المحتوى الرئيسى

أستاذ علم الأدوية رؤوف مدحت: مستقبل الدواء المصرى فى خطر دون رقابة| حوار

06/19 03:58

حل هيئة البحوث الدوائية ليس له سابقة.. ويقزم دور الرقابة 

تعد صناعة الدواء من أخطر الصناعات فى العالم لعلاقتها المباشرة بالصحة ولأسرارها البحثية، ولتعاظم عائداتها المالية.. لكن ماذا يعنى ذلك بالنسبة للدواء المصري خاصة فى ضوء إحلال هيئة الدواء الجديدة محل الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية؟

حاورنا فى هذا الشأن أحد المؤسسين للرقابة والبحوث الدوائية وأول عربى يشارك فى تأليف الموسوعة الدولية للآثار الجانبية للأدوية، وقد عُرف بإسهاماته العلمية فى دعم الصناعة الدوائية مصرياً وعربياً، وبإنشاء وحدات ومدارس بحثية جديدة تماماً، كما عُرف بمؤلفاته فى المستقبليات، ومن أهمها «إدارة المعرفة»، و«الوطنية فى مواجهة العولمة»، و«المستقبل بين فكر القوة وقوة الفكر».

الدكتور رؤوف حامد أستاذ علم الأدوية من أوائل من نبهوا العالم إلى انعكاسات اتفاقيات التجارة على الدواء، وهو يذكر نداء الدكتور يوسف إدريس له على صفحات الأهرام: «استمر يا دكتور رؤوف ويا كل رؤوف فقد تبدو فى حبك لبلدك ومبادئها شاذاً ولكن عزائنا أننا كثيرون جداً، أكثر من الطمس الطافى فوق السطح». التقيناه ودار الحوار التالي:

- ماذا يحدث داخل هيئة الرقابة والبحوث الدوائية، وهل تم إلغاؤها طبقاً لقانون 151 لسنة 2019 وحلت هيئة الدواء المصرية محلها؟    

-  نعم منذ سنوات قبل 2019 زاد السعى لإلغائها وكان مصدره القطاع الخاص وذلك لأسباب خفية ومؤخراً جاءت الحكومة عام 2019 بمشروع قانون يحقق هذا الغرض. وما يذكر تجنب البرلمان لحضور ممثل لهذه الهيئة فى المناقشة المجتمعية للقانون الذى شرّع بإلغائها. 

-  ما وجه الاعتراض على هذا القانون المؤسس لهيئة الدواء المصرية؟

  بداية هذا القانون بإلغائه للهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية فإنه يهدم كياناً علمياً، ما يتعارض مع الدستور، وبالذات مع المادة 23 والتى تنص على أنه: «تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية»، هذا الهدم ليس له سابقة، لا فى مصر ولا خارجها، وللأسف صاحب هذا التناقض التشريعى تجنب الإشارة فى دباجة القانون إلى تبعية هيئة الرقابة والبحوث الدوائية للقانون 69 لعام 1973، والخاص بالمؤسسات العلمية. 

ذلك يعنى إلغاء البحث العلمى المؤسسى كإطار للرقابة الدوائية، وبالتالى تقزيم الرقابة، ما يحولها إلى خادم روتينى للشركات وليست كياناً مراقباً لها، وضامناً لكفاءة الأدوية،  ولقد تعرضت هذه الهيئة، قبل إعلان مشروع القانون الحكومى الذى يقضى بإلغائها، لجهود غير شفافة لجمع معلومات عن معاملها، وكوادرها...إلخ، دون وضوح للأسباب ومع الوقت ظهر أنها جهود تحضيرية لإلغائها. 

-  هل هناك تأثير سلبي على هيئة الرقابة والبحوث الدوائية ككيان وكخبرات؟

  مجرد الإلغاء لمؤسسة علمية هو وضع سلبي خاصة أنه يجرى كامتداد لتوجهات سابقة قادمة من قيادات لشركات خاصة أن التنفيذ يجرى بأساليب غير صريحة، ومفاجِئة، ومن أشد السلبيات ذلك الإهمال المقصود لأصالة وريادية هذه الهيئة، وأيضا مأساة البدء من الصفر، البدء من الصفر يعنى الهدم للمستقبل. هذه حقيقة، فالهيئة الجديدة تتعمد صناعة القطع مع الهيئة الأصل، مما يمثل إهدارا لما قد تراكم بالفعل، لمصلحة مصر وشعبها، من خبرات وطاقات. ذلك يعنى عدم الاعتراف بالزمن، والذى هو هبة من الخالق. إنه إهدار يغتال التطوير، ويغلق المستقبليات.

أما عن أصالة وريادة الهيئة الملغاة فيكفى الإشارة بإيجاز الى أن ضفيرتها التكاملية بين البحوث والرقابة كانت هى الأولى بين الدول النامية.

 كما أن تنوعات معاملها وخبراتها هى الأكبر على مستوى العالم الثالث، إنها جامعة كبرى فى الرقابة الدوائية، لقد ظل تميزها يتواصل ويتصاعد منذ أن كانت بمسمى مركز الأبحاث والرقابة الدوائية (1963)، فمنها صدرت أول مجلة علمية فى مجالات الرقابة، كما تفاعلت كوادرها مع أهم المؤسسات والخبرات العالمية، وداومت على التطور، وعلى نقل خبراتها إلى الصناعة والجامعات على السواء، داخل مصر وخارجها. ويخبرنا التاريخ بقيامها بعمل «سيمينار تعليمى متنقل» لنقل خبراتها إلى الدول النامية. فهل فى ظل هكذا قدرات وريادات يُسمح بالهدم والبدء من الصفر؟

هنا يكون السؤال «لمصلحة من؟».

 لماذا يضغط القطاع الخاص للتخلص من هيئة الرقابة والبحوث الدوائية؟

- هنا، نحتاج للانتباه إلى تناقض مثير، فبينما الصناعة تشهد تراجعا نسبيا كانت هيئة الرقابة والبحوث الدوائية تتمتع دوما بتفردية لا يمكن بخسها أيضا، بعض القطاع الخاص يسعى للفكاك من سيطرة الدولة ومن الرقابة، وبالتالى فإن تقديم الحكومة للقانون 151 دون تشاور مع «الرقابة والبحوث الدوائية»، لهو أمر صادم. وعموما، المستفيد من الرقابة الجادة هو القطاع الخاص القوى (وليس الضعيف)، وهناك أمثلة تؤكد ذلك. 

- هل تم التخلص نهائيا من البحث العلمى داخل هيئة الدواء تمهيداً لإلغاء هيئة الرقابة والبحوث الدوائية؟

- معنى قيام هيئة الدواء بتقزيم الرقابة من خلال تجريف البحث العلمى أن تصبح الرقابة عمل شكلى روتينى. هذه هى أزمة المنطق المُتسيد بإلغاء الهيئة الأصل باعتبارها هيئة علمية، وإحلالها بجديدة ليست علمية. البعض هنا يحاول التبرير بالقول إن القانون المنظم للهيئة الجديدة يسمح بالتعاون مع مؤسسات البحث العلمى.

هذا فهم خاطىء تماما لثلاثة أسباب. أولا، ليس هناك ما يمنع أى جهة، علمية أو غير علمية، من التعاون مع مؤسسات البحث العلمى، وبالتالى فإن هذه الإشارة فى القانون لا تأتى بجديد، لكنها تُستخدم فى تمريره. وثانيا، كيف يكون لدينا هيئة بحثية رقابية (علمية) قائمة ونلغيها بادعاء الاكتفاء بالتعاون مع مؤسسات علمية. التعاون هنا لن يكون أبدا بالندية أو الفورية التى كانت سائدة عندما كان الباحث والرقابى يعملا معا، أو هما نفس الشخص أو الفريق، وينتميا لنفس المؤسسة العلمية كما كان الحال سابقا. وبالتالى، فى الهيئة الجديدة سيكون العنصر الرقابى اتباعيا، مما يعنى خطرا كبيرا.

ثالثا، عند الاستعانة بالآخرين، يمكن لباب «البزنس» وسياقاته أن ينفتح. ذلك بينما كان الوضع داخل الهيئة الملغاة، مُجسدا لسيطرة الدولة على الرقابة، ولصالح الشعب والصناعة معا. 

-  إذن كيف ترى عواقب وتداعيات إلغاء هذا الكيان العملاق؟

  إنه يفتت الحاضر من كوادر ومعامل وإمكانات وخبرات ومصداقيات وطنية. ذلك يقلل بالشأن الدوائى المصرى وبمستقبلياته، لأن الدواء بطبيعته سلعة تبنى على العلم، وتتطور وتُراقب به، وكل يوم هى فى جديد. 

-  لكن ماهو السر فى تراجع صناعة الدواء حاليا؟ وهل يمكن لهيئة الدواء الجديدة أن تحقق تقدما بشأنها؟

 للأسف صناعة الدواء المصرية كانت متقدمة عن غيرها فى الستينيات وقبلها، ولكنها الآن تتقدم ببطء نسبى (فيما عدا قلة من القطاع الخاص) مقارنة بغيرها، مثل الأردن وإسرائيل والهند. أما عن أسباب التراجع فقد تضخمت تدريجياً من خلال الاعتماد الأساسى على أهل الثقة، ثم هرولة بعض أهل الخبرة للتحول الى أهل ثقة، مما أدى الى التبعية كبديل للابتكار. كان ذلك وراء إهمال البحث والتطوير ومحاولات إضعاف الرقابة. وبالتالى، لابد من العودة إلى تضافرية الأبحاث والرقابة، كما كان عليه الوضع فى الهيئة الملغاة، ولابد من إحياء صناعة الدواء بالبحث العلمى. 

ومما يذكر أن صناعة الدواء قد قاومت ذلك منذ الثمانينيات، وقد أفشلت عديد من المحاولات المتعلقة بربطها بالبحث العلمى. من ذلك محاولة للبنك الأهلى عام 1994، وقت رئاسة  محمد عبدالعزيز، وأخرى عام 2013 برعاية الدكتور حسام عيسى وزير التعليم العالى السابق.

- فى ظل هذه الخلفيات، ما هو الطريق لتطوير الصناعة الدوائية وجعلها رائدة ومنافسة إقليميا ودوليا؟ 

 فى هذا الخصوص اقترح مسارين متكاملين، أولهما يتمثل فى إنشاء مجلس أعلى للدواء تكون مهمته صنع السياسات والاستراتيجيات. يتكون هذا المجلس من خبراء فى جميع المجالات الدوائية، وتجرى أعماله تحت مظلة رئيس الجمهورية، وبمعاونة رئاسة الحكومة.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل