المحتوى الرئيسى

عادل إمام الموهبة التي تذهلني | رأي

05/17 12:58

تخيل أن هناك ممثل ما في بلد ما بدء رحلة نجوميته وتكوين اسمه كنجم شباك منذ عام 1973 بأفلام قليلة التكلفة الإنتاجية، كم عام من الممكن أن تستمر مسيرته متربعا على عرش النجومية وشباك التذاكر؟ كم سنة سيهتم الجمهور بأفلامه التي هو بطلها وينتظرها كحدث سينمائي كبير؟ الحقيقة أن الجمهور ينتظر أعمال عادل إمام طيلة 48 عامًا ومازال، ولكن لماذا تستمر نجومية عادل إمام؟

بالطبع الموهبة والقبول هما السبب الأساسي في وصول عادل إمام إلى نجوم الصف الأول في السبعينات، ولكن أهم ما يميز عادل إمام هو التطور، ويمكن اعتباره هو كلمة السر التي كانت سببًا رئيسيًا في توطيد عرش الزعيم طوال ما يقرب من 50 عامًا متواصلة، تغير فيها شكل الفن وشكل الجمهور وذائقتهم عدة مرات، وفي كل مرة يكون الزعيم حاضرًا.

يمكن تقسيم مسيرة عادل إمام الفنية إلى ثلاثة مراحل، الأولى وهي مرحلة إثبات الوجود لينتقل منها إلى الثانية وهي مرحلة الجماهيرية والثالثة وهي الجلوس على العرش، وفي كل مرحلة كان عادل إمام يتطور ويتغير كممثل، بل ويردك تماما ماهية الجمهور الذي يخاطبه وكيف يخاطبه.

حينما تم اختياره ليقف أمام فؤاد المهندس -بجلالة قدره- في مسرحية "أنا وهو وهي" 1963، وحتى قيامه بأول بطولة مطلقة عام 1973 في فيلم "البحث عن فضيحة"، لم يستقر الزعيم على قالب كوميدي ثابت أو تكنيك محدد، بل كان يتنوع في تقديم الشخصيات ومن خلال هذا التنوع يجرب العديد من التكنيكات في الكوميديا، وإن كان تكنيك استخدام تعبيرات الوجه المبالغ فيها من أجل الإضحاك واضحًا ومسيطرًا.

فستجد أن تكنيك الكوميديا في شخصية "دسوقي" في مسرحية "أنا وهو وهي"، هو الشخص المتعجرف المتعالي (الأليط) دون سبب، في حين استخدم الزعيم تكنيك الشخص الساذج في "لصوص ولكن ظرفاء"، والشخص قليل الذكاء في "كرامة زوجتي"، بل استخدم تكنيك الاحتياج لشيء ما لخلق كوميديا كما فعل مع شخصية "شرشر" في فيلم "أضواء المدينة".

وكانت نتيجة هذا التنوع هو النجاح في عملية إثبات الوجود وضمان موطئ قدم في وسط فني ملئ بأسماء كوميدية رنانة، فأصبح عادل إمام مثلًا شريكًا في مشروعات فنية جمعت الثلاثي شادية وصلاح ذو الفقار وفطين عبد الوهاب، بل إن أكبر دليل على نجاح عادل إمام في إثبات وجوده إيمان مخرج مثل فطين عبد الوهاب به وبقدراته، والاستعانة به في 10 أفلام كاملة.

ولكن ذلك لم يكن المكسب الوحيد، المكسب الأخر هو التأثر بمدرسة فؤاد المهندس في الكوميديا، التأثر في كيفية استخدام الجسد في الكوميديا، بالطبع مع اختلاف كيفية هذا الاستخدام، والأهم هو التأثر بقدرة فؤاد المهندس على خلق قالب واحد فضفاض يصلح للتعامل مع كافية الشخصيات مع ثبات لزمات حركية أو صوتية يقدمها في كافة شخصياته.

في السبعينات كانت السينما المصرية قد تغيرت والجمهور قد تغير، وهنا يبدأ عادل إمام مشواره في البطولة والسينما على اعتاب تغيير كبير، ذلك التغير الذي كان الجمهور سببًا رئيسيًا فيه، في البداية يتخذ عادل إمام ثوب الشاب الطيب الساذج في بطولته الأولى (البحث عن فضيحة) ولكن سرعان ما يلمح عادل إمام مكانًا شاغرًا يصلح لأن يملئه، وهو النجم الشعبي.

كان فريد شوقي بحكم السن تخلى عن الأكشن ليبدأ مرحلة هي الأكثر إمتاعًا في حياة الملك، ولكن الجمهور بحاجة إلى بطل شعبي، يعيشون معه ويعيش معهم، بطل شقي مختلف عن الفتوة الجدع الذي كان يعشقونه، هم كانوا بحاجة إلى لبلب تلك الشخصية التي قدمها شكوكو في فيلمه "شمشون ولبلب" أو "عنتر ولبلب" -كلاهما واحد- وكان الزعيم هو اللبلب المنتظر.

ولكن هل لبلب هذا اختراع عادل إمام، الحقيقة أن شخصية الولد الشقي خفيف الدم، كان لها ممثليها وعلى رأسهم بالطبع أحمد رمزي ومن بعده حسن يوسف ومحمد عوض في بعض الأفلام ويوسف فخر الدين في العديد من المحاولات، وهنا تأتي واحدة من أركان موهبة الزعيم الإحساس بالوقت، أدرك الزعيم أن الجمهور بحاجة إلى شاب أصغر سنا من هؤلاء النجوم، ليقدم شقاوة من نوع جديد، فكان فيلم "شياطين للأبد"، ثم فيلم "المهم الحب"، ثم أفلام مثل "الخدعة خفية" و"البحث عن المتاعب" و"24 ساعة جواز" وغيرها، أفلام استطاع عادل إمام أن يحقق منها جماهيرية مطلوبة وتواجد مستمر في صراع شباك التذاكر ولكن كان هناك مكسب أهم.

المكسب الأهم هو صناعة القالب الذي يريده، صناعة لزماته الحركية التي يؤديها من داخل كل شخصية يقدمها، مرحلة الصناعة تلك استغرقت من الزعيم 5 سنوات، يقدم من خلالها العديد من اللزمات الحركية باختلاف الشخصيات وتضحكك في كل مرة وتصدقها من كل شخصية فإذا شاهدتها مع شخصية مشاغبة مثل شعبان في البحث عن المتاعب ستصدقها وإذا شاهدتها من شخصية طيبة القلب ساذجة مثل سرحان عبد البصير في مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" ستصدقها وتضحكك أيضا.

وهذا التكنيك في التمثيل وضع عادل إمام أمام انتقاد دائم -مستسهل- بأنه يقدم شخصية واحدة في كل عمل، الحقيقة أن الرد على هذا النقد متواجد في أفلام عادل إمام نفسها، فلا توجد شخصية تشبه الأخرى في كل ما قدمه عادل إمام ولكن اللزمات الحركية هي الثابتة، فعادل إمام يقدم الشخصية من خلاله، يجعلها تأتي إليه لا يذهب إليها، وهذا ما فعله فريد شوقي وفؤاد المهندس على سبيل المثال من قبل، ولكن كل شخصية يقدمها الزعيم تختلف عن الأخرى فلا الهلفوت مثل المشبوه ولا المتسول مثل شعبان تحت الصفر.

لأنه العادي.. فهو الزعيم

مع شخصية "إبراهيم الطائر" في مسلسل "أحلام الفتى الطائر" انتقل الزعيم للمرحلة الثالثة المرحلة الأطول والأكثر إنتاجًا وتنوعًا، عادل إمام تفرغ تفرغًا تامًا لتدعيم عرشه وإمبراطوريته، تنوع كبير في الأدوار، وفي الأفلام التي قدمها مع ثبات أسلوب التمثيل، في تلك الفترة قدم عادل إمام أدوار شديدة الصعوبة، خاصة في الفترة من 1980 وحتى النصف الثاني من التسعينات، مع العلم أن ذائقة الجمهور وشكل البطل الذين يحتاجونه تغيرت مرة أخرى.

يدرك الزعيم بحاسته التي لا تخيب أن الجمهور بحاجة إلى أصعب بطل على الإطلاق، الجمهور بحاجة إلى أن يكون بطلهم شخصًا عاديًا، لا هو فتوة أو شقي أو دنجوان، فقط شخص عادي يشبههم في الملامح والمستوى، وتحوله الأحداث لبطل، هم بحاجة إلى "هاني" في "الإنسان يعيش مرة واحدة"، أو "ممدوح فتيحة" في "زوج تحت الطلب"، أو "وائل" في "خلي بالك من عقلك" أو "شريف المصري" في "كراكون في الشارع".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل