المحتوى الرئيسى

#كيف_أضحت! (30)| القدس.. زهرة المدائن التي يُشد إليها الرحال والحج

05/12 21:09

بين الكتب والروايات إلى الأفلام، ترددت مدن وأماكن تاريخية عديدة على مسامعنا وأعيننا، حتى علقت بأذهاننا ونُسجت بخيالنا، بعدما جسدها الكتاب والمؤلفون في أعمالهم، لكننا أصبحنا لا نعلم عنها شيئا، في الوقت الحالي، حتى كثرت التساؤلات عن أحوال هذه المدن التاريخية الشهيرة، كيف أضحت وأين باتت تقع؟.

بعض هذه المدن تبدلت أحوالها وأضحت أخرى مختلفة، بزمانها ومكانها وساكنيها، فمنها التي تحولت لمدينة جديدة بمواصفات وملامح غير التي رُسمت في أذهاننا، لتجعل البعض منا يتفاجئ بهيئتها وشكلها الحالي، ومنها التي أصبح لا أثر ولا وجود لها على الخريطة، ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأنها كانت مجرد أماكن أسطورية أو نسج خيال.

لكن، ما اتفقت عليه تلك المدن البارزة أن لكل منها قصة وراءها، ترصدها لكم "الشروق"، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، من خلال الحلقات اليومية لسلسة "كيف أضحت!"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء المدن والأماكن الشهيرة التي علقت بأذهاننا وتخبركم كيف أضحت تلك المدن حاليا.

حظيت مدينة القدس، ولا تزال، بمكانة تاريخية عظيمة في العالم القديم والحديث، وقدسية رفيعة لدى الأديان الثلاث، فكانت ملتقى الاتصال والتواصل بين قارات العالم القديم، التي تعاقبت عليها الحضارات المختلفة، وظلت خلالها المدينة المقدسة ذات الأهمية الدينية للمسلمين والمسيحيين واليهود.

مدينة القدس فيها أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي مهبط الرسالات ومسرح النبوات وزهرة المدائن، وموضع أنظار البشر منذ فجر التاريخ إلى أن تُقام القيامة.

فبجانب ضمها للمعالم الإسلامية العديدة، على رأسها المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، ذا الأهمية الدينية لدى عموم المسلمين، فتضم مدينة القدس داخل حيها المسيحي كنيسة القيامة، التي تتمتع بأهمية خاصة لدى مسيحي العالم، فإليها يحجون ويتضرعون، ويعتقدون أن المسيح صلب فيها وأن قبره متواجد داخلها.

أما بالنسبة إلى اليهود تتمثل أهمية المدينة لوجود حائط البراق، الذي يطلقون عليه اسم الحائط المبكى، إذ يعتقدون أنه ما تبقى من المعبد اليهودي الأول، الذي كان يضم هيكل الملك سليمان وقدس الأقداس، لذلك فهو أكثر المواقع قدسية لدى اليهود.

مدينة مقدسة ومحجا في الأديان الثلاثة

مع تعاقب الحقب التاريخية، سميت المدينة المقدسة بـ يبوس وأورشليم وإيلياء والقدس، وتكثفت حولها المرويات الدينية التي تصبغها بالقدسية، إذ تخصها النصوص والكتب الدينية بأحداث مهمة دارت على أراضيها، من صلب المسيح إلى ليلة الإسراء والمعراج، ويعتقد المؤمنون بنهاية الزمان والقيامة أن العديد من الأحداث المرتبطة بقيام الساعة ستدور في المدينة.

وبجانب كون المدينة مقدسة عند المسلمين وفيها المسجد الأقصى الذي يقصده ملايين المصلين من أهل فلسطين وخارجها، فهي مقدسة أيضا لدى المسيحيين كونها تضم كنيسة القيامة التي تعد محجا لملايين المسيحيين كل عام، ممن يأتونها للتبرك، ولدي اليهود، ففيها حائط البراق أو حائط المبكى كما يسمونه اليهود، والذي يزوره الملايين للحج والبكاء وتلاوة الصلاة والرثاء.

على عكس ما يزعم اليهود بأن تاريخ القدس يقتصر على ثلاثة آلاف سنة، بحسب ما جاء في التوراة، فالقدس تعد من أقدم مدن العالم، إذ يقدر علماء الآثار أن تاريخها يرجع إلى حوالي ستة آلاف سنة، وهو ما أكدته الحفريات التي قامت عليها المدرستان الفرنسية والبريطانية وبعثاتهم الأثرية.

في بداية التاريخ، اتخذت القبائل العربية الأولى من المدينة مركزا لهم، أسموها "يبوس"، واستوطنوا فيها وارتبطوا بترابها، وصدوا عنها الغزاة لزمن طويل، وبدءا من القرن السادس عشر قبل الميلاد، أسماها العرب الكنعانيون أورسالم أو أورشليم، وتعني مدينة السلام، وخضعت المدينة لنفوذ الفراعنة، فذُكرت في النصوص المصرية القديمة واللوحات الحجرية والرسائل المتبادلة بين حاكم أورشليم، "عبدي خيبا" وفرعون مصر، أمنحتب الرابع "إخناتون".

ومع قدوم الإسكندر الأكبر، استولى الإمبراطور المقدوني على فلسطين بما فيها القدس، وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون والبطالمة في حكم المدينة، حتى استولى عليها قائد الجيش الروماني وضمها إلى الإمبراطورية الرومانية، قبل الميلاد بستين عاما، وحين انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين غربي وشرقي، كانت فلسطين من القسم الشرقي البيزنطي.

وبعدها دخل الفرس القدس فاحتلوها ودمروا الكنائس والأماكن المقدسة وانضم إليهم اليهود في حملتهم إنتقاما من المسيحيين، ففقد البيزنطيون سيطرتهم على البلاد، ولكن لم يدم ذلك طويلا، إذ أعاد الإمبراطور أغسطس "فلسطين" للإمبراطورية البيزنطية، في القرن السابع الميلادي، ولحق بالفرس إلى بلادهم واسترجع الصليب المقدس.

ويؤكد المؤرخون والباحثون أن الوجود اليهودي في فلسطين عموما والقدس خصوصا لم يكن إلا وجودا طارئا وفي فترة محدودة جدا من تاريخ القدس الطويل، وفق ما ذكر بموسوعة "الوضع الجيوستراتيجي لمدينة القدس" الصادر عن الجامعة الإسلامية في غزة، عام 1999، وكتاب "القدس" الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت، عام 1981.

القدس والفتح الإسلامي لمدينة السلام

بدأت مرحلة الفتح الإسلامي للمدينة المقدسة عندما أسري بالنبي محمد -عليه الصلاة والسلام- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ومنها عرج إلى السماء، فكانت ذات أهمية لدى المسلمين، حتى فتحها الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، في القرن السادس الميلادي، وكتب معهم "العهدة العمرية"، وبقي اسم المدينة إيلياء، حتى تغير إلى القدس، في زمن العباسيين، حيث ظهرت أول عملة عباسية في عهد الخليفة المأمون تحمل اسم القدس.

وسقطت المدينة في أيدي الصليبين، إلى أن استطاع استردادها صلاح الدين الأيوبي، أثناء معركة حطين عام ألف ومائة وسبعة وثمانية، وأزال الصليب عن قبة الصخرة، وبعدها خلصها سيف الدين قطز والظاهر بيبرس من الغزو المغولي، في معركة عين جالوت، في عام ألف ومائتي وتسعة وخمسين، وضمت فلسطين بما فيها القدس إلى المماليك الذين حكموا مصر والشام بعد الدولة الأيوبية.

وبعدها أصبحت مدينة تابعة للإمبراطورية العثمانية بعدما دخل العثمانيون، في القرن السادس عشر الميلادي، وظلت في أيديهم أربعة قرون وحفظوها بسور القدس الموجود حتى اليوم، والذي بني في عهد السلطان سليمان القانوني.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل