المحتوى الرئيسى

السياسة الدولية مع نهاية القرن التاسع عشر

07/31 21:11

كيف بدت السياسة الدولية ليلة الأول من يناير عام ١٩٠٠؟ الحقيقة أنه يمكن القول وبثقة أن معظم سنوات القرن التاسع عشر عبرت عن تفوق وهيمنة أوروبية بالأساس على العلاقات الدولية. فخلال هذا القرن هيمنت بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى دول التحالف المقدس (روسيا، بروسيا، النمسا) على العالم من خلال الاستعمار بشقيه العسكري/السياسى والاقتصادى، بينما كانت تتراجع إمبراطوريات قديمة مثل الصين والدولة العثمانية!

يمكن القول أيضا إن السياسة الدولية فى القرن التاسع عشر تأثرت بثلاث تطورات رئيسية، التطور الأول كانت توسعات نابليون فى أوروبا التى سعت إلى إنهاء الملكيات وإنشاء الجمهوريات وانتهت بهزيمته ووضع قواعد دولية (فى الحقيقة أوروبية) لإرهاصات ما يمكن تسميته بالأمن الجماعى فى فيينا عام ١٨١٥، أما التطور الثانى، فكان تزايد عدد الدول القومية وتجذر مفهوم القومية فى ذهن الشعوب سواء تلك الاستعمارية أو شعوب الدول التى خضعت للاستعمار، بينما كان التطور الثالث والأخير هو بداية تفكك الإمبراطورية العثمانية التى مهدت الطريق لمزيد من التوسعات الأوروبية فيما أصبح يعرف فيما بعد بمنطقة الشرق الأوسط!

التطور الأول (معاهدة فيينا)؛ كان أول اتفاق دولى يضع بعض القواعد الحديثة للعلاقات بين الدول، فقد اتفق المجتمعون (روسيا، النمسا، بروسيا، بريطانيا) على تحالفهم العسكرى للدفاع عن أى محاولة أوروبية لتهديد أمن باقى الإمبراطوريات الأوروبية. كان الاتفاق فى فيينا أيضا على عقد مؤتمرات دورية لمراجعة التزام الدول الأوروبية بالاتفاقية وهو ما مهد لما سمى بسياسة المؤتمرات الدولية، وهو أمر أيضا لم يكن معتاد فى العلاقات بين الدول. إلا أن معاهدة فيينا لم تصمد كثيرا وتحولت بمرور الوقت إلى مجموعة من اللقاءات الدبلوماسية غير المجدية وانتهت فعليا باندلاع حرب القرم بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية واستمرت لثلاث سنوات (١٨٥٣ إلى ١٨٥٦) قبل أن تنتهى بتوقيع معاهدة باريس فى ١٨٥٦.

ورغم هشاشة معاهدة فيينا، إلا أن هناك اتفاق عام بين دارسى العلاقات الدولية أنها وضعت حجر الأساس للعلاقات الدولية، كما أنها ساهمت ولو بشكل غير مباشر فى تطور أفكار الوحدة الأوروبية، وخاصة ما طرحته روسيا من خلال التحالف المقدس سالف الذكر، من أن مبادئ الحضارة المسيحية يجب أن تشكل أساس السلام والمحبة والتعاون بين الدول الأوروبية.

تلى معاهدة فيينا بعض الاتفاقات الدولية مثل معاهدة أدرنه ١٨٢٩ بين الدولة العثمانية وروسيا والتى خضعت من خلالها الدولة العثمانية لشرط روسيا فى التخلى عن صربيا والتعهد باستقلال اليونان، ومعاهدة لندن ١٨٤٠ بين الدولة العثمانية من ناحية ودول التحالف المقدس بالإضافة إلى بريطانيا لدعم الدولة العثمانية ضد توسعات محمد على باشا فى بلاد الشام على حساب العثمانيين، بالإضافة إلى معاهدة نانكيج ١٨٤٢ وهى المعاهدة التى تمكنت فيها بريطانيا من إجبار الصين على فتح موانيها للتجارة البريطانية بعد حرب الأفيون الأولى بعد أن كانت الصين تقصر التبادل التجارى على مدينة كانتون (حاليا جوانزاو).

أما فيما يتعلق بالتطور الثانى، فرغم أن الدولة القومية بدأت فى البزوغ مع صلح ويستفاليا الذى أنهى ثلاثين عاما من الحروب الدينية فى أوروبا عام ١٦٤٨، إلا أن مغامرات نابليون بونابرت بالإضافة إلى تزايد الاستعمار شكل وعيا جديدا على أساس قومى (الانتماء للأوطان ذات الحدود المُعرفة عوضا عن الانتماء للإمبراطوريات بناء على رابطة الدين) والتى ساهمت لاحقا فى تشكل حركات التحرر الوطنى والتى حصلت على الاعتراف الدولى لاحقا مع بداية القرن العشرين.

كان هذا التطور القومى أيضا سببا مباشرا فى تراجع دور الدين فى تشكيل مبادئ العلاقات بين الدول، وإن استمرت بعض المبادئ الدينية فى تشكيل توجهات السياسة الخارجية لبعض الدول.

أما فيما يتعلق بالتطور الأخير، فإن تراجع الإمبراطورية العثمانية كان بمثابة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، شرق المتوسط، وشرق أوروبا، كما أنها ساعدت بريطانيا وفرنسا على الهيمنة على المنطقة العربية لاحقا، بالإضافة أيضا إلى تعضيد الأفكار القومية وخاصة فكرة القومية العربية على الأقل على المستوى الفكرى والثقافى.

خلال سنوات القرن التاسع عشر لم يكن هناك تنظيم دولي بالمعنى المتعارف عليه حاليا، فلم تتشكل أبدا خلال سنوات هذا القرن أى منظمة دولية تكون سلطتها فوق سلطة الدول وإن ظل هذا اتجاها فكريا معتبرا فى العلاقات الدولية يقابله اتجاه آخر وهو التمسك بسلطة الدولة القومية رافضا أن تخضع الأخيرة لأى سلطة أعلى منها. ورغم عدم وجود تنظيمات سياسية دولية إلا أن هذا القرن شهد بعض أوجه التعاون الدولى بخصوص قضايا بعينها، فعلى سبيل المثال تشكلت فى لندن عام ١٨٤٠ معاهدة دولية لمناهضة العبودية، كما تشكلت بعض التنظيمات الدولية الفنية مثل الاتحاد الدولى للتلغراف الذى تأسس عام ١٨٦٥ فى باريس والذى عمل على توحيد معايير الاتصالات الدولية بمعايير تكنولوجيا هذا العصر.

كذلك فمن أبرز الحركات التى ظهرت فى القرن التاسع عشر وظهر تأثيرها بقوة فى القرن العشرين على العلاقات الدولية وحتى اللحظة، هى الحركة الصهيونية التى تأسست عام ١٨٩٧ عبر مؤتمرها الأول فى بازل وسعت إلى تهجير اليهود فى شرق ووسط أوروبا إلى فلسطين التاريخية تحت دعوى أن الأخيرة هى الأرض الموعودة لليهود. كانت الحركة الصهيونية رد فعل لحركة فكرية يهودية أخرى انتشرت فى القرن الثامن عشر فى أوروبا تسمى الهاسكالا وتسعى إلى تطبيع اليهود واستقرارهم فى الأوطان الذين يقيمون فيها مع التأكيد على تجذير الثقافة اليهودية فى هذه المجتمعات، لكن جاءت الحركة الصهيونية رافضة لهذا التوجه وداعية إلى هجرة يهودية (أوروبية ولاحقا دولية) لأرض الميعاد، واستخدمت الحركة أدوات كثيرة للضغط على الدول الأوروبية من أجل تحقيق أهدافها وكانت واحدة من أهم الفاعلين من غير الدول التى تؤثر على العلاقات الدولية فى تلك الفترة.

يبقى القول إنه ومع نهاية القرن التاسع عشر ظهرت بعض القوى الدولية الجديدة من خارج أوروبا وأهمها الولايات المتحدة التى كانت بمثابة قوى إقليمية فى أمريكا الشمالية موسعة من انتشارها واستعمارها لأراضى الأخيرة، وكذلك القوة اليابانية التى ظهرت مع نهاية القرن التاسع عشر كفاعل إقليمى بطموحات للهيمنة على السياسة العالمية بدءا من آسيا.

كانت اليابان قد خرجت من عزلتها فى منتصف القرن التاسع عشر وتمكنت ثورة «ميجى» من إعادة القصر الإمبراطورى إلى واجهة الحياة السياسية فى اليابان، محدثا ثورة تحديثات ثقافية ومادية انتهت بعزم اليابان على المغامرة فى العلاقات الدولية وكسر الاحتكار الأوروبى للسياسة الدولية. وكانت البداية عام ١٨٩٤ حينما قامت اليابان بتحقيق مجموعة من الانتصارات العسكرية الساحقة فى كوريا، مما دعا الإمبراطورية الصينية لمواجهة اليابانيين، وهى المواجهة التى أظهرت الانتصار الساحق للجيش اليابانى مبرهنة على تطور الأسطول الحربى اليابانى، ونتيجة لذلك أجبرت اليابان الإمبراطورية الصينية على توقيع اتفاق تنازلت بمقتضاه الأخيرة عن جزيرة فرموزا (تايوان حاليا) بالإضافة إلى أرخبيل البيسكادورس.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل