المحتوى الرئيسى

«المصرى أفندي».. أرميني عبر عن نبض الشارع واتهم بإهانة الحكومة

06/19 04:06

الشخصية الوحيدة القادرة على مقابلة أعلى سلطة وأصحاب القرار 

مجلة المصرى أفندى اعتبرت البديل الموازى لمجلة «آخر ساعة»

99% من الشعب كان يرتدى «الجلابية» لذلك وبعد 

9 سنوات ظهرت شخصية «ابن البلد» للمبدع رخا 

صدقى باشا أمر بالقبض على «المصرى أفندى» بتهمة إهانة الحكومة

صاحب المصرى أفندى يحصل على الجنسية المصرية عام 1955

عندما استعانت المجلة بالفنان الأرمنى صاروخان الذى بدأ النشر بمساعدة التابعى الذى ساعده فى الأفكار وبعدها  بدأ التفكير فى ابتكار شخصية تكون لسان رجل الشارع يستطيع مقابلة أكبر الشخصيات وتوجيه النقد لها وعلى صفحات مجلة «روز اليوسف» استطاعت هذه الشخصية التعبير عن رجل الشارع الذى يواجه الساسة والزعماء ويدخل المعارك ويلعب دوراً مهماً على امتداد السنوات وكان الظهور الأول لها فى مارس 1932..

 والحقيقة أن شخصية المصرى أفندى لم تكن ابتكاراً خالصاً لصاروخان لكنها اقتباس من صورة لرجل ضئيل الحجم (الرجل القصير) كانت تظهر على صفحات «الديلى إكسبريس» للرسام الإنجليزى «ستروب» وقد أحضرتها السيدة فاطمة اليوسف والأستاذ التابعى للرسام صاروخان.. وكانت الصورة الإنجليزية لرجل يرتدى القبعة ويمسك بيده مظلة وقد استبدل الرسام صاروخان القبعة بالطربوش والمظلة بالسبحة وظلت النظارة السميكة على وجهه.. وقد استخدم الرمز «المصرى أفندى» فترة طويلة على يد الفنانين رخا وزهدى وطوغان وعبدالسميع واستمر فترات طويلة كتعبير لرجل الشارع وإن كانت هذه الشخصية تلقى بعض العتاب على ملابسه فهو يرتدى «بدلة» وهذه «البدلة» ترتديها طبقة الأفندية فقط، كما أنها مقتبسة تم تمصيرها لذلك كانت دائماً الحاجة إلى شخصية أخرى تتجسد فيها كل صفات الشخصية المصرية؛ حيث إن 99% من الشعب كان يرتدى «الجلابية» لذلك وبعد تسع سنوات ظهرت شخصية «ابن البلد» للمبدع رخا. وفى 1938 أصدر عبدالرحمن نصر مجلة المصرى أفندى مجلة سياسية مصورة رئيس تحريرها مأمون الشناوى وعندما صدر قرار بوقف مجلة آخر ساعة بحكم القضاء فى أكتوبر 1939 شارك مصطفى أمين ومحمد التابعى فى إصدار مجلة المصرى أفندى واعتبرت البديل الموازى لمجلة آخر ساعة نفس السياسة التحريرية والموقف السياسى الثابت.. وفى العدد 50 من المجلة تصدر - مقدم من أسرة تحرير آخر ساعة- شكر لإدارة مجلة المصرى أفندى عن فترة الاستضافة.  

ليلة القبض على المصرى أفندى 

 بعد أن استقر صاروخان فى مصر رسم على صفحات روز اليوسف كاريكاتير يمثل المصرى أفندى داخل وعاء كبير وحوله حكومة صدقى باشا تقلب فى النار وتشوى المصرى أفندى كغذاء لها.. ثارت الحكومة وطالب صدقى باشا رئيس الوزراء بالقبض على صاروخان صاحب الشخصية وعندها وأمام  المحقق استطاع صاروخان الخروج من المأزق بخفة دم وقال أنا أقصد الحكومة (بتطفى النار) قالها بلكنة أجنبية ابتسم المحقق وخرج صاروخان براءة من القضية لكنه أكد فى محضر الضبط أن الشخصية من إبداع روز اليوسف وليست ملكاً له إنما هو منفذ للفكرة فقط ربما ذلك كان سبباً فى احتفاظ روز اليوسف بالشخصية ورفضها رسمها فى أى مكان آخر عندما حاول صاروخان رسمها بمجلة آخر ساعة لكنها كانت دائما ما تسأل عنه وكانت سبباً فى حصوله على الجنسية المصرية.

عندما تضيق مساحة الوطن وينبض القلب بهدوء وتنكسر فى النفس أشياء يبحث الإنسان عن مساحة من الهواء والأرض ومكان آخر يصبح بعد فترة وطناً يعيش فيه ويظل يتعلق بالحياة فى وطنه الأصلى وقد يصنع لنفسه مساحة يولد فيها إبداعه ويتقبله الآخر فيصبح وطنه ووطن أبنائه ويدافع عنه وإن كانت جذوره ممتدة فى أرض أخرى.

الأرمنى صاروخان صاحب مدرسة الكاريكاتير المصرى ومدرسها الأول وصانع الأجيال, عاشت أسرة ألكسندر هاكوب صاروخان المولود فى 1 أكتوبر 1898 ببلدة صغيرة ضمن مقاطعة باطلوم التابعة لإقليم القوقاز التابع للإمبراطورية الروسية .. أسرة صغيرة يعمل الوالد فى تجارة الأقمشة ويسعى الابن الأوسط صاروخان وشقيقه إلى مساعدة الوالد فى بعض الأعمال ويختلص صاروخان الوقت ليرسم والأب يفرح ويشجعه كثيراً ويلحق الأب صاروخان بإحدى المدارس الروسية بالمدينة الكبيرة وفيها يلتقى صاروخان بمعلمه الأول مدرس رسم روسى استطاع أن يخرج المارد الفنى داخله كما أخرج طاقته التشكيلية لم يكن عرف المبالغة فى الرسم لكنه مهد له الطريق للدراسة التشكيلية وفن التشريح. 

ومن السعى إلى الأفضل يفكر الوالد فى تغيير تجارته إلى النفط القوقازى وينتقل بالأسرة إلى إسطنبول 1909 وهناك يتعرف صاروخان على واقع فنى آخر ويشغل نفسه كثيراً بالدراسة التشكيلية للناس والمناظر الخلابة ويحاول أن يرسم الاسكتش بأقلام الفحم النباتى محاولا الوصول إلى صيغة خاصة حتى يلتحق مع شقيقه الأصغر بمدرسة الآباء المخيطاريين بإسطنبول ويبدأ صاروخان المحاولة الأولى بعمل مجلة أسرية تهتم بشؤون الأسرة يرسمها ويحررها شقيقه الأصغر وقراء المجلة خمسة أفراد فقط (الأب والأم وشقيقاته الثلاث) وبانتقال الأسرة إلى باطلوم لتعثر تجارة الأب تفقد المجلة القراء وتتوقف عن الصدور بعد استمرارها عامين.. تسافر الأسرة ويبقى صاروخان وشقيقه داخل المدرسة التى ترفع العلم النمساوى. 

 تحققت النجاة لصاروخان وشقيقه من مذبحة الأرمن الشهيرة أثناء الحرب العالمية الثانية فكان رفع العلم على المدرسة بمثابة الحماية لأبناء الأرمن داخلها باعتبار الإمبراطورية النمساوية المجرية كانت الحليف للدولة العثمانية، يظل الشقيقان حبيسا الأسر الاختيارى داخل أسوار المدرسة حتى انتهاء الحرب العالمية يخرج الأكبر صاروخان إلى العمل ليصرف على شقيقه يعمل مترجماً وموظفاً صغيراً وعلى مكتبه يرسم ويظل يتحرك داخله الرفض الوظيفى فيترك العمل ويبقى بلا عمل فقط يراسل المجلات الأرمنية كرسام هاوى حتى كان الحدث الأهم عندما بدأ ينشر أعماله فى أهم المطبوعات الساخرة جريدة (جارفوش) الساخرة الفكاهية ويبدأ صاروخان حالة من الانتعاش الفنى بفضل صاحبها طويلان المكتشف الأول والحقيقى لصاروخان رائد الكاريكاتير وبأسلوب فنى خاص يحاول الفتى أن يجد لنفسه أسلوباً خاص يميزه عن الأعمال الأرمنية الفنية المرسومة يرسم البورتريه والموتيفة الصغيرة ويبدأ مرحلة من العمل الكاريكاتيرى المتكامل يشجعه طويلان صاحب المجلة ويقدم الفتى صاروخان أروع الأعمال فى المجلة الأكثر شعبية لكن تتغير الأحوال السياسية ويدخل أتاتورك بقواته وترتكب الجرائم ضد الأرمن واليونانيين ويسافر الأخوان صاروخان عام 1922 إلى فيينا ومنها إلى بيت عمهما (اراكيل) فى بروكسل, عرف العم بموهبة صاروخان الفنية وقدرته على نشر أعماله فى بعض المجلات والجرائد الأرمنية فاقترح عليه استكمال دراسته الفنية بمعهد الفنون الجرافيكية بالنمسا, ابتسم الفتى صاروخان وفى دقائق كان فى القطار يرسم على الورق ويكتب التاريخ الجديد ديسمبر 1922 أول يوم لى بالمعهد وهناك تخلص كثيراً من الدراسة الأكاديمية وترك لقلمه حرية التشكيل والمبالغة المدروسة بخلفية أكاديمية أنجز أكثر من 125 عملاً بعيد عن المبالغة الكاريكاتيرية لكنها محاولة منه لدراسة الجسم العارى والحركة وزاوية العمل وتوزيع الظل والضوء داخل اللوحة وخلال دراسته الأكاديمية استطاع صاروخان أن يجد لنفسه شكلاً للتعبير الفنى يستطيع أن يرسم ويبالغ بسهولة لذلك بعد سنتين من الدراسة تجده يجلس فى فناء المعهد يرسم الأصدقاء والدارسين ويبالغ بأشكال كاريكاتيرية فيتميز جدا بأسلوبه الخاص وأصبح رسام الكاريكاتير داخل المعهد فمهد له الطريق للتعرف على الشاب المصرى عبدالقادر الشناوى الذى يدرس فنون الطباعة فهو من أسرة ثرية من المنصورة يريد أن يصدر مجلة ومطبعة فكان اللقاء بين شاب يريد أن يصدر مجلة ساخرة وفنان أصبح داخله طائر فنى يكسر أسوار سجنه ويريد أن يحلق على صفحات مجلة ساخرة.  عرض عبدالقادر الشناوى عليه الحضور إلى مصر وبالفعل سافر صاروخان على ظهر الباخرة حلون المتجهة إلى الإسكندرية وحلم بالعمل فى أم الدنيا يحمل هموم وطنه وقلماً رصاص وأقلام الفحم النباتى وورقاً يدون فيها التاريخ الجديد, يوليو 1924 يحضر إلى الإسكندرية وبمساعدة بعض الأرمن يتجه إلى عبدالقادر فى المنصورة ويصدر معه عددين فقط من المجلة نظراً للظروف المادية لعبدالقادر ومشاكله  الأسرية.. لم يفكر صاروخان فى العودة  إلى النمسا لكنه أحب الحوارى والشوارع المصرية ورسم الناس والبيوت واستطاع إنجاز الأعمال الفنية التى ساعدته على الالتحاق كمدرس رسم بمدرسة كالوسديان الأرمنية 1925, وفى المدرسة الأرمنية تعرف أكثر على عالم الأرمن الجميل بمصر تعرف على أهم وأشهر صانع (كليشيهات) فى مصر بربريان الذى يصنع عنده معظم الصحف والمجلات والتى وعد صاروخان بإلحاقه بأهم المجلات فى مصر.. وتعرف على صاحب مجلة السينما الأرمنية وأصدر معه العدد الأول فى يناير 1925 ورسم مجموعة من الرسوم الكاريكاتيرية والتى وصل فيها أسلوب صاروخان إلى مرحلة النضج الفنى وهى المرحلة الثانية للأسلوب.. صاروخان الذى مر بثلاث مراحل الأولى فى فيينا والثانية بمجلة السينما الأرمنية والثالثة على صفحات روز اليوسف ومجلة آخر ساعة.. استمر صاروخان بالعمل فى مجلة السينما الأرمنية حتى اختلف مع صاحبها وتوقف عن العمل بها وفى نفس الوقت فقد وظيفة مدرس الرسم ففكر فى العمل كموظف فى أحد البنوك لكنه تراجع عن الفكرة واشترك فى تلك الفترة فى معارض فنية استطاع أن يكسب منها بعض الأموال وهو ما شجعه على العمل المستمر فى الفن بشكل أكبر وتأكدت موهبته الفنية خاصة فى رسم البورتريه الكاريكاتيرى للزعماء وللشخصيات السياسية فى ذلك الوقت.

وكما وعده بربريان وداخل ورشته تعرف على محمد التابعى الذى انبهر بأعماله  الكاريكاتيرية ذات الطابع الخاص ومدرسته التى تصنع حالة مختلفة عن السائد, ووجد التابعى فى صاروخان ما يتمناه فقد ظل يبحث عن ريشة خاصة للمجلة بعيداً عن الازدواجية الفنية لريشة سانتيس ذات التوجه المناقض لسياسة مجلة روز اليوسف فقد كان سانتيس يرسم منتقداً سياسة الوفد على صفحات مجلة الكشكول ويرسم على صفحات روز اليوسف يشيد بسياسة الوفد, لذلك اعتبر التابعى أن صاروخان هو الحالة الفنية التى تخرج المجلة من تلك الازدواجية وعلى صفحات العدد 118 يظهر العمل الأول لصاروخان (الثلاثاء 3 مارس 1928) وصورة كاريكاتيرية ساخرة ليست ذات طابع سياسى ومع العدد 120 استمر فى العمل بشكل أسبوعى على صفحات المجلة الأكثر انتشاراً واستطاع صاروخان فى تلك الفترة التأكيد على أسلوبه الخاص والمميز, يقول بيكار (كانت رسوم صاروخان أقرب إلى الرسوم المتحركة التى ابتدعتها سينما القرن العشرين.. وكانت الديناميكية العارمة تحرك كل خط يرسمه وتحيله إلى نبض متفجر وحركة صاخبة لا تعرف الاستقرار).

فى عام 1946 يفكر التابعى فى إغلاق مجلة آخر ساعة لكن الأخوان على ومصطفى أمين ينجحان فى ضم المجلة إلى مؤسسة أخبار اليوم وينضم محررو المجلة إلى «أخبار اليوم» ويتزامل صاروخان مع رخا فى مكتب واحد ويسطر كل منهما سطوراً من نور فى تاريخ الفن المشاغب.. يصنع صاروخان منظومة خاصة من العمل بعد الاستقرار يكتب المسرحية الساخرة ويصدر الكتب الكاريكاتيرية ويسافر لزيارة وطنه الأم ويقيم المعارض ويحصل على الجنسية المصرية 1955.. ويصبح ابن بلد مصرى خاص يتذكر قبر أخيه فيسافر له وأمام قبره يتذكر رحلته الفنية ويبكى على رحيله ونظل نحن نبكى على قيمة فنية كبيرة عندما سكتت الريشة عن الصخب فى يناير 1977.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل