#كيف_أضحت؟ (3).. مَدين.. الأرض التي استوطنها شعيب واحتمى بها موسى تصبح مدينة البدع

بين الكتب والروايات إلى الأفلام، ترددت مدن وأماكن تاريخية عديدة على مسامعنا وأعيننا، حتى علقت بأذهاننا ونُسجت بخيالنا، بعدما جسدها الكتاب والمؤلفون في أعمالهم، لكننا أصبحنا لا نعلم عنها شيئا في الوقت الحالي، حتى كثرت التساؤلات عن أحوال هذه المدن التاريخية الشهيرة، كيف أضحت وأين باتت تقع؟.

بعض هذه المدن تبدلت أحوالها وأضحت أخرى مختلفة، بزمانها ومكانها وساكنيها، فمنها التي تحولت لمدينة جديدة بمواصفات وملامح غير التي رُسمت في أذهاننا، لتجعل البعض منا يتفاجئ بهيئتها وشكلها الحالي، ومنها التي أصبح لا أثر ولا وجود لها على الخريطة، ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأنها كانت مجرد أماكن أسطورية أو نسج خيال.

لكن، ما اتفقت عليه تلك المدن البارزة أن لكل منها قصة وراءها، ترصدها لكم "الشروق"، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، من خلال الحلقات اليومية لسلسلة "كيف أضحت؟"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء المدن والأماكن الشهيرة التي علقت بأذهاننا وتخبركم كيف أضحت تلك المدن حاليا.

"وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ وَلا تَنقُصُوا المِكيالَ وَالميزانَ إِنّي أَراكُم بِخَيرٍ وَإِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ مُحيطٍ"، في تلك الآية التي وردت في سورة هود، وغيرها من الآيات القرآنية، بل والنصوص التوراتية ذكر اسم مدينة مَدين، تلك المدينة الشهيرة التي بعث الله إلى أهلها نبيا منهم -النبي شعيب- ليدعوهم إلى الإيمان بالله، وترك المعاصي.

• قصة النبي شعيب.. ورفض الدعوة

بدأ نبي الله شعيب -عليه السلام- بدعوة قومه من أهل مدين للإيمان بالله وترك المعاصي، وكانوا يعرفون بامتهان التجارة ورعي الأغنام، إلا أنهم كانوا يغشون في الأوزان، فحثهم نبي الله على المتاجرة العفيفة، ونهاهم عن الفساد في الأرض، حيث كانوا يقطعون الطريق على الناس، لكنّهم أبوا واستكبروا.

فقد ذكر القرآن الكريم قصة قوم مدين مع النبي شعيب في قوله تعالى بسورة هود: "وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)".

وبعد أعوام من الدعوة، كان نصيب قوم مدين كغيرهم من الأقوام الطغاة، كقوم عاد وثمود وصالح، فهلكوا جميعا بالصيحة، وأصبحوا جثث هامدة قابعة في منازلهم، وأنجى الله نبيه شعيب ومن آمن معه، فقد قال تعالى في سورة هود: "وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)".

• ملجأ النبي موسى من فرعون وجنوده

وذكر القرآن الكريم أيضا قصة سيّدنا موسى -عليه السلام- عندما ذهب إلى مدينة مدين، ولجأ إليها واحتمى بها، عندما هرب من فرعون ورجاله، بعد أن قام بقتل مصريا، فهي كانت مدينة حيوية منذ زمن، وكان بها بئر يساعد أهلها على عيش حياة رغيدة، فعاش النبي موسى بين قومها لسنوات عديدة، وتزوج منهم.

فقال تعالى عن نبيه موسى ومَدين في سورة القصص: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)".

• مَدين.. مدينة "البدع" بالسعودية

واليوم، تقع أرض مَدين، التي أضحت تسمى حاليا بمدينة "البدع"، في منطقة تبوك، وتحديداً في الجهة الشمالية الغربية من المملكة العربية السعودية، على الساحل الغربي للبحر الأحمر بين مدينة ضبا من الجنوب وخليج العقبة من الشمال، وفقا لما ذكر المؤرخ والكاتب والعَلامة السعودي، عاتق بن غيث البلادي، في كتابه "رحلات في بلاد العرب"، الصادر في يناير 1983.

فقال البلادي: "أمَّا موقع مَدْيَن فهو بلا خلاف غرب تبوك، بينها وبين خليج العقبة، فإذا كان المقصود مدينة شعيب، فهي تُعْرَف اليوم باسم البدع، وتقع على بعد 220 كيلومترا من تبوك، ويصل بينهما طريق معبَّد".

وهو ما أكده الداعية الإسلامي ومؤلف الأطالس التاريخية والإسلامية، سامي المغلوث، في أطلسه "تاريخ الأنبياء والرسل" الصادر في عام 2003، فقال: "بعث الله تعالى نبيه شعيبا في قومه مدين شمال غربي الحجاز بمنطقة البدع".