المحتوى الرئيسى

من التفوق إلى الإدمان والإيدز والسجن.. شاب يروي قصة انتصاره على ثالوث الموت

08/01 14:27

هل جربت أن تتشبث بالحياة؟ أن تشعر بأن الموت يحيط بك من كل جانب، تشم رائحته، تغمض عينيك مستسلما لعله يظهر إليك الآن، لكنك وقبل اللحظة التي كدت أن تراه فيها، تقرر الهرب مهرولا، لن أموت اليوم، سأكافح من أجل الحياة، هذا خطأي، سرت في طريق الموت، لكن الآن سأبتعد، وسأسلك طريقا آخر، طريق النجاة.

هذا ما فعله "حسام" -اسم مستعار اختاره بطل القصة لنفسه- لأنه عاش سنوات يحارب وصم المجتمع المحيط به بسبب محاربته للإدمان والإيدز معا، ولا يريد أن تتجدد المعركة من جديد.

كان "حسام" طفلا مثل غيره، بل كان نابغة، مجتهدا في دراسته، لا يمر شهرا واحدا إلا ويتم تكريمه من المعلمين، حتى وصل إلى مرحلة الثانوية العامة بنجاح مميز، وكان الطموح يملؤه، فتمنى أن تكون حياته غير عادية بأن يصبح طيّارا، ليرى العالم بأسره، فالتحق بالثانوية الجوية، ونجح في جميع الاختبارات دون أي واسطة، معتمدا فقط على قدراته الرياضية والبدنية، بالإضافة لمعلوماته العامة.

لم يدم الحلم الجميل طويلا، فبعد مرور 3 أشهر فقط من الدراسة، تشاجر "حسام" مع أحد الضباط، ليجد نفسه مفصولا من المدرسة، ولم يتم قبوله مرة أخرى بالرغم من محاولاته المضنية للعودة.

وجد "حسام" صعوبة في تغيير مجرى حياته، فلم يكن لديه أي هدف آخر في الحياة سوى أن يصبح طيارا، فكان ينجح في الثانوية العامة بالكاد، وبدأ في تدخين السجائر، حتى وجد نفسه يتعاطى المخدرات وهو يدرس في الصف الثاني الثانوي.

بالرغم من نشأته وسط أسرة فقيرة الحال، إلا أن حياة "حسام" تغيرت رأسا على عقب، فكان يسهر يوميا في الحفلات والديسكوهات، وتحول إلى شخص ليس لديه أي قوانين، ومن هنا دارت عجلة الانهيار، فأدمن شرب الخمر، وعمل في أحد البارات، حتى أنه قام بتأجير بار خاص به ليكون ملكه، ثم أدمن الهيروين، ونجح بالكاد في الثانوية العامة، والتحق بكلية التجارة، لكنه ترك الدراسة في العام الثاني بسبب القبض عليه.

يقول "حسام": "تم سجني بسبب حيازتي لكمية من المخدرات، كانت لاستعمالي الشخصي، وقضيت 3 سنوات في السجن، وبعدما خرجت منه، كانت حياتي قد تدمرت تماما، فلم يصبح لدي أي شيء، لا مؤهل دراسي، لا مال، لا بدايات جديدة، فعدت إلى تعاطي المخدرات بشكل أكبر، وشعرت بأن حياتي ستنتهي قريبا، إما سيتم القبض عليّ مرة أخرى وسأموت داخل السجن، أو سأموت خلال حادث، أو بسبب تناول جرعة زائدة من المخدرات، وكان عمري وقتها 23 عاما فقط".

أصبح "حسام" يقف على أرصفة الطرقات طوال الوقت، حيث ترك منزله، وتعرف على أشخاص سيئة السمعة، لكي يعطوه المزيد من المخدرات، وكان ينام في المساجد، أو على الأرصفة، وفي الحدائق، أو فوق أسطح المنازل، حتى وجد نفسه واحدا من ضمن الأشخاص، الذين كان يطلق عليهم لقب "سيئي السمعة".

وعن موقف عائلته منه، قال: "شعرت عائلتي في ذلك الوقت بصدمة شديدة على حالي، فهم شاهدوا ابنهم النابغة الذي كان لديه مستقبل كبير، يتحول إلى مدمن للمخدرات والهيروين، خاصة والدتي، حزنت عليّ كثيرا، وأصعب شيء أشعرني بالمرارة، كان عندما تقوم والدتي بطبخ الطعام الذي يكفيها هي وأشقائي فقط، لكي لا أكل معهم، كنت أشعر بالحزن وقتها كثيرا".

ذات يوم، وسط هذه الحياة المتخبطة، حدث لـ"حسام" ما كان يخشاه، حيث تعرض لحادث وسقطت سيارته في إحدى الترع، ودخل في غيبوبة تامة لمدة 8 أيام، وبالرغم من أن هذه هي الميتة التي كان يتوقعها لنفسه، إلا أنه وجد نفسه قد أفاق من الغيبوبة: "عرفت في اللحظة دي إنه ربنا هيحييني وهيديني الحياة، مش عاوزني أموت وبيقولي أنت هيبقى ليك حياة كويسة".

توجه "حسام" من المشفى إلى إحدى المصحات لعلاج الإدمان مباشرة، وبالرغم من أنه لم يكن لديه أي مال للعلاج، قبلت المصحة علاجه بالمجان، وبدأ بالفعل رحلته في التعافي من الإدمان وهو يعلم أن هذه الرحلة ستفضي إلى كفاح من نوع آخر، لأنه لا يوجد لديه أي شيء يعمل لأجله بعد التعافي، لكنه أراد أن يكافح حتى آخر نفس.

شعر "حسام" بالأمل في التعافي من الإدمان بعد أول شهرين من العلاج، وقام بإجراء تحاليله الروتينية، ليفوجيء بأنه مصابا بالإيدز، بسبب استخدام الحقن الملوثة التي كان يتعاطى بها الهيروين، فهزت هذه الصدمة عالمه، الذي لم يكن على أرض صلبة من الأساس، خاصة وأنه يعاني أيضا من فيروس (سي).

"ربنا بيعمل معايا كده ليه؟ نجاني من الحادث عشان أموت بالإيدز؟ طب أنا هبطل إدمان إزاي وليه؟ هو أنا فاضلي قد إيه عشان أعيشه أصلا؟"، عصفت الأسئلة في رأس "حسام" فور معرفة الخبر المؤسف، إلى أن بدأ في استيعاب الصدمة، وساعده معالجيه على التوازن مرة أخرى، حيث حمد الله تعالى أنه علم بإصابته بالإيدز في هذا التوقيت المبكر، وعاد إليه الأمل من جديد: "الله أعطاني حياة جديدة، لن أتركها وسأقاوم الإدمان والإيدز معا".

بدأ "حسام" في تناول الأدوية، وشعر بتحسن كبير، ثم قرر أن يتعلم من أجل العمل بعد رحلة التعافي، فحصل على دبلومة الأيزيكس المعتمدة من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان الأول على دفعته، كما حصل على دبلومة من الأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة، وشعر أنه بذلك قام بتعويض ما فاته من الدراسة، ثم قام بالعمل في المصحة التي تعافى فيها.

وعن موقف عائلته من تعافيه من الإدمان، أكد "حسام" أن عائلته شعرت بالذهول من التغيير الإيجابي الذي حدث له، وذلك بعد عامين كاملين من التعافي، لكن حياته القديمة ظلت تطارده، فتم سجنه مرة أخرى لمدة 6 أشهر بسبب قضية قديمة، وعادت إليه الهواجس مرة أخرى، بأن يموت داخل السجن كما توقع، حيث خشي ألا يستطيع الحصول على أدويته في مواعيدها، فيتمكن الإيدز منه خلال الـ6 أشهر، ولكن الله سلّم، مرة أخرى.

يقول "حسام": "الغريب إن صحتي كانت أفضل خلال فترة السجن، فوفقني الله تعالى في الحصول على أدويتي في مواعيدها، وعلمني خلال هذا الوقت الصبر والحكمة، حتى قلت لنفسي (الحياة داخل السجن، أفضل من خارجه)، فهي حياة يملؤها الهدوء، تفكر في الله تعالى معظم الوقت، لكن الحياة في الخارج مليئة بالصراعات، الدنيا صعبة جدا".

لم يتوقف "حسام" عن الكفاح من أجل حياته بعد خروجه من السجن للمرة الثانية، بل أكمل رحلته حتى وصلت إلى 7 سنوات من التعافي، ثم حدثت الصدمة التي قصمت ظهره.

أصعب شيء في رحلة "حسام" كان غضب والدته عليه خلال مرحلة الإدمان، ولأنه صدق في السعي، جعله الله تعالى أن يكون الشخص الوحيد الذي تودعه قبل رحيلها، حيث يروي مشهد وفاة والدته قائلا: "أخيرا نلت رضا عائلتي وخاصة والدتي الحبيبة، وكنت معها في ذلك اليوم، حيث كنا نتناول الطعام وحدنا في المنزل، ونضحك كثيرا، ثم وجدتها تموت بين يدي، وهي تبلغ من العمر 51 عاما فقط، وبكامل صحتها، لم يحدث أي شيء، فقط ماتت فجأة في حضني، كنت أظن أنني سأموت قبلها، لكنها سبقتني، وبعد مرور 5 سنوات تقريبا على وفاتها، مازلت لا أصدق أنها رحلت وتركتني".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل