المحتوى الرئيسى

عمرو فاروق يكتب: الأمن المصري وتفكيك مشروع تحويل القاهرة إلى مقر لتنظيم 'القاعدة'

04/15 10:00

تتعرض الدراما المصرية حالياً لمجموعة من الأحداث الحقيقية التي شهدتها القاهرة في فترة زمنية حالكة تكونت فيها العديد من التنظيمات الأصولية التي اتخذت من منهجية التكفير مرجعاً أساسياً في تعاطيها مع مفردات الدولة الوطنية التي تناهض مشروعها ومرتكزاتها الفكرية والأدبية ما بين عامي 2011 و2012.

تأتي في مقدمة الأحداث التي تناولتها الدراما المصرية ضمن الجزء الثاني من مسلسل "الإختيار"، في حالة أقرب إلى التوثيق الشارحة بدقة متناهية، القضية رقم 333، والمعروفة إعلامياً بخلية "مدينة نصر"، التي تم القبض على أطرافها نهاية عام 2012.

تمثل خلية "مدينة نصر"، التي فككتها الأجهزة الأمنية المصرية، ككيان تنظيمي شديد الخطورة، كونها عملت على تهيئة الأجواء للحالة الأصولية المسلحة، مقارنة بخطوط تأسيس الحركات المتطرفة، التي تزعم "تطبيق الشريعة"، وتتاجر بـ "راية الجهاد"، وتدعو صراحة إلى تكفير المجمتع بمختلف طوائفه وفئاته، وتجيز العنف المسلح وإرقة الدماء.

لم تكن خلية "مدينة نصر" مجرد كيان أصولي مسلح، لكنها كانت بمثابة مشروع تنظيمي متكامل يضع في أولوياته "تمصير الحالة الجهادية"، من خلال إيجاد مساحة تمركز سياسي وجغرافي للمشروع الجهادي والتنظيمات المتطرفة في العمق المصري، وتحويل القاهرة إلى "كابول" جديدة بتعليمات من ايمن الظواهري، عن طريق تشكيل مكونات وخلايا متحركة تابعة للتنظيم "القاعدة"، في مدن وقرى مصر، وتنشيط أكبر حركة لتهريب وتمرير السلاح على الحدود الغربية بمحازة الجانب الليبي، فضلاً عن الحدود الشرقية، تماهياً مع السلفية الجهادية بقطاع غزة.

واكب تأسيس خلية "مدينة نصر"، إصدار مجموعة من الدراسات التنظيرية البحثية، المعنية بالجانب الحركي للتموضع التنظيمي القاعدي في العمق القاهري، منها وثيقة "مصر والطريق إلى أمة الخلافة"، التي كتبها المرجع التكفيري أبو بكر أحمد، وطرحت مشروع "جهاد التمكين"، ومساعي تفكيك الدولة المدنية، والمؤسسة العسكرية، تحت عنوان "كيف نفتح مصر؟".

أفاد المرجع التكفيري، في وثيقته عن مصر، أن أهداف المشروع الأصولي، تتمحور في ضرب مظاهر الدولة المدنية، وتفكيك مكوناتها الأمنية والعسكرية، والسيطرة على مفاصلها، واستخدام العمليات الحديثة في تصفية الشخصيات العامة المعادية للمشروع الإسلامي.

زعمت الوثائق التكفيرية، أن المجتمع المصري، باتت مهيأ للخلافة ومسؤلياتها، وأن الجيل الحالي من الأصوليين تمت صياغته في أجواء الحركة والجهاد، وأن سيناء تمثل بؤرة ومركز الخلافة والأحداث، وأنه لابد من التدرج في تنفيذ المشروع بدأ من مطروح إلى جنوب الصعيد إلى شماله، والمراكز الشرقية قبل الغربية، وصولاً إلى مناطق الدلتا.

ضمت خلية مدينة نصر، عددا العناصر التكفيرية الخطرة، في مقدمتهم طارق أبو العزم الرائد السابق بالقوات المسلحة، ومحمد جمال الكاشف، الشهير بـ"أبو أحمد"، وعادل عوض شحتو، أحد قيادات تنظيم الجهاد الذين خططوا لمحاولة تفحير جنازة الرئيس السادات عام 1981، وعمر رفاعي سرور(مفتي القاعدة في ليبيا)، بجانب التونسي، على سعيد ميرغني، خبير تصنيع المفرقعات، الذي عمل على تخزين الأسلحة القادمة من ليبيا في شقة بمدينة الإسكندرية، والضابط المستقيل من القوات الجوية، رامي الملاح.

صنعت خلية "مدينة نصر"، "شبكة متصلة" تعمل على نقل أكبر عدد ممكن من مخازن السلاح التابعة للجيش الليبي، التي تم الإستيلاء عليها عقب سقوط نظام الرئيس القذافي، فضلاً عن تمرير أعداد كبيرة من العناصر الأصولية، إلى الداخل المصري، عبر مسارات محصورة في 3 طرق، أولها من الجهة الشمالية بين منطقتي إمساعد في ليبيا ومدينة السلوم المصرية، والثانية في المنطقة الوسطى من الحدود من واحة الجغبوب الليبية باتجاه منطقة الخارجة في الوادي الجديد بمصر، والمسار الثالث جنوب الحدود الغربية عند جبل العوينات بين مصر وليبيا والسودان.

كان مهندس خلية "مدينة نصر"، الرائد طارق أبو العزم، المُكنى "أبو حمزة"، المعروف انتماءاته للتنظيمات الراديكالية، وتشربه مفاهيم الحاكمية، وجاهلية المجتمع، وأصول التكفير وتشريعاته الباطلة التي نادى بها سيد قطب، على يد مشايخ السلفية الجهادية بالقاهرة.

تخرج "أبو العزم" في الكليه الحربية، والتحق بالقوات المسلحة، وحصل عقبها على دورات عسكرية بالولايات المتحدة الأمريكية، ووصل إلى رتبة رائد، وتم القبض على"أبو العزم" في أكتوبر 2002 ، ضمن القضية رقم 2 لسنة 2003 ، المعروف إعلامية بقضية "جند الله"، برفقة 43 شخصاً بتهمة التخطيط لضرب المصالح الأمريكية بالقاهرة، وتمت إحالتهم للمحاكمة العسكرية بداية عام 2003 .

من داخل عنبر (ج) بسجن "استقبال طره"، اتخذ طارق أبو العزم، موقفاً مناهضاً لمبادرات "وقف العنف" التي صاغتها الجماعة الإسلامية وتنظيمات الجهاد، وعرفت إعلامياً بـ"المراجعات الفكرية"، منحازاً لموقف قيادات تنظيم "القاعدة"، حينها، والتي اعتبرتها تراجعات وليست مراجعات.

حول "أبو العزم"، عنبر (ج) بسجن طره، برفقة مجموعه تنظيم "جند الله"، إلى غرفة عمليات تحرض قواعد الجماعات الأصولية المتطرفة، على رفض "المراجعات الفكرية"، ما جعله يدخل في صدام مباشر وصل إلى الإشتباك بالأيدي مع قيادات الجماعات الأصولية التي أيدت "المبادرة"، وتطور لمعركة كبرى، تم فضها بالقنابل المسيلة للدموع، عرفت حينها بـ"معركة عنبر (ج)"، على إثرها تم عزلهم تأديبياً وترحيلهم إلى سجن "الوادي الجديد"، ومنه إلى سجن "ليمان أبي زعبل"، فيما يعرف "بالتغريبة" في السجون المصرية.

قبل فصل "أبو العزم"، من الخدمة العسكرية عام 2003، تمكن من التأثير فكرياً في عدد من الضباط المصريين في مقدمتهم الإرهابي الدولي، هشام عشماوي الضابط السابق بالصاعقة المصرية، إذ عمل على تشكيل خلية تتشابه إلى حد كبير مع الخلية التي قادها الرائد عصام القمري، في ثمانينات القرن الماضي، وتكونت من 12 ضابطاً،وخططت لقلب نظام الحكم، ومحاولة إغتيال رئيس الدولة.

كان حلقة الوصل بين تنظيم "القاعدة"، وخلية "مدينة نصر"، محمد جمال الكاشف، الحارس الشخصي لأسامة بن لادن، والذي تدرب على صناعة المتفجرات، خلال تواجده بأفغانستان، وعقب عودته إلى مصر في التسعينيات أصبح من القيادات الفاعلة في الجناح المسلح لتنظيم "الجهاد"، فضلا عن تورطه في محاولة اغتيال رئيس الأسبق حسني مبارك، التي وقعت أحداثها بأثيوبيا عام 1995.

ارتبط الكاشف بأيمن الظواهري، وبقيادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والمغرب العربي،وتنقل بين القاهرة وأفغانستان واليمن، وحمل جوازاً مصرياً رقم 6487 ، وأخر يمنياً برقم 388181 ،وتزوج من سماح علي الدهباني (يمنية الجنسية)، وفي عام 2000 تم القبض عليه في قضية "العائدون من أفغانستان"، وأفرج عنه عام 2011، وفقاً لبرنامج المكافآت من أجل العدالة التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.

في 2012، أدرجت الخارجية الأمريكية،"جمال الكاشف" على قوائم الإرهاب، بعد تأكيدها في بيان صادر عنها، تورطه في تفجير السفارة الأمريكية في ليبيا، ومشاركته في تأسيس معسكرات تدريب قتالي في كل من مصر وليبيا واليمن،وإشرافه على عدد من العمليات الإرهابية، وتكوين شبكة علاقات واسعة مع عناصر متطرفة في الشرق الأوسط وأوروبا، بناء على تعليمات من الظواهري.

كانت مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" الأمريكية، كشفت في فبراير 2013، أن مصر رفضت طلباً من وحدة "الاستخبارات الأمريكية"، لمقابلة "جمال الكاشف"، أو "عادل شيحتو"، رغم صلتهما الكبيرة ورفيعة المستوى بـ"الشبكة الإرهابية" التي يقودها تنظيم "القاعدة" في المغرب العربي، وفقاً لتصريحات مسؤولين أمريكيين مطلعين على القضية نشرها موقع "ذا لونج وور جورنال".

خلال القبض على عناصر خلية "مدينة نصر"، وجدت الأجهزة الأمنية رسالة على جهاز الكمبيوتر الخاص، بـ "جمال الكاشف"، موجهة إلى أيمن الظواهري، وكان نصها: "شيخي وأستاذي العزيز الغالي أبو محمد تحية طيبة وبعد، أسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون بخير، وذخراً للإسلام والمسلمين، وأن يجعلك الله وإخوانك شيئاً يفي قمع المجرمين، وقيام دولة الإسلام باذن الله.. أعود إلى موضوع سفري لم أستطع القيام بذلك بسبب وضعي على قوائم الممنوعين من السفر، ووضع اسمي على قوائم الإرهاب الدولي، في أكثر من بلد عربي، وقد حاولت السفر بوثيقة غير اسمي الحقيقى فتعرضت للنصب، فلجأت إلى إرسال آخر كان معي فى السجن، فتم الاتفاق إلى عمل جهادي داخل مصر، بغض النظر عن الظروف الموجودة داخل البلاد، وبالنسبة إلينا كنا مؤمنين بضرورة إنشاء كيان جهادي في مصر وأنا شخصياً، كنت أقوم بتشجيع الشباب، اعتماداً على تاريخ سابق بالعمل معكم".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل