المحتوى الرئيسى

إعادة ضبط دماغ بعض المصريين!

05/13 21:11

مساء السبت الماضى استوقفنى بائع خضراوات فى سوق شارع إسماعيل أباظة، قرب محطة مترو سعد زغلول وسألنى بانفعال: عاجبك اللى بتعمله الحكومة فى الناس فى هذه الأيام المباركة؟!

سألته: الحكومة بتعمل حاجات كثيرة فى الناس.. ما هو الجديد الذى جعلك تغضب؟!

رد: يعنى حضرتك مش عارف.. ما أقصده هو قرارات إغلاق المحلات والمطاعم والكافتريات فى التاسعة مساء.

قلت له: هذا من أفضل القرارات التى اتخذتها الحكومة فى الفترة الأخيرة، بل إن هناك أصواتا كثيرة تلوم الحكومة لأنها لم تتخذ قرارات أكثر صرامة بإغلاق شامل ومبكر، حتى تقلل تفشى فيروس كورونا، الذى يصيب وينهى حياة آلاف المصريين هذه الأيام.

وجهة النظر الرئيسية التى يعبر عنها هذا الخضرى، أن غالبية المصريين سواء كانوا يبيعون خضراوات وفاكهة، أو يتاجرون فى أى شىء، أو الصنايعية، تعودوا على العمل مساء وليس فى وقت مبكر، ضاربا المثل بالصبية الصغار الذين يساعدونه فى العمل، بأنهم تضرروا كثيروا بالعمل نهارا فى عز الشمس، والأفضل من وجهة نظره، أن تعيد الحكومة الأوضاع على ما كانت عليه، وتترك الناس تبيع وتشترى طوال الليل والنهار.

شكوى هذا الخضرى ليست فردية، بل هى ظاهرة عامة منتشرة، وبدأنا نشعر بها حينما فرضت الحكومة حظرا للتجول فى ربيع العالم الماضى، يبدأ فى الخامسة مساء وحتى السادسة صباحا، حينما بدأت كورونا فى الانتشار.

قلت للخضرى ــ وهو إنسان محترم ــ إنه وقبل ظهور فيروس كورونا فإن غالبية بلدان العالم المتقدمة ونصف وربع المتقدمة، تفرض مواعيد إغلاق لمعظم الأنشطة خصوصا المحلات فى مواعيد تبدأ فى السابعة مساء ولا تتجاوز التاسعة مساء، بأى حال من الأحوال، باستثناء بعض الأنشطة القليلة مثل الصيدليات ومحلات الأغذية الضرورية، لأن الأصل هو أن يعمل الناس نهارا ويستريحون ليلا.

وحينما انتشرت كورونا، انقلب حال العالم رأسا على عقب وأن هناك بلدانا كثيرة فرضت حظرا شاملا أو جزئيا حتى تتجنب انتشار الإصابات والوفيات.

هذا الخضرى وأمثاله ينظرون فقط للمسألة من زاوية ما تعودوا عليه، إضافة إلى حجم المبيعات والأرباح.

وحينما فشلت فى إقناعه سألته بهدوء: أيهما أفضل لك: أن تستيقظ مبكرا وتبدأ عملك فى الصباح الباكر حتى التاسعة مساء، أم ينتشر الفيروس فى البلاد وقد يصيبك أو يصيب أقاربك؟! وأيهما أفضل أن يتعب الناس قليلا فى شمس النهار أو بردها، أم يبحثوا عن سرير فى مستشفى عزل أو رعاية مركزة بلا جدوى، أو لا يجدوا إلا المستشفيات الخاصة التى وصل سعر اليوم فيها إلى خمسين ألف جنيه؟!

عند هذا المنطق الصادم رد البائع بقوله٬ لا يا سيدى نشتغل بدرى ونغلق فى التاسعة، أو أى موعد تراه الحكومة، أفضل مليون مرة من الإصابات.

هذا البائع أعطاه الله الصحة، ولا يستعمل الكمامة هو أو أىٌّ من مساعديه ومعظم العاملين فى السوق، ولا يشعر كثيرا بخطورة فيروس كورونا، وهو أمر شائع بين نسبة كبيرة من المصريين، بل إنه يؤمن بأن العملية كلها فشنك ومؤامرة، وإن كان لا يعرف مصدر المؤامرة، ومن الذى يتآمر ضد من؟!

الخلاصة التى خرجت بها من النقاش الممتع مع هذا الخضرى أن دماغ نسبة لا بأس بها من المصريين تحتاج إلى «إعادة ضبط أو فرمته لتعود إلى حالة المصنع»، بعد أن عشعشت فيها الكثير من الأفكار والعادات والممارسات الخاطئة.

أعرف صنايعية كثيرين لا يبدأون عملهم إلا بعد العصر، وبالمناسبة فإن غالبية العاملين فى الورش، ضربوا عرض الحائط بمواعيد الإغلاق فى السادسة أو السابعة، وعادوا مرة أخرى للعمل حتى منتصف الليل، وبعض هؤلاء يعمل فى قلب القاهرة والجيزة تحت سمع وبصر المسئولين.

أظن أنه بجانب عملية البناء الشاملة التى تتم فى البلاد، فنحن فى حاجة ماسة إلى إعادة بناء العقول والأدمغة، لتعود «على الزيرو» أى الفطرة الإنسانية البسيطة، وتعمل كما يعمل كل خلق الله الطبيعيين، وتفكر بالعقل، وتهجر منطق الخرافات والممارسات الخاطئة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل