المحتوى الرئيسى

قصة الحب الأول فى حياة أم كلثوم

05/12 20:47

تزوجت أم كلثوم من د.حسن السيد الحفنارى واستمر الزواج حتى وفاتها

بجرأة ليست جديدة عليه، وشجاعة لا يفتقدها، أصدر الكاتب والناقد الكبير صلاح فضل كتابه «صدى الذاكرة»، متماهيًا به وفيه مع كُتاب المذكرات الكبار الذين لا يخجلون من زلاتهم، بل يسعون إلى الاعتراف بها فى محاولة منهم للتطهر، الذى هو غايتنا الكبرى. 

لا تستطيع أن تصف «صدى الذاكرة» بأنه مذكرات الدكتور صلاح، هو أقرب إلى بوح عن بعض محطات حياة، رأى هو أنه من المناسب أن يفصح عنها الآن، وأعتقد أننا فى حاجة إلى أن يكتب «فضل» قصة حياته كاملة، ليس لأنها تستحق فقط، وليس لأننا أمام إحدى قاماتنا العلمية والفكرية والثقافية والنقدية، ومن حق الأجيال القادمة أن تطلع على تجربته.. ولكن لأنه يحجز لنفسه مقعدًا فخمًا فى تاريخ كتابة السيرة الذاتية العربية. 

رفع صلاح الغطاء، ليس عن وقائع حياته التى يمكن أن يتحرج الآخرون من مجرد الاقتراب منها إذا مرت بهم فى حياتهم، ولكن عن مشاعره وعواطفه التى لن يعاتبه أحد إذا أغفلها فى كتابه، لكنه كان حريصًا على أن يواجه الحياة بالحياة، ويخاطب الناس بما حدث فعلًا، لا بما كان يتمنى أن يحدث. 

يمكنكم أن تعودوا إلى الكتاب الذى أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب، لكننى سأتوقف فقط عند ما يمكننا اعتباره كشفًا فنيًا وثقافيًا.

لا أحد يستطيع أن يضع يده بدقة على الخريطة العاطفية للسيدة أم كلثوم. 

لا يمكننا أن نعرف من هو أول من دق قلبها له.

كيف تعرفت عليه، وكيف اقتربت منه، وكيف انتهت حكايتهما معًا؟ 

يمكنك أن تجتهد بالطبع، أو حتى تستسلم، وتحدثنا عن حب أم كلثوم لأحمد رامى، وهو الحب المفقود فى حياتهما معًا.

لكن لماذا نتعجل وصلاح فضل فى مذكراته يكشف لنا عن الحب الأول فى حياة السيدة أم كلثوم، وهو ما عرفه بالصدفة وعلى هامش قصة حبه وزواجه. 

بعد تخرجه فى كلية دار العلوم، تطوع اثنان من أساتذته هما الدكتور أحمد هيكل، الذى أصبح فيما بعد وزيرًا للثقافة، والدكتور عبدالحكيم بلبع، وذهبا معه لخطبة زميلته «قدرية»، بعد أن عايشا- كما يقول فضل- قصة غرامهما وشهدا تطوراتها الرومانسية العنيفة. 

كانت أسرة قدرية تسكن فى حلوان، وهى وقتها معقل كبار البيوت المصرية التى يلجأ إليها الشيوخ والكبراء للاستشفاء. 

استقبل الأستاذ زكى عبدالرحمن والد العروس ضيوفه بحفاوة بالغة. 

يقول صلاح: كان يتابع مع ابنته بدقة شديدة وصداقة واعية تطور علاقتنا العاطفية بعد أن رق لها، فسأل صديقه وجاره الشيخ محمد عبداللطيف دراز، الذى كان يشغل منصب وكيل الجامع الأزهر، وهو أصلًا من قرية مجاورة لنا، عن عائلتى، وفهم منه أن جدى الشيخ محمد عبدالغنى فضل كان رفيقه فى الأزهر، حتى حصل على العالمية، وأن الشيخ الباقورى زوج ابنته كان زميل والدى المرحوم الشيخ عبدالسميع، وأنه لذلك يثق بالعائلة وأصلها ويعزز موقفى، وأسهم مديح أساتذتى فى أخلاقى وحسن ظنهم بمستقبلى العلمى فى تيسير المهمة، فسارت أمور الخطبة هينة رفيقة، وأخذت أتردد على بيتهم بانتظام حتى أنس لى الأب الكريم. 

ما علاقة كل ذلك بالسيدة أم كلثوم وقصة حبها الأول؟ 

السر كان عند والد قدرية خطيبة صلاح فضل وقتها، فبعد أن تعود على الحوار مع صلاح، بدأ يُطلعه على بعض من أسرار عائلتهم الكريمة. 

هنا يدخل بنا صلاح إلى القصة المفاجئة. 

يقول: أحضر الأستاذ زكى عبدالرحمن ملفًا أنيقًا يتضمن فيما أذكر اثنتى عشرة رسالة كُتبت بخط واضح جميل بتوقيع أم كلثوم، فوجئت بأنها رسائل غرامية لاهبة موجهة إلى الشيخ محمد عبدالرحمن والده، وعرفت أنه كان كبير الخطاطين فى مصلحة المساحة ويُلقب بخطاط الملك، وله مكانه فى الديوان وصداقته حميمة بكريم ثابت نائب رئيس الديوان، وكانت لوحاته الفنية الجميلة وكتابته للمصحف الملكى الذى وزع بعد ذلك على ضباط حرب فلسطين شواهد على مكانته العالية. 

كيف التقى الشيخ محمد عبدالرحمن بأم كلثوم؟ 

يقول صلاح: عندما جاءت أم كلثوم من قريتها وأخذت تشق طريقها إلى الفن، كانت بيوت الشيوخ فى حلوان، أمثال الشيخ المراغى والشيخ عبدالرازق والشيخ عبدالرحمن منتديات حقيقية للأدب والفن والسمر والمودة، فتوجهت إلى هؤلاء الأساتذة من عُلية القوم فبهرتهم بصوتها الجميل، لكنهم لاحظوا ضعف ثقافتها فى اللغة والشعر والأدب، وسوء نطقها لمخارج الحروف، فاستقر رأيهم على توكيل الشيخ الفنان محمد عبدالرحمن برعايتها وتثقيفها، فاشترط عليها الانتقال للإقامة فى حلوان، لأنها لم تنتظم فى دراسة منهجية واكتفت بحفظ الأناشيد والآيات القرآنية وألحان الموشحات الدينية، واختار لها كتاب الأغانى، لأن بنيته موضوعة على أساس الأصوات والألحان الغنائية، ويتضمن أهم أشعار الغزل وأخبار المغنين والمغنيات، ويقدم صورة زاهية لتاريخ اللغة والفكر والفن والمجتمع العربى الراقى فى العصر الأول، وإن كانت رموزه الإيقاعية ما زالت غامضة على الدارسين. 

حكى زكى عبدالرحمن لصلاح فضل كيف تعمقت صلة والده بتلميذته النجيبة، وكيف تولدت بينهما بمرور الشهور وساعات الصحبة مشاعر الحب العميق، حيث عشقت فنه الجميل وجهده المخلص فى صقل موهبتها وشخصيتها، فأخذت تبعث له رسائل الهوى والغرام كلما غادرت مصر أو تركت العاصمة، وبلغ من ولعها وقتها أن اقترحت عليه الزواج منها، لكنه اعتذر لها برفق وآثر أن يظل أستاذها وصديقها الحميم، لأنه أدرك ما ينتظرها من مستقبل، فخشى أن يقتصر ذكره على أن يكون مجرد زوج الست أم كلثوم، وهو الذى كان يظن أن التاريخ سوف يسجل مآثره وكتاباته وإبداعاته الفنية والعلمية المتناثرة فى القصور الملكية. 

يفسر صلاح فضل رفض الشيخ محمد عبدالرحمن الزواج من أم كلثوم. 

يقول: يبدو أن اعتزاز الفنانين بمقامهم يجعلهم يبالغون فى تقدير ذواتهم عادة، وربما كان الشيخ يدرك أن فارق السن بينهما ومسئولية الشهرة لن تساعد هذا الزواج على الاستمرار، لكن ظلت علاقتهما قوية حتى تولى الشاعر أحمد رامى مواصلة ما بدأه الشيخ عبدالرحمن، وتسلم منه زمام العواطف وتربيتها، والشعر وتنميته، والفن وتذوقه. 

لم تنتهِ القصة بالنسبة لصلاح فضل بعد، فبعد سنوات طويلة من الزواج والعمل والسفر عاد إلى القاهرة، يقول هو: فتنتنى بطبيعة الحال هذه القصة لأم كلثوم وعلاقتها بجد خطيبتى قدرية، تم الزواج من حفيدة الشيخ المعشوق، واغتربنا لسنوات طويلة فى إسبانيا للدراسة والعمل، وتابعت رحلاتى إلى المكسيك حتى عدت نهائيًا إلى الوطن منتصف الثمانينيات، والتقيت فى اتحاد الكتّاب بصديقى الراحل محفوظ عبدالرحمن، وكان يكتب دراما أم كلثوم، فأخبرته بهذه القصة، فطلب منى ولو رسالة واحدة توثق هذه العلاقة. 

حاول فضل أن يقدم الدليل بالطبع على روايته.

يقول: عُدت لأبحث فى أوراق عمى الأستاذ زكى الذى كان قد رحل فلم أعثر على أى أثر للملف الأنيق الذى سبق أن اطلعت عليه. 

نرشح لك

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل