كيف أسهمت الشفرة النوبية في تأمين الاتصالات العسكرية المصرية خلال حرب 1973؟ - BBC News عربي

قُيد الجندي المصري، أحمد إدريس، بالأغلال بأمر من الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد أن طلب إحضاره بشكل مفاجئ إلى مكتبه.\nتصور إدريس أنه سيتهم بالجاسوسية، ولا سيما أن هذا المشهد يأتي في ظروف صعبة، في سنوات ما بعد احتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء، عندما اخترقت إسرائيل الاتصالات المصرية أكثر من مرة.\nأحمد إدريس مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2017\nلكن الأمر لم يكن كذلك، كما يقول أحمد إدريس في فيلم تسجيلي أنتجته القوات المسلحة المصرية باسم "الشفرة" بعدها بنحو 45 عامًا: "وجدت السادات يضع يده على كتفي بطريقة حانية كالآباء وأخبرني أنه جاء بي بتلك الطريقة حتى لا ينكشف أمر المقابلة. ثم سألني عن اللغة النوبية".\nأحمد إدريس الجندي المصري السابق الذي وافته المنية قبل أيام عن عمر ناهز 84 عامًا كان صاحب فكرة استخدام النوبية في الإشارات العسكرية بين أفراد الجيش المصري، للحفاظ على سرية المعلومات، لأن اللغة النوبية لم تكن شائعة الاستخدام كما أنها غير مكتوبة..\nيضيف إدريس: "أخبرت السادات، الذي طلب إحضاري بعد أن أخبره قادتي في الجيش بالفكرة، أنه يمكننا إرسال المعلومات بالنوبية، ثم ندونها باللغة العربية".\nأحمد إدريس، مبتكر "الشفرة النوبية" في حرب أكتوبر عام 1973\nالنوبية هي لغة قبائل النوبة التي تنتشر بصفة رئيسية في مصر والسودان بالإضافة إلى عدة دول أفريقية، وهي لهجة للحديث لكنها لا تُكتب ولا تُقرأ، وتمتد جذورها إلى آلاف السنين كما تعد من أقدم اللغات على الأرض.\nأمر السادات بعد مقابلته مع إدريس بنشر 344 فردًا نوبيًا من الجيش المصري مع القادة لاستقبال الإشارات وإرسالها، وكان لذلك دور في تأمين الاتصالات العسكرية في الحرب التي شنتها القوات المصرية إلى جانب القوات السورية ضد إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973.\nكانت الحرب ردًا على حرب الأيام الستة التي مني بها الجيشان في مصر وسوريا عام 1967، واحتلت نتيجتها إسرائيل شبه جزيرة سيناء في مصر وهضبة الجولان في سوريا، واستولت على الضفة الغربية من الأردن فيما تسميه الأدبيات العربية بالنكسة.\nيشرح الخبير العسكري صفوت الزيات لبي بي سي نيوز عربي أن استخدام النوبية في 1973 بين مركز العمليات الرئيسي ومراكز العمليات الميدانية كان عاملًا مهمًا في إفشال اختراق الطرف الإسرائيلي لمعرفة نوايا الهجوم المصري وشكله واتجاهاته وتوقيته.\nويضيف الزيات أن الهم الأكبر لمصر كان تأمين شبكة الاتصالات بين مركز العمليات وقيادات الجيوش والمناطق في الميدان، خاصة مع اختراقات الإسرائيليين للإشارات ومعرفتهم بالعربية.\nبلاد النوبة والسعي للحفاظ على لغتها وتقاليدها\nورغم الدور الذي لعبته النوبية في الحفاظ على أسرار حربية مصرية، فاللغة الآن مهددة بالإندثار لقلة استخدامها، ويعمل متطوعون على حفظ تراث النوبة ولغتها.\nويقول رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية، محمد عز الدين، إن كل جهود تعليم النوبية لم تثمر بما فيه الكفاية لأنها تستهدف الكبار الذين لم يتعودوا على التحدث بالنوبية في المنازل وشتى مناحي الحياة".\nويضيف رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية لبي بي سي أنه لا توجد مراكز لتعليم اللغة النوبية للشرائح العمرية الصغيرة .\nويوضح عز الدين أن التراكمات الثقافية من الدول التي وفدت إلى مصر، مثل اللغة العربية التي فرضت نفسها، جعلت الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية باللغة العربية على حساب اللغات الأخرى مثل الأمازيغية والقبطية والنوبية.\nوقبل سنوات ابتكر مهتمون بالحفاظ على التراث النوبي فكرة لتدوين كلمات اللغة النوبية في قاموس خاص.\nولا توجد إحصاءات رسمية عن النوبيين في مصر، غير أن باحثين في التراث النوبي قدروا العدد بأكثر من ثلاثة ملايين.\nبي بي سي إكسترا بودكاست يناقش كل أمور حياتنا اليومية، يأتيكم ثلاثة أيام أسبوعياً\n\n© سياستنا بخصوص الروابط الخارجية.