المحتوى الرئيسى

نبيل فهمي يكتب: مؤامرات أم منافسات؟

09/20 19:14

نتحدث كثيرا فى الشرق الأوسط وفى الدول العربية خاصة عن المؤامرات التى تستهدفنا، ‏سعيا للنيل منا لصالح غير العرب بالمنطقة، أو من قبل الدول الكبرى فى مختلف أنحاء العالم.

‏وظل العالم العربى مستهدفا طويلا بالفعل، نتيجة لموقعه الجغرافى الحساس وثرواته الطبيعية المتعددة، من قبل ‏الاستعمار الأوروبى فى العصر الحديث، ومن الدول العظمى بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك من غير العرب فى المنطقة، فقسم المشرق حسب مصالح بريطانيا وفرنسا، وتعرضت مصر للعدوان الثلاثى البريطانى الفرنسى الإسرائيلى عام 1956، وغزت أمريكا العراق عام عام 2003 «لخلق عدم الاستقرار فى الشرق الاوسط» حسب مقولة الجنرال الأمريكى ويسلى كلارك، بعد اعوام من الجهد الدولى المشروع لتحرير الكويت من غزو صدام حسين، واتذكر ايضا لقاء لى قبل ذلك عام 2000 مع ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى قبل سفره فى جولة شرق أوسطية واستغرابى حينذاك على إصراره بأن يكون الوضع فى العراق على رأس قائمة نقاط حديثه، وعدم اكتراثه باشارات للنزاع العربى الإسرائيلى، وهناك ايضا مقولة وزير الخارجية الاسرائيلى السابق شارون فى مذكراته بأنه لا داعى للدخول فى حروب واسعة مع العرب، ويفضل تقليبها على بعضهم فى ضوء المشاكل القائمة بينهم، فضلا عن ركاكة أوضاعهم الداخلية.

‏إذن المؤامرات واقع إنما أسأل نفسى كثيرا هل نحن كعرب مستهدفون أكثر من غيرنا؟ وإذا كان ذلك صحيحا فما هو السبب فى ذلك؟ ‏ومن ناحية أخرى أتساءل هل كل هذه المؤامرات حقيقية ام نبالغ كعرب فى تصوير الأمور، لتبرير عدم نجاحنا فى مواجهة التحديات والمخاطر.

‏لا زلت أرى أن هناك دوافع استراتيجية وأطماع ثرواتية ‏تجعل العرب مستهدفين، حتى بعد انتهاء عصر الاستعمار الأوروبى، ‏وأهمها كما ذكرت الموقع الجغرافى وثرواتنا الطبيعية والمادية، فلا يزال لهما جاذبيتهما، رغم التطور التكنولوجى الذى غير من اهمية المسافات، ونوع من مصادر الثروة ومن مصادر الطاقة.

وأعتقد ان التجارب التاريخية أثبتت أن الأطراف الأقوى يستسهلون التآمر عن التنافس مع من يرونهم أضعف طمعا فى إنجازات صفرية، كان ذلك من خارج المنطقة أو من داخلها، علما ان خاصية هامة للتآمر على العرب كان أنه يتم فى أغلب الأحيان بالمشاركة مع طرف عربى أو شرق أوسطى.

‏ومع هذا تقتضى الأمانة المصارحة ‏بأن العالم العربى يبالغ كثيرا فى التنويه بالمؤامرات إزاء كل مشكلة ‏وتطور يفاجأ به، لضعف التخطيط الاستراتيجى المستقبلى، ولعدم استعداده لمواجهة المستجدات، ولضعف سبل شرحه للتطورات وخطط التصدى لها، فضلا عن الاعتماد المبالغ فيه على الغير، مما اضعف من قدراته الذاتية خاصة فى ادوات الأمن القومى، مما يعرضه لضغوط خارجة عن سيطرته ويخل بالتوازن الاستراتيجى بالمنطقة، ويخلط سهوا او عمدا بين المؤامرة غير المشروعة والمنافسة الطبيعية والصريحة مع الغير وبين الاخوة والاخوات العرب ذاتهم.

‏ولعله من الملائم ان نضع هذه الأسئلة فى البال فى تقييم خبر نقلته وكالة روسيا اليوم نقلا عن قناة RBC، تضمن ان وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو أعرب عن تأييده لمبادرة (مسار الأرز) ‏والمخطط له أن يمتد عن منطقة سيبيريا، ليصبح بديلا لطريق الحرير الكبير الصينى وقناة السويس المصرية، وأضاف: «تبلورت ضرورة إنشاء مثل هذا الممر الآمن للنقل بشكل واضح منذ فترة طويلة، وخاصة عند استذكار الأحداث الأخيرة المتعلقة بانسداد قناة السويس وهجمات القراصنة وكذلك الأوضاع الراهنة فى أفغانستان»، وتابع أن مسار الأرز أهمية كبيرة بالنسبة إلى روسيا باعتباره فرصة للاندماج فى شبكات الإنتاج العالمية بين أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأوضح شويجو أن مراكز الإنتاج فى سيبيريا التى سيكون لها إمكانية الوصول إلى «مسار الأرز» ستمنح قدرة لنقل المواد والمكونات بين أطراف الشبكات الإنتاجية وسيساعد على تطوير وتنمية سيبيريا، ونشر أن الملياردير الروسى أوليج ديريباسكا تقدم بمشروع لإنشاء مسار نقل جديد عبر سيبيريا وصفه بالبديل لقناة السويس المصرية.

وفى ضوء متانة العلاقات الروسية المصرية وعدم وجود مبرر لتآمر من المتوقع ان يكون هذا الموضوع محل دراسة عميقة وثاقبة فى مصر وعلى مستويات مختلفة، من حيث مضمون الفكرة ولصدورها من وزير الدفاع الروسى، ومن المؤشرات لجدية وحساسية الامر ان المسؤليين المصريين لم يتطرقوا إلى هذا التصريح علنيا حتى الان.

وعلى مصر وغيرها من الدول تقييم هذه الفكرة وغيرها بموضوعية، خاصة وليست الأولى او الاخيرة، فهناك ايضا مشروع الحزام والطريق الواحد من الصين، وما يتحدث عنه الرئيس الأمريكى بيدن عن تحالف غربى لطرح مشروع اقتصادى عالمى لينافس المشروع الصينى، كلها تؤثر على الممرات المائية والبرية لنقل البضائع والطاقة، بل هناك مشروعات اقتصادية متعددة بين أطراف عربية وشرق اوسطية، قد يكون لها آثارها على الممارسات التقليدية التاريخية لدول المنطقة، كما ان ان التطور الاقتصادى والتحديث الذى نشهده فى البحر الأبيض المتوسط او فى الخليج العربى فى مجال الطاقة غير من المعادلة الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بالبنية الاساسية والمواصلات من موانئ ومطارات والطيران، ومن شأنها ان تؤثر على مصالح بعض الاشقاء العرب فى المنطقة بل بين دول الخليج العربى ذاتها، فهل يعنى هذا اننا التآمر على بعضنا البعض، ام ان المسألة تنافس مشروع حتى بين الاصدقاء والاشقاء.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل