زيارة الرئيس التونسي إلى مصر.. قراءة في الدلالات

زيارة الرئيس التونسي إلى مصر.. قراءة في الدلالات

منذ 3 سنوات

زيارة الرئيس التونسي إلى مصر.. قراءة في الدلالات

زيارة الرئيس التونسي " قيس سعيد " إلى القاهرة وما حظيت به من حفاوة شعبية على مستوى البلدين.\nخلقت تساؤلات كبيرة في فهم الشعوب لتطورات المراحل السياسية وقراءة مآلات التجارب السياسية بين البلدين .\nهنا أسئلة كثيرة عن عقل " السوشيال ميديا " أي الفهم والوعي والمعرفة التي يتحلى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، هل هي فعلا كما يروج لها باعتبارها "فيل " من الأصوات تحمل عقول العصافير؟\nهذه الزيارة بالذات خالفت تلك القاعدة لأن التفاعل والحفاوة والاحتفال بزيارة " قيس سعيد " في هذا التوقيت بالذات، تجعلنا نتأكد أنها نتيجة فهم لمسار تجربتين سياسيتين مختلفتين تماما، هي التجربة المصرية خصوصا بعد ثورة 30 يونيو 2013، والتجربة التونسية بعد تعثر المسار التونسي إبان 2013 الذي تمثل في الصراع بين السلطة الحاكمة وقتها المتمثلة في حزب النهضة وبين حراك التيارات الليبرالية واليسارية نتج عنها اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي .\nطبعا يؤخذ في الاعتبار ما حدث من تغيرات سياسية بعد ثورتي مصر وتونس، حيث وصل الإخوان في مصر إلى سدة رئاسة مصر حين تولي محمد مرسي الحكم في 2012، وقبلها تولى " المنصف المرزوقي حكم تونس .\nوفاز إخوان تونس وإخوان مصر بالانتخابات البرلمانية في البلدين .\nما بعد 2013 حدث نوعان من المعالجات السياسية للتعامل مع تيار الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين في البلدين .\nمصر اتبعت منهج البتر الكلي للتيار وكان لها مبرراتها التي أثبت الزمن صدقها .\n\nوتونس اتبعت مبدأ الاستيعاب والسماح لهم بممارسة السياسة باعتبار أن "إخوان تونس يختلفون عن إخوان مصر"، والتجربة أثبتت خطأ هذا المنهج والدليل الحال الذي وصلت إليه الشقيقة تونس الآن خصوصا بعد وفاة الراحل الباجي قائد السبسي في 2019 ثم تشكيل انتخابات برلمانية ورئاسية جاءت بالرئيس الحالي قيس سعيد .\nقيس سعيد، يعيش ويعيش معه جميع التونسيين حالة انسداد سياسي متمثلة في الصراع بين الرئاسات الثلاثة " رئاسة الجمهورية " قيس سعيد " رئاسة البرلمان " الغنوشي الإخواني، ورئاسة الحكومة هشام المشيشي .\nخلفت هذه الأزمة السياسية التي يحتمي كل طرف فيها بالدستور التونسي كثيرا من أزمات اقتصادية واجتماعية، جعلت البطالة تصل إلى ما يزيد عن 15 % و، ونسبة العجز في الموازنة يصل إلى أكثر من 3%، ونسبة الديون 74 % من إجمالي الدخل\nكل هذا جعل الشارع التونسي مشتعلا بعد حالة فقد الثقة التي تكرست بين الشعب وبين طبقته السياسية .\nأزمة صراع السلطات الثلاثة هي تطبيق فعلي للنظام السياسي الذي أقره الدستور التونسي بعد ثورته في 2011 وهو نظام برلماني تكون صلاحيات الرئيس فيه محدودة، قد تكون قاصرة على السياسة الخارجية والدفاع فقط، فيما ينفرد رئيس الوزراء بكامل الصلاحيات مما جعل منه ندا للرئيس وهكذا رئيس البرلمان.\n ولأن كل رئيس يمثل سلطة من السلطات الثلاثة تمسك بصلاحياته الدستورية، حتى لو كان ذلك على حساب انفراجة المسار السياسي برمته ومصلحة المواطنين .\nهذا سمح أيضا بزيادة فكرة التحالفات السياسية المبنية على المصحة الحزبية وليست المصلحة الشعبية والعامة .\nورأينا ذلك في الأزمة الحالية بين " الرئيس قيس سعيد" ورئيس الحكومة "المشيشي" الذي دخل في تحالفات مع الغنوشي رئيس البرلمان ليضمن بقاءه في السلطة .\nقبلها تابعنا كيف انقلب يوسف الشاهد رئيس الحكومة على الرئيس الباجي قائد السبسي أيضا .\nأضف إلى ذلك الخطأ الذي أثبتت التجربة عمقه في منهج وأسلوب التعامل مع الإخوان المسلمين وهو أسلوب الاستيعاب والسماح بممارسة السياسة واتباع منهج الحوار.\n لعل الذي جعل السياسيين "التوانسة" يعتقدون واهمين صدق هذا المنهج ما حدث في أكتوبر 2015 حين منحت جائزة نوبل للسلام لرباعية الحوار الوطني التونسي وهم " الاتحاد العام للشغل " – الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة – الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان – الهيئة الوطنية للمحامين ".\nوقتها خرج المجتمع الغربي كله ومن قبله أمريكا يحتفلون بالنموذج التونسي وقالت منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حينها " فيردريكا موجريني "، أن الحوار ناجح في حل الأزمات ".\nوتأكد للجميع أن منح جائزة نوبل للسلام لرباعية الحوار التونسي هي مكايدة غربية للنموذج المصري، وهنا نشير إلى زيارة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إلى مصر في أكتوبر 2015 نفس شهر منح جائزة نوبل .\nولماذا لم تستقبل بنفس الحفاوة الشعبية التي استقبلت بها زيارة " الرئيس قيس سعيد " فهم وقتها أن زيارة الراحل الباجي قائد السبسي" هي زيارة تباهي بنجاح النموذج التونسي في التعامل مع تيار الإسلام السياسي عكس النموذج المصري الذي اتبع أسلوب البتر .\nبعد ستة أعوام من الحوار الوطني التونسي ومنح جائزة نوبل للسلام، لم تخرج تونس من نفق مظلم إلا وتدخل في نفق آخر، والسبب هو إخوان تونس ووجود الغنوشي كرئيس سلطة مهمة في البلاد وهي السلطة البرلمانية، فلم يستمر رئيس حكومة لا يريده و ولعل "إلياس الفخفاخ" نموذجا لذلك حين خاضت النهضة المعركة حتى استقال .\n وأزمة المشيشي الحالية وهو الذي أدرك أهمية التحالفات فدخل في توافقات مع النهضة باعتبارها صاحبة المقاعد الأكثر في البرلمان، وشكل هو كرئيس حكومة مع الغنوشي كرئيس برلمان عقبة في مواجهة قيس سعيد رئيس الجمهورية .\nإخوان تونس كادو أن يأخذوا تونس إلى الحضن التركي عبر محاولتهم تمرير الاتفاقية التركية والاتفاقية القطرية لولا وعي النواب والشعب.\nولعل زيارات الغنوشي لأردوغان وزيارة أردوغان لتونس تطرح تساؤلات مقلقة على تلك العلاقة .\nكل هذه المسارات أكدت بعد ستة أعوام من التجربة أن الحوار كمنهج رائع وصحي ولكن ليس مع تيار الإسلام السياسي خصوصا الإخوان .\nوأن أدبيات الإخوان تتجاوز مفهوم الدولة الوطنية وحدودها إلى ما هو إقليمي وتنظيمي .\nلذا جاءت الحفاوة والدلالة من زيارة قيس سعيد إلى مصر وهي زيارة الاعتراف بصحة ونجاح نموذج مصر في مواجهة نموذج تونس .\nوأن منهج البتر السياسي مع الإخوان هو النموذج الأصح لأن وجودهم يتنافى تماما مع وجود الدولة الوطنية .\nالآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة\nجميع الحقوق محفوظة لمؤسسة بوابة العين الاخبارية للاعلام والدراسات ©2020

الخبر من المصدر