المحتوى الرئيسى

فؤاد حداد.. مسحراتى الوطن فى رمضان | المصري اليوم

04/15 07:05

فؤاد حدَّاد أشعرُ الشُّعراء (1- 2)

نوال عيسى وأمُّها عِطْرشَان (2 - 2)

ناس كانوا قبلى قالوا ف الأمثال

الرجل تدب مطرح ما تحب

وأنا صنعتى مسحراتى فى البلد جوَّال

حبيت ودبيت كما العاشق ليالى طوال

وكل شبر وحِتَّة من بلدى حِتَّة من كبدى حِتَّة من موَّال».

سيبقى مسحراتى فؤاد حدَّاد كعملٍ شعرىٍّ طويلًا ليس فى ذاكرة الشَّعب المصرى، ولكن فى ذاكرة المتنِ الأدبى، لبنائها وشعريتها وبساطتها، واستنهاضها الوعى، وإيقاظها الحرية المفقُودة والمُستلبة، حتى يظن من يقرؤه أنه يستطيع الكتابةَ مثله.

وقد قدَّم سيد مكاوى عملا آخر لفؤاد حدَّاد قرأته أولًا، قبل أن أسمعَهُ بعد ذلك عبر إذاعة الأغانى كل يوم جمعة، هو «نور الخيال من صُنع الأجيال فى تاريخ القاهرة»، ومازال يُعاد حتى أيامنا هذه، بوصفه أحد أبرز وأندر كنوز الإذاعة المصرية، ولا أنكر أنَّ الموسيقى والغناء قد حملا شعر فؤاد حدَّاد إلى الجماهير العريضة عبر أصوات وألحان: سيد مكاوى، والشيخ إمام، وأحمد منيب، وأحمد الحجَّار، ووجيه عزيز، وأصوات: محمد قنديل، ومحمد منير، وعلى الحجَّار، ومحمود الجندى الذى قدَّم ألبومًا غنائيًّا كاملًا من أشعار فؤاد حدَّاد (1928- 1985 ميلادية)، ومحمود عزت، وسيمون، وسواهم من المطربين والفرق الغنائية الجماعية.

وفؤاد حدَّاد كأغلب الشُّعراء الكبار الحقيقيين تخشاهم السلطات والسلطان، ولذا يعانون فى حياتهم من التهميش والنفى والإقصاء والمُطاردة والتجاهل والإبعاد من وسائل النشر والإعلام والجوائز والمِنح والاهتمام والوظيفة اللائقة، وفؤاد حداد الذى عاش سبعة وخمسين عامًا، سُجِنَ ثمانى سنوات فى عصر جمال عبدالناصر من 1953 إلى 1956 ميلادية، ثم من 1959 إلى 1964 ميلادية، والمدهش أنه عندما مات عبدالناصر كتب حدَّاد قصيدته الطويلة التى صدرت وحدها فى كتابٍ هو «استشهاد جمال عبدالناصر».

زُرتُ فؤاد حداد مرَّات قليلةً فى بيته بصحبة صديقى الشاعر الراحل عمر نجم «1956- 1995ميلادية»، الذى أهدى إلى حدَّاد قصيدته «أغنية إلى فؤاد حدَّاد»، بوصفه أحد أبرز آبائه الشِّعريين، كما أنه كان مُتشبِّعًا بالفكر السياسى والعروبى، مثل حدَّاد الذى كان شيوعيًا عتيدًا (سُجِنَ مع محمود أمين العالم، وسعد كامل، ومحمد سيد أحمد، ولويس عوض، وصلاح حافظ، وعلى الشريف، ورفعت السعيد، وزكى مراد، وحسن فؤاد، وزهدى العدوى، و...).

وبحُكم أنَّنى كنتُ وافدًا جديدًا على القاهرة، ولم أستقر فيها نهائيًّا إلا بدءًا من مايو 1983 ميلادية، أى بعد تخرُّجى فى قسم الصحافة بكلية آداب سوهاج جامعة أسيوط، فلم أكُن من المُتردِّدين الدائمين على فؤاد حدَّاد مثل أصدقائى الشُّعراء: أشرف عامر، ومحمد كشيك، وعمر الصاوى، ورجب الصاوى، وأيمن عامر، وحسين حمودة، وماجد يوسف، وعمر نجم، ومحمد بغدادى، وهشام السلامونى، والقائمة تطول، وجميعهم يكتبون شِعر العامية، بينما أكتبُ الفصحى، لكنَّنى لم أكُن يومًا من المُتعسِّفين بشأن اللغة التى يكتبُ بها الشَّاعر شعرَهُ، فالغيرة على اللغة العربية، وحراستها من «الأعداء»، لا تعنى أبدًا نفى أو إقصاء أو تجاهُل ما يكتبه الشُّعراء بالعامية، لكنَّ الواقعَ الأدبى الذى نعيشه يقول غير ذلك، فما لغة قريش سوى إحدى لهجات الجزيرة العربية الأكثر فصاحةً «التى التزم بها الشِّعرُ والنثرُ المكتوبُ وكرَّسها القرآن...» حسبما يرى الدكتور صلاح فضل فى كتابه «شعر العامية من السوق إلى المتحف» الدار المصرية اللبنانية 2019 ميلادية.

وكل واحد ممن جلس إلى فؤاد حدَّاد من الشُّعراء أفاد منه بشكلٍ أو بآخر، وأخذ جُزءًا من طريقتِهِ فى الكتابة؛ لأنَّ حداد شاعرٌ كونىٌ، إنسانىٌ، مُستشرفٌ، مُتنبِّئٌ، واضحُ الرؤية، يؤمنُ بالكتابة الجديدة، بل يمكن القول إن الأجيال الطالعة خلقته، وقد وصفه صلاح جاهين بأنه «شلَّالُ شِعْرٍ»، وقال أيضًا: «إن فؤاد حداد أشعر منى لكننى أشطر منه»، ومن يصدِّق أن جاهين كان يكتب شعرًا بالفصحى، ولمَّا قرأ الديوان الأوَّل لفؤاد حداد غيَّر لغته، ووجهته وصار يكتبُ بالعامية.

شعر فؤاد حدَّاد شبيهٌ بسلوكه والعكس، حيثُ عاش شاعرًا فى كلِّ تفاصيله، صاحب ثقافةٍ فرنسية واسعة منذ طفولته، إذ اعتادت أسرته أن تتكلَّم الفرنسية فى البيت، كما أنهُ ابنٌ كبيرٌ للثقافة العربية والشِّعْر العربى فى مختلف عصوره، ولما أسلم وهو فى السجن صار صوفيًّا وزاهدًا ومستغنيًا، ولما أصابته جلطةٌ ظل يكتب شعرًا حتى اليوم الأخير فى حياته.

عاش حداد متمرِّدًا فى شعره وسلوكه، لم ينحنِ أو يطأطئ رأس رُوحه:

فؤاد حدَّاد صاحبُ خطٍّ جميل، وكان يقول: إن المدرسَ الوحيدَ الذى دخل بيتهم كان هو مدرس الخط العربى، لأنَّ أباه سليم أمين حدٌاد- الذى كان يعمل أستاذًا فى الرياضيات المالية بجامعة فؤاد «جامعة القاهرة الآن»- كان يريد لابنه أن يكون عارفًا بالعربية وأسرارها، (سينجب فؤاد حداد ثلاثة أولاد، وسيطلق اسم أبيه على الأكبر، واسم جده على الثانى، أما الثالث فسيسمِّيه حسن).

فؤاد حداد الذى تغيَّر شعرُه بعد خروجه من السجن، وخلق أشكالًا جديدة فى الشِّعر، حتى أطلق عليه عبدالرحمن الأبنودى (1938- 2015 ميلادية) لقب «الإمام»، ورثاه فى قصيدةٍ طويلةٍ، منها:

«إنت الإمام الكبير.. وأصلنا الجامع

وانت اللى نِقبل نصلى وراك فى الجامع

إن تمدحوا الشعر بامدح سيرة الشاعر

وأشهد بإنّه الصبور.. العارف.. الطاهر

(فؤاد) ما قالشى فى يوم.. المُرّ ما لُه مُرّ؟

متبوع.. وليه تابعين.. عمره ما كان تابع

كل القصايد بتتبع فى الأدان صوتك

لا يغير الأمر لا غيابك ولا موتك».

كان فؤاد حدَّاد يؤمن بالتخطيط المسبق للنصِّ، وكانت شغلته اصطياد القوافى، ولعلَّهُ من النادرين بين الشُّعراء الذى كان يمتازُ فى هذا الجانب، وكنتُ أعرفُ أنَّه يسجِّل فى كراسةٍ الكلمات التى يمكن أن تُعينَهُ فى قوافى قصيدته، بل إنه كثيرًا ما كان ينطلق من قافية ما أعجبته ليكتب قصيدة.

قال لى خيرى شلبى (31 من يناير 1938- 9 من سبتمبر 2011 ميلادية): إنه كان يكتبُ الشِّعْر، ولمَّا التقى فؤاد حداد واقترب منه توقَّف عن كتابة الشِّعر، وذهب نحو القصَّة القصيرة والرواية، وكان يراه أشعر الشُّعراء، ويقيس موهبة أى شاعرٍ على مقياس حداد.

كان فؤاد حدَّاد يحتفى ويحتفل بكلِّ شاعرٍ جديد يؤمن به، فقد أهدى قصيدة إلى الشاعر محمد كشيك.

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل