المحتوى الرئيسى

الأمير فيليب: قبائل في جزيرة بفانواتو في المحيط الهادي تؤبن «إلهها»

04/13 08:51

شاطر سكان مجتمع قبلي في إحدى جزر المحيط الهادئ، التي تبعد آلاف الكيلومترات عن المملكة المتحدة، البريطانيين حزنهم ونعيهم للأمير فيليب زوج الملك إليزابيث الذي توفي الأسبوع الماضي.

وظلت قريتان في جزيرة تانا التابعة لفانواتو تجّلان على مدى عقود دوق إدنبرة وتعدانه بمثابة رمز روحاني يشبه الإله.

وقد فرضتا فترة حداد رسمية لوفاته.

واجتمعت أعداد من أفراد القبائل التي تسكن القريتين يوم الإثنين لإقامة مراسم تأبين للأمير فيليب.

ويقول الزعيم القبلي، يابا، لوكالة رويترز إن "الروابط بين شعب جزيرة تانا والشعب الإنجليزي قوية جدا... نبعث بتعازينا للعائلة المالكة وللشعب الانجليزي".

وعلى مدار الأسابيع القادمة، سيجتمع أهالي القبيلة بشكل دوري لإقامة شعائر وفق طقوسهم الخاصة للدوق، الذي يعتبرونه "سليلا، أو أحد تجليات، لروح قوية أو إله يعيش في أحد جبال (الجزيرة)"، وفقا لما نقله عالم الأنثروبولوجيا كيرك هافمان، الذي درس القبيلة منذ سبعينيات القرن الماضي.

ومن المرجح أنهم سيؤدون رقصة شعائرية، وينظمون موكب، ويستعرضون تذكارات للأمير فيليب. كما سيشرب الرجال "كافا" وهو شراب احتفالي يصنع من جذور نبات الكافا.

ويقول دان مكغاري، صحفي في فانواتو، إن هذه الشعائر تنتهي بـ "تجمع كبير" كفصل أخير في شعائر الحداد. "وسيكون هناك استعراض للكثير من مظاهر الثروة" في القبيلة، وهي نباتات اليام والكافا.

ويضيف "وهناك الخنازير أيضا لأنها مصدر أساسي للبروتين. وأتوقع ذبح الكثير من الأضاحي من الخنازير ضمن طقوس هذا الحدث",

وحضر المئات للتجمع الذي أقيم يوم الإثنين تحد أشجار التين البنغالي الضخمة.

وألقى البعض خطبا عن الأمير فيليب، بجانب نقاشات عن خليفته المحتمل. ومع غروب الشمس، تناول الحضور شراب الكافا.

وعلمت بي بي سي أن أهالي القبيلة سلموا رسالة خاصة للملكة إليزابيث للصحفيين الحاضرين، والتي سيسلمونها بدورهم للمسؤولين البريطانيين.

ولحوالي نصف قرن، نشطت "حركة الأمير فيليب" في قريتي ياكيل وياوهنانين. وجذبت آلاف التابعين في أوج ازدهارها، وإن كان يعتقد أن عدد أفراد الحركة قد تراجع إلى بضع مئات.

ويعيش سكان القرية حياة بسيطة في غابات تانا، تشبه إلى حد كبير حياة أسلافهم. ويشيع ارتداء الملابس التقليدية حتى الآن، ويندر استخدام الأموال والتكنولوجيا الحديثة، كأجهزة الهاتف النقال، في المجتمع المحلي.

ويقول مكغاري إن أهالي المنطقة يعيشون على بعد عدة كيلومترات من المطار القريب "إلا أنهم اختاروا القطيعة مع العالم الحديث. هي ليست مجرد مسافة على الأرض، بل مسافة ميتافيزيقية. هم يعيشون على بعد ثلاثة آلاف عام".

ووفقا لثقافة وعقيدة السكان المحليين، التي ترجع لمئات السنين، فإنهم يعتبرون تانا هي أصل نشأة العالم، ويهدفون إلى نشر السلام، وهنا يأتي الدور المحوري للأمير فيليب.

ومع الوقت، اعتقد المحليون أن الأمير فيليب واحد منهم، تحقيقا لنبوئة بأن أحد أفراد القبيلة "غادر الجزيرة في صورة روحانية ليجد زوجة قوية خارجها"، على حد قول هافمان.

"وكان يحكم المملكة المتحدة بمساعدة الملكة، ويحاول أن ينشر السلام واحترام التقاليد في إنجلترا وغيرها من دول العالم. وحال نجاحه، يعود إلى جزيرة تانا. لكن السبب الذي منعه من العودة هو - وفقا لرأيهم - حماقة البيض وغيرتهم وجشعهم وصراعاتهم المستمرة".

ويقول مكغاري إن المحليين اعتبروا الأمير فيليب تجسديا لثقافتهم لأن مهمته "كانت حرفيا زراعة بذور عقيدة تانا في قلب الكومنويلث والإمبراطورية".

ويضيف: "هي رحلة بطولية، شخص يرتحل وراء هدف، ويكسب الأميرة والمملكة".

ولا يعرف أحد كيف ومتى بدأت الحركة بالتحديد، لكن ثمة نظريات مختلفة.

وإحدى هذه النظريات، وفقا لهافمان، هي أن المحليين رأوا صورة الأميرة فيليب بجانب الملكة على اللوحات الاستعمارية البريطانية في فانواتو، عندما كانت مستعمرة مشتركة بين بريطانيا وفرنسا تحمل اسم "نيو هيبرايدز".

أما التفسير الآخر، فهو أن الحركة ظهرت "كرد فعل للوجود الاستعماري، ومحاولة لنزع القوة الاستعمارية وإعادة توجيهها عن طريق إلصاقها بأنفسهم، من خلال شخص يجلس بجوار حاكم الكومنويلث ويعتبر يده اليمنى" ، وفقا لمكغاري الذي يلمح إحيانا إلى التاريخ الاستعماري العنيف في فانواتو.

لكن خبراء يؤكدون أن هذه الحركة ترسخت في سبعينيات القرن الماضي، بعد الزيارة الملكية لفانواتو (نيو هيبرايدز آنذاك)، والتي شارك خلالها الأمير فيليب في طقوس شرب الكافا.

لكن ماذا عن رد فعل الأمير فيليب تجاه كل هذا الأمر؟ في العلن، بدا متقبلا لتقديسهم له، واعتاد إرسال العديد من الخطابات والصور لأفراد القبيلة، والذي أغدقوه بالهدايا التقليدية بدورهم على مدار سنوات.

وكانت إحدى أوائل هداياهم له: الهراوة الشعائرية التي تُدعى نال-نال، وذلك في اجتماع عام 1978 عقده أهالي القبيلة لطلب المزيد من المعلومات عن الأمير فيليب، وحضره هافمان.

وحضر المندوب البريطاني للاجتماع، وعرض صورا للأمير فيليب. ويقول هافمان إن "المئات من الناس تجمعوا، جلس بعضهم ووقف آخرون حول الأشجار. والتزم الجميع الصمت حتى أنه كان بإمكاننا سماع رنة سقوط دبوس".

ويضيف: "حينها، أعطى أحد قادة القبيلة الهراوة للمندوب ليسلمها للأمير فيليب، وطلب دليلا على أنه تسلمها".

وأُرسلت الهراوة إلى المملكة المتحدة، والتُقطت صورا للأمير فيليب وهو يحملها، ثم أُرسلت الصور لأهالي القبيلة. وهي من بين التذكارات التي يحتفظ بها أهالي القرية من الأمير فيليب حتى الآن.

وفي عام 2007، التقى عدد من رجال القبيلة بدوق إدنبرة. وكانوا قد سافروا إلى المملكة المتحدة ضمن فيلم وثائقي أنتجته القناة الرابعة البريطانية باسم "التقِ بالسكان الأصليين". وقابل خمسة من أفراد القبيلة الأمير فيليب في لقاء غير مصور في قلعة ويندسور، وقدموا له الهدايا وسألوه عن موعد عودته إلى تانا.

وكانت إجابته، كما ذكرها أحد أفراد القبيلة لاحقا، مشفرة، إذ قال "عندما يصبح الجو دافئا، سأبعث برسالة".

ويقول هافمان إنه على الرغم من الانتقادات التي وجهت للأمير فيليب بسبب صراحته المعهودة بشكل لا يراعي الحساسية الثقافية، "إلا أنه كان شديد الدعم والحساسية" في ما يتعلق بمسألة جزيرة تانا.

واستمرت صلته بالقبيلة عن طريق الأمير تشارلز، الذي زار فانواتو عام 2018 وشرب الكافا كما فعل والده قبل عقود. كما تلقى عصا مشي من أحد رجال قبيلة يواهنانين نيابة عن والده.

هل يستكمل الابن مهمة أبيه؟

وبوفاة دوق إدنبرة، يبرز تساؤل حول من سيخلفه في مجمع الآلهة الخاص بالقبيلة.

وتجري نقاشات بالفعل بين أفراد القبيلة، وقد يحتاج الأمر إلى بعض الوقت لحين الوصول إلى قرار حول الخليفة المحتمل.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل