المحتوى الرئيسى

فراسة استثنائية.. محمود محيي الدين يروي كيف ساهم محمود العربي في توطين التنمية

09/13 14:04

نعى الدكتور محمود محيي الدين، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي وممثل المجموعة العربية بالمجلس التنفيذي، الحاج محمود العربي، صاحب شركات توشيبا العربي، الذي وافته المنية، الخميس الماضي، عقب معاناة مع المرض منذ فترة طويلة، وشُيِّع جثمانه من مسجد العربي بقرية أبو رقبة في مركز أشمون بالمنوفية.

والحاج محمود العربي، مؤسس مجموعات شركات العربي للتجارة والصناعة، مواليد عام 1932 في قرية أبو رقبة بمركز أشمون في محافظة المنوفية، ولُقِّب بـ"رجل الصناعة والتجارة"، كما لُقِّب بـ"شهبندر التجار".

استعاد "محيي الدين"، في منشور على صفحته الشخصية بموقع "لينكد إن LinkedIn"، اليوم الإثنين، بعنوان "العربي وتوطين التنمية"، عددا من المواقف التي اعتبرها بمثابة "فرصا في التعرف عن قرب على شخصية (العربي) الفذة"، وكيف ساهم "ذكائه الحاد وفراسته الاستثنائية" في تحقيق مكتسبات لقطاع الصناعة.

• زيارة فيتنام عام 1997

بدأ "محيي الدين" حديثه قائلا: "في مثل هذا الشهر منذ حوالي ربع قرن، وتحديدا في شهر سبتمبر 1997، سعدت بصحبة الحاج محمود العربي ضمن وفد رسمي إلى فيتنام، برئاسة الدكتور أحمد جويلي وزير التجارة والتموين في حكومة الدكتور كمال الجنزوري الأولى، وقد كان وفدا كبيرا من ممثلي الوزارات والقطاعات المختلفة، وكان الحاج محمود العربي ممثلا فيه لمجتمع الأعمال، رئيسا لاتحاد الغرف التجارية، وشاركت فيه ممثلا عن وزارة الاقتصاد".

وأوضح: "تزامنت الزيارة -التي جرى الترتيب لها لعدة شهور- مع أحداث فترة عصيبة مرت بها دول جنوب شرق آسيا وتجمع الآسيان، الذي يضم فيتنام، إذ كانت هذه الفترة تشهد أوج الأزمة المالية الآسيوية. بعد توقف سريع في مطار بانكوك، الذي كانت تخيم عليه أجواء الأزمة استكملنا الرحلة للعاصمة هانوي".

وأضاف: "وفي هذا التاريخ كان قد مر على فيتنام 10 سنوات فقط منذ بداية الإصلاحات الشاملة لتحديث اقتصادها، وكان عدد الفنادق فيها محدودا، ولم يكن هناك ما يكفي من الحجرات في الفندق الرئيسي، وكان علينا أن نتوزع بين هذا الفندق المتميز، ونزل حكومي اتسم بالبساطة والنظافة، وإن بعد عن مقرات اللقاءات والاجتماعات. وبادر الحاج محمود بأن يكون من ضيوف النزل، لكن جاء ذلك بالرفض من الجميع، وأذكر أنه كان حريصا على أن يتناول الوجبات معنا في النزل مع باقي الوفد، متجاذبا بود أطراف الحديث، مستفسرا عن أهم ما جذب الاهتمام مما شهدناه خارج الإطار الرسمي للاجتماعات".

وتابع: "كانت لي فرص في التعرف عن قرب بهذه الشخصية الفذة، ذات الذكاء الحاد والفراسة الاستثنائية، التي صقلتها تجارب الحياة منذ الطفولة الباكرة في ريف المنوفية، ومراحل الشباب في حضر القاهرة وأسواقها العتيقة، فمما أذكره في مهمة فيتنام -فضلا عن تواضع الحاج محمود وبساطته واستعداده الدائم للانخراط في الحديث ناقلا للخبرة أو متسائلا عما هو جديد- هي تعليقاته على الأزمة الآسيوية التي قلبت الأسواق رأسا على عقب، وغيرت في نظم الإدارة الاقتصادية، بأن الأزمات تصقل المعادن وتخلصها من الشوائب الدخيلة، ومن يصمد فيها يخرج أكثر وعيا وصلابة، كما أنها تأتي دائما بالجديد بعدها، ثم يسرد من محيطه العملي أمثلة دالة على ذلك".

• حكمة "العربي" تجذب أهم شركة تكنولوجية عملاقة في كوريا

واستطرد: "واسترجعت ذكريات هذه الزيارة أثناء مهمة عمل في كوريا الجنوبية في أكتوبر 2008، أثناء عملي وزيرا للاستثمار، وكانت الزيارة في أعقاب سقوط بنك ليمان براذرز، والأزمة المالية العالمية في عنفوانها. ورغم أجواء الأزمة نجحت هذه الزيارة في تحقيق مرادها. ويكفي أنه قد ترتب عليها جذب أهم شركة تكنولوجية عملاقة في كوريا لتؤسس مصنع سامسونج في بني سويف، بعد مفاوضات مطولة وإجراءات تفصيلية نجحت في جذب هذا الكيان الاقتصادي العملاق إلى مصر".

وأكمل: "وأتذكر أنه أثناء حديثي مع قيادات الشركة في سول، كانت حكمة الحاج محمود العربي حاضرة، فلها ما يؤكدها في التاريخ الاقتصادي وتطوراته، فالأزمات إلى نهاية وإن طالت، ولا يجب التوقف عن العمل انتظارا لنهايتها، فالجهد في العمل من معجلات الخروج منها".

• شغف وإطلاع دائم على ما هو جديد في العالم

وزاد: "والفائدة الثانية التي تكشفت في هذه الزيارة هي ما يجب أن يتحلى به رجل الصناعة والتجارة من شغف وإطلاع دائمين على ما هو جديد في العالم، مع إدراك كامل لمعطيات بيئته المحلية. وقد كان في هذا الشأن حديث طريف بين أحد أعضاء الوفد من شباب الدبلوماسية المصرية العتيدة الملحق، حينئذ، تامر مصطفى، الذي يشغل حاليا منصب سفير مصر في ليبيا، وأذكر أيضا من الدبلوماسيين المشاركين السفير دسوقي فايد، والسفير شريف عيسى، والوزير المفوض التجاري أحمد شفيق".

وقال: "أما الحديث فكان بشأن هذا الكمبيوتر المحمول ماركة توشيبا، الذي كان بصحبة السفير تامر، الذي كان متابعا نهما للمستحدثات للتكنولوجية، مباهيا بإمكانيات حاسبه الشخصي بمشغل ويندوز العجيب إصدار 1995، وقد كانت هذه نقلات تكنولوجية مدهشة حينها. وقد كان لهذا الجهاز تحديدا دور في إنجاز مهمتنا -قد تأتي فرصة أخرى لذكرها- وكان السؤال للحاج محمود -شريك توشيبا منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي- (متى سيدخل هذا الكمبيوتر المحمول الأسواق المصرية؟)، فكان رد الحاج محمود -التاجر والصانع الأريب- بأن (السوق المصرية لم تتهيأ بعد، ولكننا نجهزها)، وما هو إلا عام ونيف يمر بعد هذه الزيارة، وإعلانات توشيبا العربي تملأ الميادين بأن الكمبيوتر المحمول متاح في الأسواق المصرية".

• توقعات مستقبلية ناجحة

وأشار إلى أن "الفائدة الثالثة في هذه الزيارة، كانت في التعرف على ملكات الحاج محمود العربي في الاستشراف، استعانة بفهمه للناس وطبائعهم وأحوال الاقتصاد والأسواق. وشاركنا في توقعاته بأن يكون للاقتصاد الفيتنامي شأن في المستقبل، وأن راكبي الدراجات الهوائية -النشيطين والمبتسمين دائما- سيملكون في يوم قريب سياراتهم الخاصة. وهو ما رأيته متحققا في زياراتي المتعاقبة لهذا البلد المدهش في تسارع معدلات النمو التي انعكست على حياة الناس محققين التوقعات. فشوارع هانوي تنطلق فيها السيارات متسارعة، شاغلة ما كانت تشغله الدراجات الهوائية، وبجوارها مركبات أخرى ودراجات أيضا، وتنوعت وتعددت فنادق استقبال السائحين ورجال الأعمال بين بنايات جميلة للسكنى ومرافق الإنتاج والعمل".

وتابع: "ظللت على اتصال وتواصل مع الحاج محمود العربي بعد هذه الزيارة، التي رسخت في ذهني أبعاد شخصية هذا العصامي الريفي المكافح، الذي ارتبط اسمه مع أبناء جيلي بتجارته الأولى للأدوات المكتبية، وإعلاناته في الإذاعة والتليفزيون تردد (العربي في الموسكي)، فتتطور بفعل المثابرة والاجتهاد وبتوفيق الله إلى 4 مراكز صناعية ضخمة في القليوبية والمنوفية وبني سويف، تضم عشرات الآلاف من العمال والمهندسين والإداريين والخبراء، يخرجون للأسواق المحلية والدولية منتجات مصرية بمشاركات عالمية تحمل شعارا مستحقا (صناع الثقة)".

• إسهام في توطين التنمية

وقال: "إن ما قام به الحاج محمود العربي، هو تجسيد لما يقصده أهل الاختصاص والخبراء، بالإسهام في توطين التنمية. فهذه المصانع والمتاجر التي تتوسط مراكز التجمع السكاني، جاذبة أمهر الأيدي العاملة المصرية، مع تطويع التكنولوجيا العالمية للاحتياجات المحلية والبناء عليها ابتكارا وزيادة للقيمة المضافة، فهي قلب التنمية المستدامة وتوطينها لتحقيق هدف من أهم أهدافها وهو التشغيل، الذي يعد الهدف الثامن من أهداف التنمية الـ17، ومعه الهدف الـ9 المعني بالتصنيع والابتكار، وهو في هذا كله محقق لأهداف ذات أولوية في التنمية، متمثلة في مكافحة الفقر من خلال دخول لائقة للعاملين وإسهاما مجتمعيا في البيئة المحيطة بهم، بما يمكنهم من الارتقاء بتعليم أبنائهم وتوفير رعاية صحية جيدة لأسرهم".

ولفت إلى أن "لمن يريد التعرف بيسر على توطين التنمية، فعليه أن يزور هذه المصانع المتداخلة بانسجام وتناغم مع نسيج دلتا مصر وصعيدها، ولعل زيارته تكون أثناء ساعة تغيير نوبات العمل بين خروج وردية من العاملات والعاملين ودخول أخرى حيث الورش وخطوط الإنتاج. وهو ما كنت أحظى به في زياراتي لبلدتي كفر شكر التي تقع مصانع بنها في الطريق إليها، أو في زيارات متعددة لمصانع قويسنا. والمناطق الاستثمارية، التي استحدثت بعد تعديل تشريعي، في بنها وميت غمر والصف، كانت على غرار تجربة قويسنا، فكل منها أنشئ على مساحة في حدود 40 فدانا بالقرب من مراكز التجمع السكاني، ساعية لأن يكون فيها مصانع على غرار ما قام به العربي والمستثمرون الرواد. وتنتشر حولهم مصانع وشركات متوسطة وصغيرة الحجم تتنافس وتتكامل في أساليب عملها، وتحاكي الثقافة الصناعية وقيمها وآدابها، وتقتبس من روادها ما يعينها على التطوير والانتشار في الأسواق المحلية وغزو مجالات التصدير بمنتجات راقية بأسعار تنافسية".

واستطرد: "وفرصة مصر الكبرى كامنة وواعدة فيما شرعت فيه الدولة بالقيام بأهم مشروع تنموي تشهده البلاد على الإطلاق، من خلال مبادرة (حياة كريمة)، فتتوسع بها شرايين الاقتصاد اعتمادا على الارتقاء بالخدمات الرئيسية المقدمة لأهل القرى وتطوير البنيات الأساسية ومرافق المياه والصرف الصحي والطرق الداخلية لقرى الصعيد والدلتا، فضلا عن تطوير وإنشاء وحدات صحية وعلاجية ومدارس، وما هو أهم في الارتقاء بنوعية الخدمة المقدمة وتدعيم مراكز الشباب وقصور الثقافة".

وأكمل: "وفي القلب من هذا كله تنمو تجمعات صناعية وتجارية وخدمية منظمة تتوزع على مراكز المحافظات، جاذبة الأيدي العاملة وفاتحة لمجالات كسب دخول لائقة للمقبلات والمقبلين على سوق العمل. ومع هذه التدفقات الكبرى، نتطلع لأن يكون في زمام كل مركز من مراكز الجمهورية، التي تربو على 440 مركزا وحيا، قطبا إنتاجيا من أقطاب الصناعة والتجارة مثلما فعل العربي في قويسنا وبنها وقليوب وكوم أبو راضي. فبمثل هذه التجمعات الإنتاجية المتجانسة التي ترتبط عالميا من خلال شبكات الرقمنة والتصدير وجذب الاستثمارات، تتحقق الوثبات الكبرى المأمولة للاقتصاد والتنمية".

وتابع: "ما كان من سيرة الحاج محمود العربي، هي مسيرة كفاح وإيمان بتوفيق الله للمجتهد المثابر، تفتحت بها أبواب الرزق لمن حسبهم عن حق شركاء في العمل والنجاح. هي مسيرة بناء وإنتاج وتوطين لم تحفل بصفقات محدودة ولقطات موقوتة. مسيرة جعلت المسؤولية الاجتماعية في قلب منظومة العمل وليس مجرد إدارة مهمشة تستدعى في مناسبات معينة"، واختتم حديثة قائلا: "رحم الله الحاج محمود العربي، وجعل من دروس حياته وأعمال مؤسساته ما يفيد عموم الناس".

• شركات العربي تعلن وفاة محمود العربي وتنعيه

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل