المحتوى الرئيسى

صلاح فضل: مَن يغلق باب الاجتهاد مُقلد ولا يصلح للقيادة الدينية (حوار)

05/13 20:04

الدكتور صلاح فضل دائرة معارف تمشى على الأرض، وتجربة إنسانية وعلمية شديدة الخصوصية والتفرد، وعقلية موسوعية أدلت بدلوها فى جميع مناهل الثقافة والعلم، وقدّم للمكتبة العربية شلالًا من المؤلفات والكتب والدراسات والأعمال ما بين نظريات النقد والحداثة والفنون والآداب والدراسات اللغوية والفلسفة وغيرها من مناهل المعرفة.

وفى حواره مع «الدستور»، فتح الدكتور صلاح فضل، رئيس مجمع اللغة العربية، قلبه وعقله، كاشفًا عن رؤاه الخاصة تجاه الفكر الدينى ومستقبل التنظيمات الإسلامية فى مصر والشرق الأوسط، متناولًا الكثير من أزمات العقل العربى التى تعرقله عن التفكير بطريقة حداثية، كما تحدث عن الوسائل التى يمكن من خلالها تنمية الفكر والثقافة وغيرها. 

وتحدث الناقد الكبير عن ملامح الشخصية المصرية، خاصة فى جوانب التدين وعلاقته بالفنون، حيث رأى أن الشخصية المصرية تتميز بسمات لا تتوافر فى أى حضارة أخرى، وهى أن تدينها كان يتم التعبير عنه بالرسم والنحت والعمارة والموسيقى والرقص والفنون الجميلة بأكملها.

■ برأيك.. هل انتهى عصر الإسلام السياسى؟

- أعتقد أن التجربة المصرية على وجه الخصوص، والعربية بصفة عامة، أثبتت أن خلط الدين بالسياسة مُفسد للأمرين معًا، مفسد للدين ومفسد للسياسة، وأن هذا الخلط، كما تمثل فى الأحزاب السياسية على أساس دينى، يحدث، مهما ادّعت أنها لا توظف الدين، ومهما ادعت أنها تلتزم بالدستور، والبراءة والحياد، فهى تتكأ على القاعدة الشعبية التى اختطفتها عبر عقود طويلة، وهى العاطفة الدينية.

وأعتقد أن الدين، كما قلت مرات كثيرة، مثل «الذرّة» يمكن أن تكون بالغة الفائدة إذا استخدمت فى الفوائد السلمية، وإذا استخدمت فى غزو الفضاء وفى العلم، وفى تحويل مياه البحار المالحة إلى مياه عذبة، لذلك يمكن أن تكون أكبر نعمة للإنسانية، كما أنها هى ذاتها إذا استخدمت فى التدمير يمكن أن تحيل كوكب الأرض إلى قطعة من جهنم إذا ألقيت عليه بعض القنابل الذرية، لذلك ينبغى الفصل التام بينه وبين السياسة، لأن هذا الخلط هو الذى يتيح الفرصة لكى يوظف من أجل السلطة، ويوظف من أجل الحكم، فنجد من يحكم باسم الله، ومن يستبد باسم الله، ونجد من يحارب الفن والعلم والثقافة والقيم الروحية ذاتها باسم الدين، ويجد من يسمع له، ولذلك تجربة مزج الدين بالسياسة، أظن أنها غير قابلة للتكرار.

وعلى الذين يعملون بالدين أن يكونوا دعاة للفكر المستنير، والقيم الروحية، ولتنمية علاقة الإنسان بربه، وأن يتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وأن يتركوا السياسة لأهلها وخططها ومشروعاتها فى التنمية والرخاء والتعليم والبنى التحتية، لأن هذه الأمور لا علاقة لها بالدين، لأن الدين يمكن أن يكون القوام الأخلاقى، لكن المؤسف أن التدين الشكلى يسلب القوام الأخلاقى جوهره، فتجد من يحافظ على هذا التدين الشكلى لا يتورع عن القتل والإرهاب والخديعة والغش بحجة أنه يرضى الله ويحقق الدعوة فى الأرض، وتجربة الإسلاميين فى تقديرى ينبغى أن ننتهى منها وألا نفكر على الإطلاق فى إمكانية عودتها، لتكون السياسة مجالًا للاجتهادات الدنيوية فى مشاريعها التنموية والاقتصادية والعمرانية والتعليمية، ويجب أن نحرص على تراثنا الروحى وقيمنا الأخلاقية، لأن هذا هو جوهر الدين كما ورثته مصر والأمة العربية والإسلامية.

■ كيف ترى نشاط هذه الحركات فى دول الخليج؟

- الملاحظ للموقف السياسى الآن هو أنها أدركت مؤخرًا عدم صحة ما كانت تحسبه نصرة للدين ودعمًا للإسلام بتشجيع حركات الإسلام السياسى السلفية والإخوانية وما إلى غير ذلك، والإغداق عليها بأموال باهظة تدخلت كما شهدنا، عقب ثورة يناير فى مصر، فى توجيه الرأى العام، وساعدت فى اختطاف القاعدة الشعبية بمشروعاتها التى تبنتها وأنفقت عليها، مثل مشروعات المراكز الصحية والمنافذ التعليمية، ومساعدة الطلاب والتغلغل فى الأوساط الشعبية فى القرى ودفع الرشاوى المالية لأنصار الجماعات الإسلامية وعملائها، وأذكر أن أحد وزراء الثقافة، وهو صديق وتولى فى فترة ما بعد الثورة، قال لى إنه قد عثر على عدة حقائب تتضمن ملايين الدولارات النقدية أُرسلت لمناصرة بعض المرشحين السلفيين لكى ينجحوا فى الانتخابات، وبالطبع لأذنابهم وعملائهم من الإخوان، وكل هذه الأموال تدفقت لكى تناصر الإسلام السياسى الذى كاد يعصف بمستقبل مصر، لولا ثورة ٣٠ يونيو، ووقوف الشعب المصرى صفًا واحدًا مع جيشه لإنقاذ مصر من هذه الهوة التى كانت تنتظرها، والمحنة التى كانت سوف تقع فيها، ولولا ذلك لتحولت مصر إلى سوريا أو اليمن أو ليبيا أو غير ذلك من الدول بفعل هذه التيارات التى تتخفى تحت ظل الإسلام وهو برىء منها.

ولحسن الحظ أن الدول الخليجية اكتشفت النوايا الخبيثة والأطماع الحقيقية لهذه الجماعات المتأسلمة فى الحصول على السلطة فكفت يدها عنها، ولذلك أخذت تتقلص الآن، لا فى مصر وحدها وإنما فى كل أنحاء الوطن العربى والإسلامى، باستثناء جيوب قليلة جدًا ما زالت تفعل فعلها وتقوم بدورها، لكنها أدركت أنها ضد حركة التاريخ وألا مستقبل لها.

■ لماذا تقول دائمًا إن الفن هو المقاوم الوحيد للتيارات الإسلامية؟

- فى تقديرى هذا توصيف دقيق لمفاصل الدولة الحديثة التى تتمثل فى ٣ جوانب أساسية وهى التعليم والإعلام ودور العبادة، التعليم بكل مستوياته المختلفة، والإعلام بكل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية والرقمية، ودور العبادة التى تقوم على أساس نشر الدعوة الدينية وبث الوعظ والإرشاد لعامة الناس لتأثيرها الخطير المباشر فى وجدانهم، ولدينا مشكلة فى المنطقة الأولى وهى منطقة التعليم لا بد لنا من معالجتها بشىء من الحسم، لأنه لدينا شىء لا نظير له فى أى دولة فى العالم فى هذا العقد الثالث من الألفية الجديدة، وهى ازدواجية التعليم الدينى والمدنى.

كانت هناك بلاد كثيرة لديها ازدواجية فى التعليم المدنى مع الكنسى، وتم التغلب عليها، وتم صبغ الطابع المدنى على التعليم فى كل بلاد العالم، وظلت لدينا مشكلة فى ازدواجية التعليم الأساسى، ولا أتحدث هنا عن الكليات المتخصصة، لأن الكليات الدينية المتخصصة موجودة فى كل بلاد العالم، ومنها الكليات اللاهوتية فى كل الأديان، لكن التعليم الأساسى الذى يتشكل فيه العقل الوطنى والقومى لا بد أن يكون موحدًا، نحن لدينا انفصام شديد فى التعليم المصرى بين عشرات الآلاف من المعاهد الأزهرية التى تصب فى تكوين عقل دينى بحت مختلف عن بقية مستويات التعليم المدنى التى تمثل انحرافًا شديدًا، ولا بد لنا أن نملك الشجاعة فى أن نقول إن هذه الازدواجية نشأت منذ ١٠٠ عام فقط منذ عشرينيات القرن العشرين بالتحديد، قبل ذلك لم تكن هناك معاهد أزهرية، فكانت هناك فقط بعض مراكز التعليم فى المساجد، لكن لم يكن هناك أى معاهد أزهرية، فى الـ١٠٠ عام الماضية تم إنشاء عشرات الآلاف من المعاهد الأزهرية وحدث انشطار فى بنية التعليم الوطنى، وهذا يهدد فكرة المواطنة ويهدد فكرة التحام العقل المصرى على أسس الفكر العلمى والقيم الدينية الرفيعة والفكر المستقبلى، ولا بد أن نوجه ذلك ونواجهه بشجاعة، وأنا دائمًا أدعو إلى إدماج التعليم الدينى فى التعليم المدنى وإلى إعطائهما طابعًا موحدًا فى المرحلة الأساسية، على أن يكون التخصص مثلما يتم فى الطب أو الهندسة أو الزراعة أو التجارة أو الآداب أو غير ذلك من التخصصات الدينية فى الكليات الدينية لمن يرغب فى ذلك، ويكون قد تربى عقليًا جنبًا إلى جنب مع إخوته من المواطنين الذين ينتمون إلى الديانات الأخرى، ومع أخواته من البنات اللائى ينتمين إلى وطنه أيضًا، أما أن يكون تعليمًا ذكوريًا وطائفيًا ومنغلقًا على المجال الدينى، فهذا ما يسفر دائمًا عن نتائج خطيرة فى العقل المصرى لا بد لنا أن نتداركه.

■ ماذا عن الجانب الإعلامى؟

- من الممكن إلى حد كبير خضوع عدد كبير من أفراد الجانب الإعلامى إلى الترشيد والتوجيه، والقنوات الخارجية من ناحية والتواصل الرقمى من ناحية لا بد أن تتمتع بقدر من الحرية ما لم تدعُ إلى مبادئ هدامة، أو ما لم تكن معادية للدولة، لذلك لا بد أن تتمتع بقدر كافٍ من التنوع والتعدد ومن الحرية.

■ .. ودور الأوقاف؟

- الوزارة تبذل جهدًا كبيرًا فى الوعظ الدينى، لكن تظل دور العبادة تمثل المنطقة الحساسة جدًا فى جسد الدولة، لأن هذه الدور ما لم تدخلها أنوار العقل وسماحة قبول الآخر، وما لم تخرج منها أشباح التعصب الدينى وعفاريت الإرهاب ودودة التطرف، فستظل معقلًا موئلًا تنبت فيه وتتكاثر حركات التعصب والتشدد الدينى، سواء كانت مساجد أو كنائس، ولذلك كنت وما زلت أدعو أن تكون العبادة فى هذه الدور كما كانت منذ بداية العصور الأولى مقترنة دائمًا بالمعرفة، وأن تكون هذه الدور أمكنة للعلم، دورًا للكتب إلى جانب أنها دور للعبادة، وأن تكون مدارس للفكر والثقافة، وأن تقوم بمحاذاتها وبالتضافر معها دور أخرى للفن بمختلف أشكاله، لأن الشخصية المصرية على وجه التحديد تتميز بسمات لا تتوافر فى أى حضارة أخرى، وهى أن تدينها كان يتم التعبير عنه بالرسم والنحت والعمارة والموسيقى والرقص والفنون الجميلة بأكملها. 

بمعنى أنه كان الفن جزءًا حميمًا لصيقًا بفكرة الدين والعبادة، ودور العبادة المصرية القديمة كنت تجد فيها، وما زلت، أجمل النقوش وأبهى المنحوتات وأعرق الأشكال المعمارية، وتستطيع أن تسمع أصداء الترانيم المقدسة الموسيقية التى كانت تتغنى فى أبهائها، وتستطيع أن ترى أشكال المجموعات الراقصة التى كانت تتخذ من الفن أداءً للعبادة، والرقى الروحى والوجدانى، وأحسب أن مَزْج الدين بالفن هو الذى يصبغه بطابع التسامح وبطابع عشق الجمال والسمو الروحى والتأمل فى الملكوت وتنمية الفكر العلمى وتغذية الجانب الوجدانى.

وعندما نسمع آيات من القرآن الكريم تُتلى بتلك الحناجر الذهبية أمثال الشيخ محمد رفعت، والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ محمود على البنا، والشيخ الطبلاوى، وغير هؤلاء، كان يرِق قلب المستمع ويقترب من الله مهما كان الدين الذى يدين به، فى أن الجمال هو المرقى والمعراج الذى يمكن للإنسان أن يعرج به أو عبره إلى السماء، وبالتالى فالمقولة التى أرددها دائمًا، وفى ظل ظروف الجائحة التى تعذبنا منذ عدة أشهر، هى أن اللقاح الحقيقى ضد التطرف الدينى والتعصب الذى نعانى منه هو الجرعات المتزايدة من الفن والجمال بمختلف تجلياته وأشكاله، ولذلك اجتهدت منذ العامين الماضيين، اللذين توليت فيهما مسئولية قطاع الآداب بالمجلس الأعلى للجامعات، بأن أُقنع زملائى من عمداء كليات الآداب والألسن ودار العلوم بضرورة أن ندرج فى نظم التعليم مبدئيًا فى هذه الكليات ٨ مواد أساسية، ٤ منها تتصل بالفن التشكيلى المصرى القديم، والفن التشكيلى البيزنطى والقبطى، والفن التشكيلى الإسلامى، والفن التشكيلى الحديث والمعاصر، و٤ أخرى تتصل بالفنون التمثيلية وهى فن السينما، والمسرح، والموسيقى، والفنون الشعبية الراقصة وغيرها، لأن هذه المواد هى التى تستطيع أن تبرز الجانب الروحى والجمالى للشخصية الإنسانية، وأتمنى أن تستأنس بقية قطاعات التعليم بالمجلس الأعلى للجامعات بهذه التجربة التى نطبقها الآن لكى تدخل بعض هذه المواد فى التعليم فى التخصصات الأخرى، لأنى أحسب أنها كفيلة حقيقة فى تحقيق الرقى الروحى والجمالى للإنسان المصرى.

وكنت أعجب عندما أذهب إلى بعض العواصم الأوروبية وأرى طوابير التلاميذ يقفون صفوفًا منذ مطلع النهار لكى يدخلوا أحد المتاحف وأعينهم فى الدرجة الأولى على قسم المصريات فى هذه المتاحف الأوروبية لكى ينهلوا من هذه المناظر من الفن والجمال المصرى، بينما فقدنا نحن هذه الصلة وأخذنا بتيارات الجهل والتخلف التى نشرها السلفيون والجهاديون بيننا، حتى أصبحنا نُحرِّم التماثيل والفنون ونسمى المنحوتات المصرية بالمساخيط، بينما كنا فى الأجيال السابقة نفرض على التلاميذ القيام برحلتين، خلال رحلتهم التعليمية الأولى، إلى منابع هذه الثقافة، ونحن فى الأقصر فقط لدينا ثلث تراث العالم الفنى والأثرى، ولذلك أعتقد أن دراسة الآثار مما تحويه من علوم ومعارف وفنون وآيات للجمال جزء أساسى للشخصية المصرية لدينا.

■ كيف يمكن التعامل مع التراث الفقهى فى الوقت الحالى؟

- لا أزعم أننى متخصص فى الفقه، وإن كنت قد درسته لسنوات طويلة، ولا أحب أن أتناول الأشياء بمثل هذا المدخل، لكن الأمر بالنسبة لى كمثقف له إلمام جيد بالفقه والقانون الدولى والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وحركة التطور الحضارى التاريخية فى الوطن العربى وعصور الازدهار الإسلامى فى الفترات الماضية والآداب العربية والإسلامية المتشعبة بإنتاجها الإبداعى وفكرها النقدى، ودراساتها المقارنة- أتعامل مع الأمر بشكل مختلف، وعندما أتحدث عن نقطة من هذه النقاط لا أجدنى مضطرًا للدخول فى مسائل فقهية أو جزئية مثل أحاديث الأحاد أو الأحاديث المتواترة، ومثل الكلام عن صحاح الحديث، لأننى لا أريد أن أصطدم بالرأى العام ولا برجل الشارع فى وطنى الذى أعرف أن لديه معتقداته ولديه حسه الدينى ولديه ركائزه العقائدية والإيمانية.

سأقف عند جملة من المبادئ الأساسية التى أريد التركيز عليها، المبدأ الأول أن العصر العثمانى هو الذى أوهمنا بغلق باب الاجتهاد، وهو الذى أوحى لنا بأن الدين قد انتهى الفكر فيه عند حدود ما توصل إليه الأئمة الأربعة أو الخمسة إذا ضممنا إليهم الإمام الليثى.

هذه المقولة من البداية لست مقتنعًا بها، ولست من أنصارها، لأن كل آيات القرآن الكريم وكل تاريخ الفقه الإسلامى تدعونا وتحثنا وتأمرنا بمداومة النظر على ضعف الإيمان التقليدى، ومداومة الفكر والتجريب والعلم، والتأمل فى الكون وقوانين الحياة. علينا الإفادة من التجربة الحضارية للدول الإسلامية والدول العربية فى فترات ازدهارها وعظمتها، وفى فترات انحلالها وتحللها وضعفها، فإن لم نفد من خبراتنا التاريخية لكى نعيد فهم النصوص الدينية والنصوص الثابتة القطعية ونؤولها بما يتفق مع مصالحنا التى كان يسميها الفقهاء المصالح المرسلة- فنحن جهلة بديننا ومقصرون فى حقه، ومقصرون أكثر فى حق ثقافتنا وفى حق أبنائنا، وحق مستقبلنا، فالنقطة الأولى أن من يغلق باب الاجتهاد هو فى الحقيقة جاهل ومتخلف ومقلد، ولا يصلح على الإطلاق لكى يقود فكرًا أو أن يقود حركة تطوير وتنمية للفكر الثقافى بصفة عامة ولجوانبه الدينية الروحية والأخلاقية بصفة خاصة.

المبدأ الثانى نوعية الفكر الذى يسيطر على العالم الآن ويقود حركته فى العصر الحاضر، وهو الفكر العلمى وعصر الانفجار المعلوماتى، إذن لم يعد الأمر على الإطلاق محصورًا فى نطاق الكتب الفقهية، وهذه تمثل جزءًا من التراث القديم، تراث الأسلاف الذى يمكن لنا أن نحترمه لكن يتعين علينا أن ندقق فيه ونختار منه ما يفيد حياتنا المعاصرة وما يمثل قوة دافعة لكى نتقدم فى صفوف الأمم المتقدمة فى فكرها العلمى ومخترعاتها العلمية وتقدمها البشرى والحضارى، وأن ننبذ منه وننحى بصفة قاطعة ما يعوق هذه الحركة.

المبدأ الثالث أننا لا نعيش فى قرى معزولة إذا جدَّ وباء جعل الأرض كلها قرية واحدة، وإذا جدَّ خير أو اكتشاف جديد مثل الإنترنت، وهو من أخطر اكتشافات العصر الحديث، جعل العالم كله قرية واحدة، لا نعيش فى أزقة ضيقة معزولة نفكر فيها وحدنا، ونعطى ظهورنا للآخرين نعيش فى عالم متلاطم تحكمه قوى عظمى، وعلينا أن نأخذ موقعنا فى هذا العالم، وأن نحاول أن نقف على الأقل فى الصف الثانى علميًا من هذه القوى العظمى، ونحن لم نطمح أن نكون فى الصف الأول، لذلك لا يمكن على الإطلاق بأن نعض على كتب التراث ونحفظها ونقدسها، كما لا يمكن أن نتخلى عن ماضينا وعن أصالتنا وهويتنا وشخصيتنا ولغاتنا وثقافتنا ومعرفتنا بل نقيم هذا التوازن الخلّاق بين الخلايا الحية فى هذا التراث والعناصر الضرورية لتنميته تنمية مستدامة واستغلاله لصناعة المستقبل.

■ هل المسلمون استوعبوا خطورة التطرف والفتاوى العشوائية؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل