المحتوى الرئيسى

حين تَجتاحُ «الكورونا الاجتماعيةُ» النساءَ

05/06 22:19

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتبة رفيف رضا صيداوى، تجيب فيه عن تساؤل فى بداية مقالها وهو «أسباب تخصيص المرأة فى موضوعٍ الجائحةٍ رغم أنها ألمَّت بالعالَم بأسره؟»، شارحة بالتفصيل التمييز بين الجنسين قبل وأثناء الجائحة... نعرض منه ما يلى:

السؤال الأول الذى يتبادر إلى الذهن عند تناول علاقة المرأة العربية بجائحة كورونا يتمثل فى أسباب تخصيص المرأة فى موضوعٍ يتعلق بجائحةٍ ألمَّت بالعالَم بأسره، ولاسيما أن هذه الجائحة عابرة للقوميات والدول والمُجتمعات والطبقات الاجتماعية والأعراق والأجناس والشرائح العمرية كافة. أما جوابنا فهو أن هذه الجائحة، وإن كانت ذات طبيعة وبائية/ صحية، وتُطاول صحة الجنسَيْن، إلا أن ارتداداتها وتداعياتها الاجتماعية، تقع على المرأة أكثر من الرجل لأسباب ينبغى البحث عنها على المستوى الاجتماعى العام بمكوناته الاقتصادية والسياسية والثقافية والقيمية كافة.

الشواهد عن اللامُساواة والتفاوُت الإنسانيين وغيرهما من الظواهر التى عمَقتهما العَولَمة وليبراليتها المتوحشة كثيرة ومُثبتة بالأرقام. فثمة تفاوتات ناتجة عن غياب العدالة فى توزيع الثروة والدخل، سواء على مستوى العالَم أم داخل كل بلد على حدة، فضلا عن التفاوتات البيئية، والتفاوتات فى الحصول على الخدمات الصحية والسكن والغذاء والمَعارِف وغيرها. ففى هذا الزمن «الاستهلاكى» بامتياز، حيث بات كل شىء خاضعا لمنطق السوق المُعولَمة، مع ما يُرافق ذلك من تكريسٍ للتمييز ضد الفئات المهمَشة، ولاسيما النساء، من المتوقع أن تفضى تداعيات الوباء إلى تعميق التمييز بأشكاله جميع على النساء وزيادة الأعباء عليهن.

التمييز المائل إلى مصلحة الرجل فى العالَم بأسره، ولاسيما فى مُجتمعاتنا العربية، والمُحدَد بالسلطة الأبوية التى أنتجت تصوراتٍ نمطية تجاه دَور كلٍ من الرجل والمرأة، وشرعنت التمييز ضد المرأة تحديدا فى المجتمع والعائلة، أو فى المجالَيْن العام والخاص، هذا الواقع تثبته الأرقام؛ حيث يتبين أن متوسط قيمة الفوارق بين الجنسَين للدول العربية، وفقا لـ «دليل التنمية البشرية لعام 2019، برنامج الأُمم المتحدة الإنمائى» بلغ نحو 0.531، وأن هذه القيمة تزيد بفارق شاسع عن نظيراتها فى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، البالغة 0.182، لكنها تقل عن نظيراتها فى البلدان الأقل نموا حيث تبلغ 0.561.

هذه الخلفية البطريركية الذكورية للمُجتمعات العربية، تُفضى إلى آثار سلبية مُضاعَفة على الفتيات والنساء، لكونهن أساسا الحلقة الأضعف فى منطقة تَصِل معدلات الفقر فيها إلى 41% فى عشرة بلدان عربية تضم نحو 75% من سكان المنطقة، ويُواجه فيها الفقراءُ والنازحون والنازحات صعوبة فى الحصول على ما يكفى من الغذاء فى الكثير من الأحيان بسبب عدم كفاية خدمات الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحى، فضلا عن مؤشرات أخرى مثل: بقاء المتوسط الإقليمى العام لمعدلات وفيات الأمهات عند 142 حالة وفاة لكل 100,000 مولود حى فى العام 2015، وهو ضعف المتوسط العالَمي؛ وعدم حصول 70.5 مليون شخص على الحد الأدنى الأساسى من خدمات الصرف الصحى فى المنطقة؛ كما وعدم حصول 47.5 مليون شخص على خدمات مياه الشرب، مع العِلم أن الافتقاد لخدمات المياه والصرف الصحى يؤثر سلبا على معدل تسرب الفتيات من المدرسة، ويؤدى نقصه، فى مرافق الرعاية الصحية، إلى زيادة معدلات مرض الأمهات ووفاتهن.

أوجه المُساواة بين الجنسَيْن هذه، تنسحب، على كل ما يتعلق بالعمل والادخار، ومعدلات الأجور وغيرها، ولاسيما أن شريحة واسعة من النساء والفتيات يشغلن وظائف غير آمنة أو يعشن فى مستويات قريبة من مستوى الفقر؛ فالنساء يعملن فى الغالب فى القطاع الزراعى، حيث تزيد نسبة العاملات فيه على 37 فى المائة من مجموع القوى العاملة فى مصر، وعلى 50 فى المائة فى العراق، وعلى 60 فى المائة فى المغرب.

أما نسبةُ النساء اللواتى يمتلكن الأراضى، فلا تتجاوز 7 فى المائة فى جميع أنحاء المنطقة. وإذا كانت المنطقة العربية تُسجِل نسبة مُرتفعة للعمل غير النظامى، باستثناء القطاع الزراعى، فإن عمالة المرأة فى المنطقة العربية تتسم بمستوياتٍ عالية من العمالة غير النظامية والهشة، إذ ينخرط عددٌ كبير من النساء فى العمل المنزلى أو حتى العمل الزراعى غير مدفوعَيْ الأجر، عِلما أن النساء فى البلدان العربية يَقمن بنحو 80% إلى 90% من أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر.

حيال ما تُنبئ به التوقعاتُ بشأن أزمة كورونا من أزمات اقتصادية لا بد أن تشمل غالبية بلدان العالَم، بات من المنطقى أن تتفاقم التداعيات السلبية للأزمة فى العالَم العربى بخاصة، بفعل مُعاناة دوله أساسا، ولاسيما على صعيد بنياتها الاقتصادية؛ إذ كانت التوقعات قد تنبأت بتراجُع معدلات النمو الاقتصادى للبلدان العربية للعام (2020) من نحو 3.3% قبل تفشى الوباء إلى أقل من 2% بعد تفشيه. وذلك مع إمكانية ارتفاع الوظائف المُتوقَع فقدها خلال الجائحة على مستوى الوطن العربى إلى 483 ألف وظيفة، مع توقعات بطالة على مستوى الوطن العربى للعام 2021 أيضا تصل إلى نحو 20.5 مليون مُتعطل مُقارنة بنحو 15.3 مليون مُتعطل من دون أن يكون هناك أى أحداث أخرى مضرة بالاقتصاد، أى بسبب الجائحة الوبائية وحدها التى ستتسبَب فى زيادة أعداد المُتعطلين بنحو 5.2 مليون.

فى المُقابل، ولما كانت المنطقة العربية قد سجَلت قبل الجائحة أدنى مستوى مُشارَكة اقتصادية للمرأة فى العالَم (لا يتجاوز 25 فى المائة فى العام 2014)، مُقارَنة بمتوسط عالَمى قدره 50 فى المائة، فيما تُزاوِل 38 فى المائة من النساء العاملات فى المنطقة أعمالا غير مستقرة، ولما كانت الأدوار الاجتماعية النمطية تُبعد النساء عموما عن سوق العمل، وخصوصا عند الزواج والإنجاب، وتُفقِد بعضهن المهارات التى كن يحصلن عليها قبل الزواج، حيث سجَلت المنطقة العربية فى العام 2018 أدنى معدل عمالة لدى الأمهات اللواتى تتراوح أعمار أطفالهن بين 0 و5 سنوات على المستوى العالَمى، وهو معدل بلغ فى المنطقة العربية نحو 9,3 فى المائة فقط مقارنة بـ 47,6 فى المائة على الصعيد العالَمى، يُتوقَع ارتفاع معدلات البطالة لدى النساء فى ضوء تضرُر عدد من القطاعات الاقتصادية التى تُسهم فيها النساء بشكل أساسى، وعلى رأسها قطاع السياحة الذى يُسهم بمعدلات تتراوح ما بين 12 إلى 19% من الناتج المحلى الإجمالى فى بعض الدول العربية. كما يُتوقَع انخراطٌ أكبر للنساء فى العمل غير النظامى، والوقوع فى براثن الفقر، أى للتهميش، ولاسيما فى ظل افتقار البلدان العربية ذات الدخل المُنخفض والمتوسط على وجه التحديد إلى خدمات الحماية الاجتماعية. ونتجَ عن اتجاه الأنظمة الصحية فى ظل جائحة كورونا إلى تخصيص الموظفين والمَوارِد لخدمات الرعاية الحرجة بعيدا عن مجالات الرعاية الأخرى، تراجُعُ خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والسلع الأساسية فى الوقت الذى لم تنتفِ فيه حاجات النساء إلى تنظيم الأسرة والإمدادات الخاصة بالدورة الشهرية والرعاية الصحية للأمهات.

ويُشار فى هذا السياق إلى أن النساء، ولاسيما العاملات فى الخطوط الأمامية، واستجابة للمطالب والخدمات الصحية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحن أكثر عرضة لوباء كورونا، لأن غالبية من يعملون فى قطاع الخدمات الصحية والاجتماعية هن من النساء، ولأن معظم مُقدِمات الرعاية هن من المُمرضات، مع تمثيلٍ مُنخفض لهن فى المستويات الوظيفية العليا وفى مَناصب المسئولية، وتشكيلهن أغلبية موظفى الخدمة فى المرافق الصحية، مثل أعمال النظافة، وغسْل المَلابس، وإعداد الطعام، بحيث يُمثلن فى مصر ولبنان نسبة 80 و90% على التوالى من الجسم التمريضى.

تداعيات كورونا على النازحات واللاجئات

ولما كانت النِزاعات والحروب والضغوط البيئية قد أسفرت عن نزوح أكثر من 15 مليون شخص داخل بلدانهم، ولاسيما فى سوريا والسودان والصومال والعراق واليمن، وبلوغ عدد المُهاجرين والمهاجرات فى بعض بلدان المنطقة العربية نحو 29 مليون شخص، بحسب إحصاءات عائدة للعام 2017، نصفهم هاجر إلى داخل بلدان المنطقة، ونظرا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المُتدهورة التى تُواجهها البلدان المُضيفة للاجئين واللاجئات حاليا، والتى تفاقمت بعد إجراءات الحجر التى فرضها فيروس كورونا، وما رافقَ ذلك من عزْل مُخيمات النازحين عن الخارج فى إطار الإجراءات الوقائية لمنْع وصول فيروس كورونا إلى داخل المُخيمات، فإن النساء النازحات واللاجئات أصبحن أكثر عرضة للتهميش بسبب تراجُع الخدمات التى كان يمكنهن الحصول عليها قبل الجائحة، كالخدمات الصحية وغيرها.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل