المحتوى الرئيسى

كذبة انتشار الإسلام بالسيف.. مقتطفات من أخطر كتب عبدالمتعال الصعيدي

05/14 19:31

جاء العصر الحديث وجمهور المسلمين يرون خطأ أن الإسلام انتشر بالسيف، وأن الدعوة إليه إذا لم يفد فيها السلم وجب العدول عنه إلى الحرب، ليكره الناس بالسيف على الدخول فيه، فإذا لم يقبلوا الدخول فيه حلت لنا دماؤهم، وفى هذا يقول القاضى أبوبكر بن العربى فى كتابه «أحكام القرآن» عند تفسير قوله تعالى فى سورة البقرة: «لا إكراه فى الدين» (البقرة ٢٥٦): «قيل إنها منسوخة بآية القتال، وهو قول ابن زيد. الثانى: إنها مخصوصة فى أهل الكتاب الذين يقرُّون على الجزية، وعلى هذا فكل من رأى قبول الجزية من جنس تحمل الآية عليه. الثالث: إنها نزلت فى الأنصار، كانت المرأة منهم إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها إن عاش أن تهوّده، ترجو به طول عمره، فلما أجلى الله تعالى بنى النضير قالوا: كيف نصنع بأبنائنا؟ فأنزل الله تعالى الآية «لا إكراه فى الدين». ثم قال: قوله تعالى: «لا إكراه» عموم فى نفى إكراه الباطل، فأما الإكراه بالحق فإنه من الدين، وهل نقتل الكافر إلا على الدين، قال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» وهو مأخوذ من قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» (البقرة ١٩٣)، وبهذا يستدل على ضعف قول من قال إنها منسوخة. ثم قال: فإن قيل فكيف جاز الإكراه بالدين على الحق، والظاهر من حال المكره أنه لا يعتقد ما أظهر؟ الجواب أن الله سبحانه بعث رسوله محمدًا، صلى الله عليه وسلم، يدعو الخلق إليه، ويوضح لهم السبيل، ويبصرهم الدليل، ويحتمل الأذية والهوان فى طريق الدعوة والتبيين، حتى قامت حجة الله، واصطفى الله أولياءه، وشرح صدورهم لقبول الحق، فالتقت كتيبة الإسلام وائتلفت قلوب أهل الإيمان، ثم نقله من حال الأذية إلى العصمة، ومن الهوان إلى العزة، وجعل له أنصارًا بالقوة، وأمره بالدعاء بالسيف، إذ مضى من المدة ما تقوم به الحجة وكان من الإنذار ما حصل به الإعذار. ثم ذكر جوابًا ثانيًا وهو أنهم يؤخذون أولًا كرهًا، فإذا ظهر الدين، وحصل فى جملة المسلمين، وعمت الدعوة فى العالمين، حصلت له بمثافنتهم وإقامة الطاعة معهم النية، فقوى اعتقاده، وصح فى الدين وداده، إن سبق له من الله تعالى التوفيق، وإلا أخذنا بظاهره وحسابه على الله.

وقال أيضًا أبوبكر أحمد بن على المعروف بالجصاص فى تفسير تلك الآية فى كتابه «أحكام القرآن»: قوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» روى عن الضحاك والسدى وسليمان بن موسى أنه منسوخ بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ» (التوبة ٧٣)، وقوله تعالى: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» (التوبة ٥) وروى عن الحسن وقتادة أنها خاصة فى أهل الكتاب الذين يقرون على الجزية دون مشركى العرب، لأنهم لا يقرون على الجزية، ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وقيل إنها نزلت فى بعض أبناء الأنصار، كانوا يهودًا فأراد آباؤهم إكراههم على الإسلام، وروى ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير، وقيل فيه: أى لا تقولوا لمن أسلم بعد حرب إنه أسلم مكرهًا، لأنه إذا رضى وصح إسلامه فليس بمكره. قال أبوبكر: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» أمر فى صورة الخبر، وجائز أن يكون نزول ذلك قبل الأمر بقتال المشركين، فكان فى سائر الكفار، كقوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ» (فصلت ٣٤)، وكقوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» (المؤمنون ٩٦)، وقوله تعالى: «وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» وقوله تعالى: «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا» (الفرقان ٦٣)، فكان القتال محظورًا فى أول الإسلام، إلى أن قامت عليهم الحجة بصحة نبوة النبى، صلى الله عليه وسلم، فلما عاندوه بعد البيان أمر المسلمون بقتالهم، فنسخ ذلك عن مشركى العرب بقوله تعالى: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» (التوبة ٥) وسائر الآى الموجبة لقتال أهل الشرك، وبقى حكمه على أهل الكتاب إذا أذعنوا بأداء الجزية ودخلوا فى حكم أهل الإسلام وفى ذمتهم، ويدل على ذلك أن النبى، صلى الله عليه وسلم، لم يقبل من مشركى العرب إلا الإسلام أو السيف. ثم قال: فإن قال قائل: فمشركو العرب الذين أمر النبى، صلى الله عليه وسلم، بقتالهم وألا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف قد كانوا مكرهين على الدين، ومعلوم أن من دخل فى الدين مكرهًا فليس بمسلم، فما وجه إكراههم عليه؟ قيل له: إنما أكرهوا على إظهار الإسلام لا على اعتقاده، لأن الاعتقاد لا يصح منا الإكراه عليه، ولذلك قال النبى، صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن القتال إنما كان على إظهار الإسلام، وأما الاعتقادات فكانت موكولة إلى الله تعالى، ولم يقتصر النبى، صلى الله عليه وسلم، على القتال دون أن أقام عليهم الحجة والبرهان فى صحة نبوته، فكانت الدلائل منصوبة للاعتقاد وإظهار الإسلام معًا، لأن تلك الدلائل من حيث ألزمتهم اعتقاد الإسلام فقد اقتضت منهم إظهاره، والقتال لإظهار الإسلام، وكان فى ذلك أعظم المصالح، منها: أنه إذا أظهر الإسلام وإن كان غير معتقد له فإن مجالسته للمسلمين وسماعه القرآن ومشاهدته لدلائل الرسول، صلى الله عليه وسلم، مع ترادفها عليه تدعوه إلى الإسلام، وتوضح عنده فساد اعتقاده. ومنها أن يعلم الله أن فى نسلهم من يوقن ويعتقد التوحيد، فلم يجز أن يقتلوا مع العلم أنه سيكون فى أولادهم من يعتقد الإيمان. وكذلك ذهب هذا المذهب فى تفسير الآية غير ابن العربى والجصاص من المتقدمين، فترادفوا على جواز الإكراه على الإسلام بل على وجوبه، وأبطلوا عمل الآيات الداعية إلى أخذ الناس إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالجدال بالتى هى أحسن، وبدفع السيئة بالحسنة، وهى من المكارم التى لا يضر الإسلام بقاء العمل بها، بل يسىء إليه أن يدعى أن العمل بها كان فى أول الإسلام فقط.

نعم إن الجصاص كاد يشذ عن ترادفهم على ذلك فى تفسير تلك الآية، فقال فيما لم ننقله عنه فيما سبق: وجائز أن يكون حكم هذه الآية ثابتًا فى الحال على جميع أهل الكفر؛ لأنه ما من مشرك إلا وهو لو تهوّد أو تنصر لم يجبر على الإسلام، وأقررناه على دينه بالجزية، وإذا كان ذلك حكمًا ثابتًا فى سائر من انتحل دين أهل الكتاب ففيه دلالة على بطلان قول الشافعى حين قال: «من تهوّد من المجوس أو النصاری أجبرته على الرجوع إلى دينه أو إلى الإسلام». والآية دالة على بطلان هذا القول؛ لأن فيها الأمر بألا نكره أحدًا على الدين، وذلك عموم يمكن استعماله فى جميع الكفار على الوجه الذى ذكرنا.

وقد بقى الحال على ذلك فى تفسير تلك الآية، إلى أن جاء الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وتلميذه السيد محمد رشید رضا فحملا على ما ذهب إليه المفسرون السابقون فيها أقوى حملة، وأبقيا للإسلام تلك المكارم التى أبوا أن تبقى فى الدعوة، وكان لهما بهذا أكبر جميل على الإسلام فى هذا العصر؛ لأنهما أبقيا له تلك المحاسن التى يمتاز بها على غيره من الأديان، وجعلاه أسبق الشرائع والقوانين القديمة والحديثة إلى تقرير أصل حرية الاعتقاد، وهو الأصل الذى اتفق عليه جميع الأمم فى هذا العصر، ولا يبالى الشيخ عیسی منون وأمثاله من الجامدين على القديم باتفاقهم عليه، ولا بما يصيب الإسلام من التشويه بإظهار مخالفته له.

وهذا ما قاله ذانك الإمامان فى تفسير تلك الآية، واللفظ للسيد محمد رشید رضا- رحمه الله تعالى:

قال فى سبب النزول: روى أبوداود النسائى وابن حبان وابن جریر عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاة- أى لا يعيش لها ولد. فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا. فأنزل الله «لا إكراه فى الدين». وأخرج ابن جرير من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: «نزلت (لا إكراه فى الدين) فى رجل من الأنصار من بنى سالم بن عوف يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانیان، وكان هو مسلمًا، فقال للنبى، صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما، فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله الآية». وفى بعض التفاسير أنه حاول إكراههما، فاختصموا إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، فقال: «یا رسول الله، أيدخل بعضى النار وأنا أنظر؟! ولابن جرير عدة روايات فى نذر النساء فى الجاهلية تهويد أولادهم ليعيشوا وأن المسلمين بعد الإسلام أرادوا إكراه من لهم من الأولاد على دين أهل الكتاب على الإسلام، فنزلت الآية، فكانت فصل ما بينهم. وفى رواية له عن سعید بن جبير أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال عندما أنزلت: «قد خير الله أصحابكم، فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فهم منهم».

ثم قال فى تفسير الآية: «أقول: هذا هو حكم الدين الذى يزعم الكثيرون من أعدائه- وفيهم من يظن أنه من أوليائه- أنه قام بالسيف والقوة، فكان يعرض على الناس والقوة عن يمينه، فمن قبله نجا، ومن رفضه حكم السيف فيه حكمه، فهل كان السيف يعمل عمله فى إكراه الناس على الإسلام فى مكة أيام كان النبى، صلى الله عليه وسلم، يصلى مستخفيًا، وأيام كان المشركون يفتنون المسلم بأنواع من التعذيب ولا يجدون رادعًا، حتى اضطر النبى وأصحابه إلى الهجرة؟ أم يقولون إن ذلك الإكراه وقع فى المدينة بعد أن اعتز الإسلام، وهذه الآية قد نزلت فى غرة هذا الاعتزاز؟ فإن غزوة بنى النضير كانت فى ربيع الأول من السنة الرابعة، وقال البخارى: إنها كانت قبل غزوة أحد التى لا خلاف فى أنها كانت فى شوال سنة ثلاث، وكان كفار مكة لا يزالون يقصدون المسلمين بالحرب. نقض بنو النضير عهد النبى، صلى الله عليه وسلم، فكادوا له وهموا باغتياله مرتين، وهم بجواره فى ضواحى المدينة، فلم يكن له بدّ من إجلائهم عن المدينة، فحاصرهم حتى أجلاهم، فخرجوا مغلوبين على أمرهم، ولم يأذن لمن استأذنه من أصحابه بإكراه أولادهم المتهودين على الإسلام ومنعهم من الخروج مع اليهود، فذلك أول يوم خطر فيه على بال بعض المسلمين الإكراه على الإسلام، وهو اليوم الذى نزل فيه «لا إكراه فى الدين».

ثم نقل عن الأستاذ الإمام- رحمه الله - أنه قال: «كان معهودًا عند بعض الملل لا سيما النصارى حمل الناس على الدخول فى دينهم بالإكراه، وهذه المسألة ألصق بالسياسة منها بالدين، لأن الإيمان- وهو أصل الدين وجوهره- عبارة عن إذعان النفس، ويستحيل أن يكون الإذعان بالإلزام والإكراه، وإنما يكون بالبيان والبرهان، ولذلك قال تعالى بعد نفى الإكراه: (قد تبين الرشد من الغى)؛ أى قد ظهر أن فى هذا الدين الرشد والهدى والفلاح والسير فى الجادة على نور، وأن ما خالفه من الملل والنحل على غى وضلال».

ثم قال: ورد بمعنى هذه الآية قوله تعالى: «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (يونس ٩٩) وتؤيدهما الآيات الكثيرة الناطقة بأن الدين هداية اختيارية للناس، تعرض عليهم مؤيدة بالآيات والبينات، وأن الرسل لم يبعثوا جبارين ولا مسيطرين، وإنما بعثوا مبشرين ومنذرين، ولكن يرد علينا أننا أمرنا بالقتال، وقد تقدم بيان حكمة ذلك بل أقول: إن الآية التى نفسرها نزلت فى غزوة بنى النضير؛ إذ أراد بعض الصحابة إجبار أولادهم المتهودين أن يسلموا ولا يكونوا مع بنى النضير فى جلائهم، كما مر، فبين الله لهم أن الإكراه ممنوع، وأن العمدة فى دعوة الدين بيانه حتى يبين الرشد من الغى، وأن الناس مخيرون بعد ذلك فى قبوله وتركه. ثم استمر فى ذلك فقال: شرع القتال لتأمين الدعوة، ولكف شر الكافرين عن المؤمنين، لكيلا يزعزعوا ضعيفهم قبل أن تتمكن الهداية من قلبه، ويقهروا قويهم بفتنته عن دينه، كما كانوا يفعلون ذلك فى مكة جهرًا، ولذلك قال: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله» (البقرة ١٩٣)؛ أى حتى يكون الإيمان فى قلب المؤمن آمنًا من زلزلة المعاندين له بإيذاء صاحبه، فيكون دينه خالصًا لله غير مزعزع ولا مضطرب، فالدين لا یکون خالصًا لله إلا إذا كفت الفتن عنه وقوى سلطانه، حتى لا يجرؤ على أهله أحد.

ثم نقل عن الأستاذ الإمام أن الفتن إنما تكف بأحد أمرين:

الأول: إظهار المعاندين للإسلام ولو باللسان؛ لأن من فعل ذلك لا يكون من خصومنا، ولا يبارزنا بالعداء، وبذلك تكون كلمتنا بالنسبة إليه هى العليا، ويكون الدين لله، ولا يفتن صاحبه فيه، ولا يمنع من الدعوة إليه.

والثانى: وهو أدل على عدم الإكراه- قبول الجزية، وهى شىء من المال يعطوننا إياه جزاء حمايتنا لهم بعد خضوعهم لنا، وبهذا الخضوع نكتفى شرهم، وتكون كلمة الله هى العليا.

فقوله تعالى: «لا إكراه فى الدين» قاعدة كبرى من قواعد دين الإسلام، وركن عظيم من أركان سياسته، فهو لا يجيز إكراه أحد على الدخول فيه، ولا يسمح لأحد أن يكره أحدًا من أهله على الخروج منه، وإنما نكون متمکنین من إقامة هذا الركن وحفظ هذه القاعدة إذا كنا أصحاب قوة ومنعة نحمى بها ديننا وأنفسنا ممن يحاول فتنتنا فى ديننا اعتداءً علينا بما هو آمن أن نعتدى بمثله عليه؛ إذ أمرنا أن ندعو إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نجادل المخالفين بالتى هى أحسن، معتمدين على أن تبين الرشد من الغى هو الطريق المستقيم إلى الإيمان، مع حرية الدعوة، وأمن الفتنة، فالجهاد من الدين بهذا الاعتبار، أى أنه ليس من جوهره ومقاصده، وإنما هو سياج له وجنة، فهو أمر سياسى لازم له للضرورة، ولا التفات لما يهذى به العوام ومعلموهم الطغام، إذ يزعمون أن الدين قام بالسيف، وأن الجهاد مطلوب لذاته، فالقرآن فى جملته وتفصيله حجة عليهم.

وذكر أيضًا فى تفسير قوله تعالى: «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (یونس ٩٩) أن هذه أول آية نزلت فى أن الدين لا يكون بالإكراه؛ أى لا يمكن للبشر ولا يستطاع، ثم نزل عند التنفيذ «لا إكراه فى الدين» (البقرة ٢٥٦»؛ أى لا يجوز ولا يصح به؛ لأن علماء المسلمين أجمعوا على أن إيمان المكره باطل لا يصح، لكن نصارى أوروبا ومقلديهم من أهل الشرق لا يستحون من افتراء الكذب على الإسلام والمسلمين، ومنه رميهم بأنهم كانوا يكرهون الناس على الإسلام، ويخيرونهم بينه وبين السيف يقط رقابهم، على حد المثل: رمتنى بدائها وانسلت.

فهذا ما يقوله الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وتلميذه السيد محمد رشید رضا فى تفسير تلك الآية، وهما اللذان كان لهما ولأستاذهما جمال الدين الأفغانى الفضل فى تطهير الإسلام مما لصق به من آثار الجمود، حتى أعادوه إلى طهارته وروعته الأولى، فأمكنه أن يقف كالصخرة العاتية أمام سيل الشبهات التى توجه إليه فى هذا العصر، ولولا هذا لتزعزعت أركانه أمامها، ولاختفى فى ظلمات الجمود التى كانت تخيم عليه، وتساعد أعداء الإسلام فيما يوجهونه من طعنات إليه، كما يساعدونهم فى جمودهم على تفسير تلك الآية بما يفيد أن الإسلام لم ينتشر إلا بالإكراه.

هذا الكتاب طُبع لأول مرة عام ١٩٥٥، وهو «دُرة» كتابات عبدالمتعال الصعيدى، وهذا لأن مضمونه يحوى جوهر مشروعه الذى جاهد فيه لتفعيل واستمرارية باب الاجتهاد، وتجديد علم أصول العقيدة، وتحديث آليات الدعوة والمواجهة والنقد، فضلًا عن أهمية القضية التى تناولها، ألا وهى: تجديد فقه الحدود، والحكم على المرتد، تلك القضية التى ما زالت أصداؤها تتردد فى كتابات المحافظين والمجددين على حد سواء.

وعبدالمتعال الصعيدى «مُجدد كبير»، أثرى المكتبة المصرية والعربية بكتابات فى منتهى الأهمية، وزخرت حياته بعشرات المعارك الأدبية والفكرية حول قضايا الأدب وتاريخه وعلوم البلاغة والفصاحة والإعجاز البيانى للقرآن والوحدة الإسلامية وسيرة النبى وحقيقة الأصولية الإسلامية، وتجديد علم الكلام وفقه الحدود والحب العذرى فى الإسلام.

وهذا الكتاب كان واحدًا من هذه المعارك، فهو بالأساس مناظرة بين الشيخ عبدالمتعال الصعيدى والشيخ عيسى منون، أثبت فيها الأول أن أصول الشريعة الإسلامية لم تكن قط مناهضة للحرية الإنسانية ولا معادية لحرية البوح والعقيدة.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل