المحتوى الرئيسى

صحوةُ الضمير الإنسانى | المصري اليوم

08/02 19:19

بعد القرارات الجسور التى أصدرها ولى العهد السعودى الأمير «محمد بن سلمان» بنشر التنوير وقيم الدين القويم دون تزيّدات الفقهاء المتطرفة، وتشديده على معاقبة أى شخص يتبنّى الفكر المتطرف بوصفه «مجرمًا»، قائلا: «لن نجعل من البشر آلهةً تحاسبُ الناس»، بدأت حصونُ التطرف والإرهاب باسم الدين فى التهاوى المتسارع. قدّمَ أحدُ أعتى غُلاة المتشددين فى المملكة السعودية، «د. عائض القرنى»، أخطرَ مراجعة فكرية عرفها التاريخُ الحديث، واعتذر على الهواء وعلى الملأ عن سلبيات عديدة فى نهج ما سموه «الصحوة الإسلامية»، التى أورثتِ البشرية سنواتٍ وعقودًا من الويل والتنمّر والتكفير والإرهاب وتشويه وجه الإسلام فى عيون العالم.

فى الوحدةِ يصنعُ الإنسانُ كُرةً.. أو يُطلقُ رصاصة

درس «علا غبور».. فى مناهج التعليم المصرى

وهذا الاعتذارُ ليس سهلًا، أو كلمةً تخرجُ من الأفواه يُسرًا كما خرجت ألسنةُ اللهيب من الأفواه يُسرًا فكفّرت وفجّرت وأحرقت. فالمُعتذِرُ، وهو (الرقم الصعبُ) فى الفكر السلفى التكفيرى المتشدّد، يعلمُ تمام العلم أنه سيكون فى مرمى سهام الانتقاد اللاذع من (الأرقام الصغيرة) التى ترتزقُ على التشدد والتكفير والرجعية. فهو ببساطة «يُبوِّر» بضاعتهم بذاك الاعتذار!

«الحركة الصحوية» مصطلحٌ نشأ فى ثمانينيات القرن الماضى على ألسن بعض الدُّعاة المتشددين مثل «سلمان العودة»، «عائض القرنى»، «عوض القرنى»، «ناصر البريك»، «سفر الحوالى»، وغيرهم. وهى حركة إخوانية عمدت إلى إخفاء الوجه السمح للإسلام وإعلاء راية الرجعية والتديّن الشكلى وإهمال جوهر الإيمان. واليوم، يبدأ أحدُ أساطين ذلك التيار فى رحلة العودة من طرف الجمود المتزمّت إلى جادة الاعتدال السمح الذى يُبشِّر ولا يُنفِّر؛ كما ينصُّ الحديثُ الحاسم: «يَسِّروا ولا تُعسِّروا، بشِّروا ولا تُنفِّروا». وتلك بدايةٌ طيبة لطَىّ صفحة سوداء من تاريخ الإنسانية، دفعت فيها البشريةُ بكاملها فاتورة التطرف الفادحة، لم تسددها بعدُ بالكامل.

ويثبُ للأذهان سؤالٌ: هل يُصالح ذلك الاعتذارُ ملايين النفوس التى تكدّرت حياتُها جراء تلك «الصحوة»، كما سموها على مدى نصف قرن؟! هل يداوى الأرواحَ التى أُزهقت والدماء التى أُهرقت بسبب تكفير الناس للناس؟! هل يعيدُ الثرواتِ الحضاريةَ التى فُجّرت وحُطّمت وأُحرقت جرّاءَ نعتها بالأصنام كذبًا وجهلاً؟! هل يُقدّم الاعتذارُ ترضيةً للبلاد الغربية التى دخلها المتطرفون لاجئين فخرّبوا حضارتها بدعوى أنها أرضُ كفر وضلال؟! وأتساءلُ بحزنٍ ورجاء إن كان ذلك الاعتذارُ الجميل سوف يرأبُ صدوعَ مصرَ التى ألبستها رياحُ الصحويين الأكفانَ وهى فى عزّ إشراقها وجمالها، وضربت خاصرتَها سهامُهم ففرّقت بين مسلميها ومسيحييها؟! ثم نتساءل إن كان الرأى العام العالمى سوف يصمت، أم يتخذ إجراءً حاسمًا ضد قطر وتركيا بعدما فضحتهما شهادةُ «القرنى» وكشفت أنهما على رأس الجهات الداعمة للإرهاب فى المنطقة العربية، والممولة لأجندات الإخوان، إلى جانب بوقهما الإعلامى، قناة الجزيرة، لتجميل خطابهما الدموى؟!

تأخر الاعتذارُ كثيرًا بعدما «اتسع الخرقُ على الراتق» واستفحل سرطانُ الإرهابُ فى أرجاء الأرض، فقررت السعودية التحرر من النفق المظلم. ولكن الاعتذارَ اعتذارٌ؛ وإن تأخّرَ. وخيرٌ من ألا يأتى على الإطلاق. فالاعتذارُ فى حدّ ذاته إدانةٌ صريحة عن السنوات الآثمة التى توغّل فيها (الفكر الصحوى) فهيمن على آذان بسطاء المسلمين فى أرجاء الأرض، وسيطر على عقل المجتمع العربى والإسلامى وظلَّ صداه مُدويًّا على منابر المساجد، وجعلنا نحن التنويريين فى مرمى النيران، واضعًا أعناقَنا تحت مقصلة التكفير، بزعم أن كل من يُخالف نهج الصحوة معادٍ للإسلام! والعكس هو الصحيحُ دون شك.

وهنا يبرزُ السؤالُ الكبير: «وماذا عن شيوخ التكفير فى مصر من تلاميذ (الصحوة السعودية)؟! هل سيعتذرون كما اعتذر عرّابُهم، أم ستأخذهم العزّةُ بالإثم ويُكابرون؟!».

أعلن «مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة» التابع لدار الإفتاء المصرية، فى بيانه الرسمى، أنه يُرحِّب باعتذار الداعية السعودى عن الأفكار المتشددة التى كان يدعو إليها، وأنها خطوة مهمة وجريئة فى طريق التخلص من التطرف والتشدد. فالاعتذارُ رجوعٌ إلى الحق وشجاعة أدبية ودينية مُثمّنة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل