المحتوى الرئيسى

مقابر «الكومنولث».. تحفة معمارية فى الإسكندرية تخلد ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية | المصري اليوم

09/14 17:27

«إن أرض هذه المقبرة هبة من المصريين لتكون قبورًا دائمة لجنود الحلفاء الذين قُتلوا فى حرب سنة 1914 – 1918 تخليدًا لذكراهم».. لافتة رخامية كبيرة تزين المدخل الرئيسى لمقابر ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية، والمعروفة بمقابر الكومنولث فى منطقتى الشاطبى والمنارة بالإسكندرية.. رسوم هندسية غاية فى البراعة والدقة والجمال وكأنها مقابر «ترد الروح» إلى ساكنيها وزائريها، تتراص مئات شواهد القبور بالمقبرتين فى شكل هندسى بديع تتخلله مساحات كبيرة من النجيل والورود والزهور تشعرك وكأنك تعيش فى «قصر مشيد».. تلك المقابر التى أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى هيئة الكومنولث لمقابر الحرب التى أنشأتها بموجب الميثاق الملكى البريطانى الذى أصدر عام 1917 لتخليد ذكرى ضحايا الحروب.

«المصري الدولي» يطالب بالترويج لـ«مقابر دول الكومنولث»: «دخلها يفوق قناة السويس»

بالصور.. 13 سفيرًا يحتفلون بالذكرى الـ71 لمعركة العلمين بمقابر الكومنولث

نقل جثمان اللواء نبيل فراج «شهيد كرداسة» لمثواه الأخير بمقابر الكومنولث بمدينة نصر

والذين بلغ عددهم نحو مليون و700 ألف رجل وامرأة ينتمون لقوات الكومنولث والذين قتلوا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث قامت الهيئة بإنشاء 2500 مقبرة حول العالم وكذلك إنشاء شواهد أضرحة لكثير من المقابر ونصب تذكارية لوضع أسماء بعض الأشخاص المفقودين خلال هذه الحروب، حيث تشرف الهيئة على نحو 23 ألف موقع لهذه المقابر تنتشر فى 150 دولة فى العالم، كما تشرف الهيئة أيضًا على 40 ألف مقبرة من جنسيات أخرى، إضافة إلى 25 ألف مقبرة مدنية غير حربية، كما أن أسماء جميع الجنود الذين تحتويهم هذه المقابر موجودة بسجلات الهيئة.

الغريب أن هذه المقبرة تعد الوحيدة فى العالم التى جمعت رفات أهل الديانات السماوية الثلاث فى بقيع واحد، فلسان حالها يقول: «هنا يرقد المسلم إلى جوار المسيحى واليهودى»، حيث تضم مساحات كبيرة تتسع للآلاف من رفات الضحايا من الجنود والضباط والأطفال والسيدات الذين راحوا ضحية الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتخضع لأعمال صيانة دروية، فضلًا عن استمرار أعمال النظافة والمتابعة وقص النخيل ورى المسطحات الخضراء باستمرار للحفاظ على الوضع الحالى للمقبرتين واللتين تعتبران من أهم وأشهر المقابر فى الإسكندرية على السواء.

تضم المقبرة أكبر عدد للجنود مقارنة ببقية المقابر، حيث تحوى 2589 مقبرة للحرب العالمية الأولى، و503 للحرب العالمية الثانية.

فور دخولك إلى المقابر، تفاجئك اللوحة الرخامية الكبيرة المدون عليها عبارة «إن أرض هذه المقبرة هبة من المصريين»، ما يجسد أن مقابر الكومنولث منحة من الشعب المصرى إلى الأجانب فى مصر، تخليدًا لذكراهم وتضم المقبرة ضحايا الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وتشرف عليها هيئة الكومنولث لمقابر الحرب.

و«تفردت مقابر الكومنولث على مستوى العالم كله».. هكذا وصف أحمد عبدالفتاح، عميد الأثريين فى الإسكندرية، المقابر قائلًا: إنها تصور مزيج بين الفن المصرى واليونانى والرومانى، بطريقة هندسية بارعة جسدت مدى تأثر المصريين والرومانيين واليونانيين بالحضارة المصرية، فضلًا عن كونها تحتوى على 1700 جندى من الحرب العالمية الأولى و1305 من الحرب العالمية الثانية، مشيرًا إلى أنها تستقبل أهالى الضحايا الذين يترددون عليها كل يوم لزيارة ضحاياهم من إنجلترا والهند وأستراليا وجنوب إفريقيا، ويضعون أكاليل الزهور على المقابر ويُحضِرون القساوسة لقراءة التراتيل لهم.

وأوضح أن المقابر صُممت على شكل معمارى واحد، صممه المعمارى الإنجليزى هربرت ورثينكتون، كل مقبرة محفور عليها اسم الجندى، ووحدته العسكرية، بشكل موحد ومنتظم، لمنع التفرقة بين الجنود حسب رتبتهم، بالإضافة إلى تاريخ الوفاة، وعمر المتوفى وعمله غير العسكرى ونبذة عن عائلته.

وتقام سنويًا احتفالات فى مدينة العلمين، تخليدًا لذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى، يوم 24 أكتوبر من كل عام، والثانية لإحياء ذكرى توقيع اتفاقية السلام لإنهاء الحرب وجلاء الغزو فى 11 نوفمبر، وضحايا تلك المقابر هم جنود من جنسيات مختلفة من بريطانيا ونيوزيلاندا وأستراليا وجنوب إفريقيا وفرنسا والهند وماليزيا وغيرها.

أما الدكتور حسام عبد الباسط، مدير عام آثار الإسكندرية الإسلامية والقبطية واليهودية فى الإسكندرية والساحل الشمالى، فقال إن مقابر قوات الحلفاء بالإسكندرية هى مقبرتان تاريخيتان تضمان رفات جنود الحربين العالميتين الأولى والثانية من مختلف جنسيات إمبراطورية التاج البريطانى التى كانت تشمل دول نيوزيلاندا وأستراليا وبلاد البنغال والهند وباكستان وبنجلاديش ومصر، وبعض دول شرق إفريقيا، التى كانت تقوم بتوريد الجنود للجيش البريطانى فى معاركه أثناء الحروب الاستعمارية الكبرى، مثل الحرب العالمية الأولى عام 1914، وقتل فيها مجموعة كبيرة من جنود وضباط القوات البريطانية فى مواجهة ألمانيا، وخاصة معركة جاليبولى الكبرى، التى أدت إلى سقوط الدولة العثمانية بشكل نهائى، وإعلان الحماية البريطانية على مصر، وإعلان السلطنة المصرية عام 1914، وخُلع آخر خديو مصرى، وهو السلطان عباس حلمى الثانى، وإعلان السلطان حسين كامل مكانه، ومن بعده السلطان أحمد فؤاد عام 1922.

وأضاف «عبد الباسط»، لـ«المصرى اليوم»، أن القوات البريطانية قامت بإنشاء مجموعة من المقابر الخاصة لدفن جنودها فى الشاطبى والمنارة، وتتمتع بحالة هندسية ومعمارية ممتازة، حيث يتم عمل صيانة دورية، فضلًا عن مقابر الكومنولث لضحايا معركة العلمين بقيادة ثعلب الصحراء روميل، والتى شهدت سقوط مجموعات كبيرة من الضحايا، فتم إنشاء مقابر كومنولث هناك لقوات الحلفاء والمحور من الإيطاليين والألمان والإنجليز.

ولفت إلى أن المقابر تمثل بانوراما تاريخ الحروب العالمية فى مصر، وتستفتح البوابة الرئيسية بلوحة تذكارية تخلد ذكرى شهداء الحرب، تضم شواهد قبور للرفات، كل شاهد قبر مدون عليه جميع البيانات الأساسية واللازمة لكل صاحب قبر، مثل الجنسية وسنة الوفاة ونوعية المدفون، سواء أكان جنديا أو ضابطا أو طفلا أو سيدة، ونوعية السلاح الذى كان ينتمى إليه: قوات برية أو بحرية، وذلك إلى جانب الجنود المسلمين الذين كانت تستغلهم بريطانيا فى معركة جاليبولى ضد الدول العثمانية، حيث كانوا يلجأون إلى الجنود المسلمين حتى لا تتم إثارة النزعات الدينية ضد السلطان العثمانى.

وعن متحف العلمين، الذى يقع ضمن مقابر الكومنولث هناك، قال مدير الآثار: تم تشييد متحف حربى تحت مسمى متحف العلمين الحربى، حيث جرى إنشاء المتحف عام 1965 وأعيد تطويره وافتتاحه فى عام 1992، فى العيد الـ50 لمعركة العلمين، حيث شاركت كل من ألمانيا وإنجلترا وإيطاليا بالمعلومات والمعروضات، وتم إنشاء قاعة حديثًا يبرز فيها دور مصر فى معركة العلمين، ويتكون المتحف من خمس قاعات وبهو رئيسى يتوسط النصب التذكارى، القاعة الأولى هى القاعة المشتركة مع روما وبها معروضات فى جميع الدول التى اشتركت فى الحرب، والتى تعبر عن أسباب قيام الحرب، والقاعة الثانية وتعرض القوات الإيطالية التى اشتركت فى معارك شمال إفريقيا بتشكيلاتها المختلفة، والقاعة الثالثة هى قاعة مصر وأُنشئت ضمن تطوير المتحف، وتوضح دور مصر فى الحرب العالمية الثانية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل