّل طبى عاجل مثلما حدث مع إحدى الحالات التى وجدت أمام أحد المستشفيات الخاصة فى منطقة إمبابة، حيث وجد ذلك الشاب وهو فى حالة إعياء تام وغير قادر على الحركة، تجمع الأهالى حوله لإنقاذه من الموت المحقّق تحت عجلات السيارات التى تنتشر بكثافة فى الشارع وتسير بسرعة كبيرة.

مرت الأعوام سريعاً وظل «وحيد» يقوم بجمع المشردين من الشارع محاولاً إنقاذهم مما هم فيه من ألم حتى جاءت اللحظة الأكثر صعوبة فى حياته عندما وجد رجلاً مسناً ملقى أسفل كوبرى، وحالته الصحية سيئة للغاية، وعن ذلك قال: «جسمه كان متحلل كأنه ميت، الدود كان فى كل حتة، ومنتشر برضه حواليه، ماكانش بيتكلم ولا بيقدر ينطق، شكله تعبنى نفسياً، لدرجة إنى فضلت فترة طويلة متأثر باللى شُفته ده، إزاى ولاده جالهم قلب يعملوا فيه كده، ودى كانت أغرب حاجة شُفتها فى حياتى».

«وحيد»: نحتاج تشريعاً يعاقب الأبناء المقصرين

فى حق الآباء.. ووضع آلية لحماية كبار السن من الجحود

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل