المحتوى الرئيسى

حكم الإفطار في رمضان للوقاية من الإصابة بـ«كورونا»؟ «الإفتاء» تُجيب

05/05 11:23

تنصح منظمة الصحة العالمية والأطباء المختصون بالإكثار من شرب السوائل؛ للمحافظة على بقاء الفم رطبًا بشكل مستمر، والمداومة على تناول الأغذية التي تقوي الجهاز المناعي للإنسان؛ كأسلوب من أهم أساليب الوقاية من خطر الإصابة بفيروس كورونا .

لذا يتساءل البعض.. هل يجوز إفطار رمضان في هذه الحالة لمن خاف الإصابة بالعدوى لجفاف الفم، أو احتياجه إلى تقوية مناعة الجسم؟ 

في هذا الصدد يقول الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية ومن سعة الشريعة الإسلامية ورحمتها بالمكلفين أن رفعت عنهم الحرج، ورامت في أحكامها اليسر، وتغيَّتْ في مقاصد عباداتها التزكية والتطهير، لا المشقة والتعسير؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]، وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنفيذ الأوامر الشرعية منوطًا بالاستطاعة؛ فقال: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ؛ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ومن أجل ذلك عقب الله تعالى فرض الصوم بالتيسير على من يشق عليه؛ فقال سبحانه: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 184].

والمعنى: أنه يُرَخَّصُ في الإفطار للمريضِ، إذا عجز بسبب مرضه عن الصوم، ولمن كان مسافرًا سفرًا تُقصَرُ فيه الصلاة، مع وجوب القضاء عليهما بعد زوال العذر والقدرة على الصوم، كما يُرخَّص في الإفطار لمن كان مريضًا مرضًا لا يُرجَى بُرؤُه، وعليه أن يخرج فدية عن كل يوم إطعامَ مسكين، ثم ختم سبحانه الآية بالحث على الصوم للقادر عليه، وأن المسلم لو علم ما في الصوم من الأجر والثواب، وعظيم المنزلة عند رب الأرباب، فلن يتركه أبدًا ما دام قادرًا عليه مستطيعًا لأدائه.

ولأجل حرمة رمضان وعظم ثواب الصوم فيه: فقد نص الفقهاء على أن صوم المسافر أفضل من فطره، إذا كان الصوم لا يشق عليه، وهذا مذهب جماهير العلماء سلفًا وخلفًا، وصححه المحققون وعليه الفتوى؛ لأن ثواب الصوم في رمضان لا يعدله ثواب.

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (7/ 229، ط. دار إحياء التراث العربي): [واختلفوا في أن الصوم أفضل، أم الفطر، أم هما سواء؟ فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والأكثرون: الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر، فإن تضرر به فالفطر أفضل.. وقال سعيد بن المسيب والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم: الفطر أفضل مطلقًا، وحكاه بعض أصحابنا قولا للشافعي.. وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء لتعادل الأحاديث. والصحيح قول الأكثرين] اهـ.

واتفق فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة على أن المرض المرخِّص في الفطر هو ما لا يستطيع المريض معه الصوم، أو يزداد به المرضُ بإخبار الطبيب المختص الحاذق، وأنه ليس كل مرضٍ يصيب المكلَّفَ يكون مرخصًا له في الإفطار، ونص بعضهم على أن مِن الأمراض ما ينفع معها الصومُ في شفاء مَرْضاها؛ فيكون الصوم خيرًا لهم من الإفطار.

قال الإمام علاء الدين البخاري الحنفي في "كشف الأسرار" شرح أصول الإمام البزدوي (4/ 376، ط. دار الكتاب الإسلامي): [المرض لم تتعلق الرخصة بنفسه؛ لأنه متنوع إلى ما يضر به الصوم وإلى ما لا يضر به بل ينفعه؛ فلذلك تعلقت الرخص بالمرض الذي يوجب المشقة بازدياد المرض لا بما لا يوجبها؛ ألا ترى أنه لو حدث به بَرَصٌ في حال الصوم لا يمكن أن يُرَخَّصَ له بالإفطار، مع أنه من الأمراض الصعبة؛ فعرفنا أن الحكم غير متعلق بنفس المرض] اهـ.

وقال الإمام العيني الحنفي في "منحة السلوك في شرح تحفة الملوك" (ص: 270، ط. أوقاف قطر): [قوله: (المريض إذا خاف شدة مرضه أو تأخر برئه: أفطر) لأن ذلك قد يفضي إلى الهلاك، فيجب الاحتراز عنه، وطريق معرفته: الاجتهاد، فإذا غلب على ظنه: أفطر، وكذا إذا أخبره طبيب حاذق عدل. والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم: فهو كالمريض نصوا أيضًا على أن مَن غلب على ظنه أنه سيصاب بالمرض إذا صام: فإنه يُرخَّصُ له في الفطر؛ تنزيلًا للمَظِنَّة منزلةَ المئنَّة، بشرط غلبة الظن بحصول المرض؛ لِمَا علم من تجربته، أو بإخبار الطبيب الحاذق العدل، أما مجرد الخوف من المرض فلا يجوز معه الفطر.

فنص السادة الحنفية على أنه يشترط في خوف المرض المبيح للفطر: أن يصل إلى مستوى الظن الغالب، واشترطوا في ذلك التجربة السابقة، أو الأمارة الواضحة، أو إخبار الطبيب المتخصص الحاذق:

قال الإمام النسفي الحنفي في "كنز الدقائق": [لمن خاف زيادة المرض الفطر وللمسافر، وصومه أحب إن لم يضره] اهـ، قال العلامة ابن نجيم الحنفي في شرحه "النهر الفائق" (2/ 28، ط. دار الكتب العلمية): [(لمن خاف) خوفًا قويًّا ارتقى إلى غلبة الظن (زيادةَ المرض) أو امتدادَه، أو إبطاءَ البرء، أو فسادَ العضو، بأمارةٍ، أو تجربةٍ، أو إخبارِ طبيبٍ حاذقٍ مسلمٍ غير ظاهر الفسق..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل