المحتوى الرئيسى

تكامل العلوم: من الفيزياء إلى البرمجيات

07/25 02:02

من آفة هذا العصر التخصص الشديد الزائد عن الحد، ولا أقصد هنا أن أهاجم التخصص لكني أهاجم التخصص الزائد عن الحد والذي يعني أن الشخص يعلم دقائق نقطة صغيرة جداً في بحر العلم ولا يعلم شيئًا عما حولها، الخطأ في ذلك أن العلم متصل ببعضه وليس جزرًا منفصلة، فإذا تخصصت في نقطة صغيرة جدًا لا تعلم غيرها فلن تعرف تأثير اكتشاف علمي في نقطة أخرى على تخصصك ولا تأثير ما تفعله على بقية العلوم، وحيث أن أغلب الاكتشافات الكبيرة تأتي من تلاقي العلوم وتفاعلها مع بعضها سيظل حجم تأثيرك صغيرًا في مجال العلم إن كنت تعمل باحثًا وسطحيًا إن كنت تعمل مدرسًا وضعيفًا إن كنت تعمل استشاريًا.

لويس باستور مكتشف اللقاحات كان معه درجة علمية في الأدب وأخرى في الكيمياء وليس الطب، العالم الألماني العظيم ليبنز مخترع علم التفاضل والتكامل في الرياضيات (في نفس الوقت مع نيوتن لكن بشكل منفرد) وأشياء أخرى كثيرة كان يحمل درجة الدكتوراه في القانون، مؤسس شركة إنتل جوردن موور (مع روبرت نويس) كان يحمل درجة الدكتوراه في الكيمياء، الحوائط الحجرية بين التخصصات هي سبب تأخر التقدم العلمي في كثير من المجالات، لذلك في هذا المقال سنتحدث عن عدد من العلوم التي تتكامل مع بعضها وسنرى ما علاقة الفيزياء بالبرمجيات.

أول معلومة عجيبة يجب أن نعلمها عن أجهزة الكمبيوتر الآن أن حجر البناء لجميع أنواع أجهزة الكمبيوتر هو الترانسيستور وهي قطعة إلكترونية صغيرة، كل أجهزة الكمبيوتر من أول الأجهزة الصغيرة الموجدة في ساعتك أو تليفونك وحتى أجهزة السوبر كمبيوتر مكونة من مليارات من قطع الترانسيستور، جميل، ماذا يعني هذا؟ يعني أنه كلما زادت أعداد الترانسيستور داخل جهاز الكمبيوتر كلما امتلك هذا الكمبيوتر إمكانيات أكبر، كيف نزيد من أعداد الترانسيستور؟ الحل الوحيد هو تصنيعها بحيث تصبح أصغر حجماً، كلما صغر حجم الترانسيستور كلما كان أسرع وأصبح بإمكاننا وضع الكثير منه داخل أجهزة الكمبيوتر (هذا تبسيط مخل لكنه يفي بالغرض الآن)، لكن هناك مشكلتان.

المشكلة الأولى أن إنشاء المصانع لتصنيع تلك الترانسيستورات صغيرة الحجم جداً (تصنع عن طريق السيليكون وهو في شكله الخام مجرد رمل) يكون مكلفاً جداً وكلما صغُر حجم الترانسيستور (وهو الآن أصغر بنصف مليون مرة من سمك شعرة واحده عند الإنسان) كلما زادت التكاليف جداً، السيليكون المستخدم في تصنيع الترانزيستور يسمي بأشبه الموصلات (semi-conductor)، أما لماذا سمي بهذا الاسم فتلك قصة أخرى قد نتحدث عنها مستقبلاً، المهم هنا أنه إذا زادت تكاليف التصنيع فيجب أن يظل المنتج في الأسواق مدة أكبر لكن أجهزة الكمبيوتر عادة تفقد 2% (اثنان في المائة) من ثمنها كل أسبوع وهذه مشكلة اقتصادية.

المشكلة الثانية هي مشكلة تقنية لأننا لا نستطيع تصغير الترانسيستور إلى ما لا نهاية ونحن قاربنا على حائط سد في السنين الخمسة القادمة ونحتاج الآن إما كشف كبير من علماء الفيزياء أو استخدام أذكي للترانسيستور من مصممي أجهزة الكمبيوتر.

طبعاً هناك مشاكل تقنية أخرى مثل أن وضع كل هذا الكم من الترانسيستورات داخل مساحة صغيرة يضعنا في مشكلة الطاقة المستهلكة والطاقة الضائعة على هيئة حرارة، الأولى تزيد من فاتورة الكهرباء في الأجهزة الكبيرة أو المدة الزمنية لشحن البطارية إن كنا نتكلم عن أجهزة محمولة والثانية تضعنا أمام مشكلة وتكاليف التبريد، مشكلة تقنية أخرى أن في تلك الأحجام الصغيرة جداً يكون الترانسيستور معرضاً للخطأ، إذا فنحن نريد بناء أجهزة كمبيوتر لا تخطئ باستخدام أحجار بناء تخطئ! لكن ما علاقة كل ذلك بالبرمجيات؟

كلما زاد عدد الترانسيستورات داخل جهاز الكمبيوتر كلما أمكن بناء جهاز أقوى بمميزات أكثر، إذًا يجب على المبرمج معرفة تلك المميزات حتى يتمكن من استغلالها في برمجياته، أيضاً يمكن بناء أجهزة كمبيوتر مصنوعة خصيصاً لنوع معين من البرمجيات مثل الذكاء الاصطناعي أو أنظمة المحاكاة في التجارب العلمية في الفيزياء والكيمياء وأبحاث المخ وتصنيع اللقاحات إلخ. لتصنيع تلك الأجهزة الخاصة يجب أن يجلس مهندسو الكمبيوتر مع المبرمجين لمعرفة أنواع تلك البرمجيات وما تحتاجه حتى تعطي أفضل نتائج. إذا المبرمج يجب أن يكون على علم ولو قليل بما يحدث في علوم الفيزياء والالكترونيات وهندسة الكمبيوتر، ومهندسو الكمبيوتر يجب أن يكونوا على علم بما يحدث في دنيا البرمجيات.

التخصص الزائد عن الحد جاء نتيجة أن أغلب بلدان العالم "بلد شهادات" وأن العائلات تريد من أبنائها أن "ياخدوا الشهادة وبعدين يعملوا اللي هما عايزينه" وأن الجامعة المخصصة للربح تريد أن تربح، لذلك يحب الكل أن تكون هناك مناهج دراسية متخصصة محددة لا تتغير إلا في النادر "عشان نخلص".

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل