المحتوى الرئيسى

«شجرة الجهاد».. التنظيم الخاص في الإخوان بين الجد والحفيد (2)

04/12 00:50

زحام التفاصيل وكثرتها يطمس الحقيقة في بعض الأحيان، نتوه في كثرة الأسماء والأحداث والتواريخ، وفي مسألة تاريخ العنف الديني المعاصر، وجماعات الإسلام السياسي، استطاع غالبية التنظيميات الدينية المتطرفة، التملص من المسؤولية، وإيهام الناس أنه لا علاقة لهم بعمليات القتل، أو أن القتل حدث في الماضي، وأن الأحفاد تراجعوا عن فعل الأجداد، غير أن تدقيق النظر في القضايا التي رصدت القتلى من التنظيمات المتطرفة بعد ثورة يونيو 2013، وعلاقاتهم الأسرية، كشفت العديد من الحقائق، وأظهرت العلاقة العائلية، بين من أسسوا لفكر التكفير والقتل، من السلف المتطرف، وبين من لا يزالون على العهد، من الأحفاد.

من تلك القضايا، القضية المقيدة برقم 832 لعام 2016، حصر أمن دولة عليا، والمقيدة برقم 32 لعام 2017، جنايات أمن الدولة العليا، المعروفة بقضية "تنظيم ولاية الصعيد".

ترصد القضية كيف قرّرت أم المثنى، السيدة أمل عبد الفتاح عبده إسماعيل؛ مبايعة تنظيم داعش، لتصبح أول من بايعت داعش من النساء في مصر، بعد أن راودها الأمل أنّه من الممكن تأسيس خلية تابعة للتنظيم في صعيد مصر، تحت مسمّى ولاية الصعيد، غير أنّها لم تكن تعلم أنّ التنظيم الجديد ستقتله الأجهزة الأمنية في مهده، قبل أن يرى النور.

وقد أعادت أم المثنى للأذهان قصة والدها عبد الفتاح عبده إسماعيل، واحد ممن حملوا مسؤولية النظام الخاص في الإخوان، الجناح المسلح للجماعة، وصديق سيد قطب المقرَّب، الذي سعى مع قطب وزينب الغزالي إلى إعادة إحياء تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية من جديد، عام 1965، وأخيه علي عبده إسماعيل، منظر فكر التكفير والهجرة، الذي حمل مسؤولية نشره، تلميذه في السجن، شكري مصطفى، مؤسس جماعة المسلمين، المشهورة إعلاميا بالتكفير والهجرة، غير أنّ عبد الفتاح عبده إسماعيل أعدم بصحبة قطب والزميل الثالث، محمد يوسف هواش، هواش الذي قرّر زوج ابنته، أحمد عبد المجيد عبد السميع، تأسيس دعوة أهل السنّة والجماعة، فور خروجه من السجن، بداية السبعينيات من القرن الماضي، بصحبة الشيخ عبد المجيد الشاذلي، وهي الجماعة التي أثرت بشكل مباشر في الدعوة السلفية الجهادية بمحافظة سيناء المصرية، والتي يعدّ الجهادي أسعد البيك ودعوته امتدادًا لها في سيناء.

إعدام عبد الفتاح إسماعيل لم يمنع ذريته من إكمال مسيرته، بداية بولده نجيب عبد الفتاح إسماعيل، منظّر فكر التوقف والتبين التكفيري، الذي خرج من رحمه تنظيم "الناجون من النار"، بقيادة مجدي الصفتي، وتنظيم "الشوقيون"، بقيادة المهندس شوقي الشيخ، نهاية بأم المثنى، وزوجها أحمد الماحي، وولدهما، حفيد عبد الفتاح إسماعيل، سهيل الماحي، أحد عناصر حركة "حسم"، الذي تمّت تصفيته بمحافظة الإسماعيلية في منتصف يوليو 2017. يموت الحفيد بعد أربعة عقود أو أكثر من إدعاء الإخوان أن النظام الخاص لم يعد له وجود، يموت مقتولا في مواجهة مع الشرطة، منتميا لتنظيم حسم، الجناح المسلح لتنظيم الإخوان حاليا!

تلك الروابط العائلية تشير إلى ما نستطيع أن نطلق عليه شجرة الجهاد، التي ربطت جميع التنظيمات الجهادية ببعضها، منذ تأسيسها الأول، عام 1966، نهاية بقيام تنظيم داعش في العراق والشام، بذرة عائلية رواها سيد قطب، وصديقاه: عبد الفتاح عبده إسماعيل، ومحمد يوسف هواش، ولم يمنع إعدام ثلاثتهم من ظهور البذرة فوق سطح الأرض، وتشعب غصونها عبر عقود حتى أصبحت أكثر ما يرهق العالم اليوم.

من الخطأ اعتبار تلك الغصون التي تغطي المناطق الملتهبة بالعمليات الإرهابية مجرد غصون متفرقة، لا تنتمي للشجرة نفسها؛ بل هي في الأحرى امتداد للأفكار والأشخاص أنفسهم، ممّن حملوا على عاتقهم تطبيق فكرة الدولة الإسلامية، كما يظنّون، والبداية دائمًا ما تكون عند منظّر فكر الجهاد الأول؛ سيد قطب.

بدأت الأفكار الجهادية تجد طريقها بين أعضاء تنظيم الإخوان على خلفية حملة الاعتقالات التي قام بها نظام عبد الناصر في القضية المعروفة بتنظيم 1965، وقد حاول إعادة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين مرة أخرى، غير أنّ فكرة الإحياء التي قتلت في المهد بسجن أعضاء التنظيم، جمعت في سجون الحقبة الناصرية، أصحاب أشدّ النظريات التكفيرية فتكًا في التاريخ المعاصر، مثل: سيد قطب، وعلي عبده إسماعيل، وأخيه عبد الفتاح إسماعيل، ومحمد يوسف هواش، وشكري مصطفى، ليبدأ التلقيح الفكري لعقول من في السجون.

وعند دخول حقبة السبعينيات، وقرار الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، الإفراج عن جميع المعتقلين؛ خرج أصحاب تلك الأفكار إلى النور مرة أخرى، ليبدؤوا في نشر ما تعلموه في السجون، المسألة التي انتهت اليوم إلى ما يعرف بتنظيم داعش.

من تلك الأسماء؛ كان أحمد عبد المجيد عبد السميع، زوج ابنة محمد يوسف هواش، الذي قرّر، بصحبة صديقه في المعتقل، الشيخ عبد المجيد الشاذلي، تأسيس دعوة عرفت باسم "دعوة أهل السنّة والجماعة"، والتي أطلقت عليها الأجهزة الأمنية في مصر اسم "التنظيم القطبي"، الذي اعتمد في كلّ أفكاره على كتابات سيد قطب، وبدأ في تدريسها بين أعضائه بشكل كبير، ثم طارت تلك الأفكار سريعًا إلى سيناء، والتي اعتنقها الشيخ أسعد البيك، منظر دعوة أهل السنّة والجماعة في سيناء، وكان من تلامذته خالد مساعدة، مؤسس تنظيم "التوحيد والجهاد"، الذي أصبح فيما بعد تنظيم "أنصار بيت المقدس"، ثم "ولاية سيناء"، بعد مبايعتهم لتنظيم داعش.

من أشهر الأحداث التي واجهها أعضاء تنظيم 1965 داخل السجون؛ ذلك الجدل الدائر حول فكر التكفير والهجرة، الذي دعا له علي عبده إسماعيل، واعتنقه داخل السجن شكري مصطفى، ورغم رجوع علي عبده إسماعيل عن أفكاره، إلا أنّ ابن أخيه، نجيب عبد الفتاح إسماعيل، قرّر أن يستكمل مسيرة عمّه، بتنظيره لفكر "التوقف والتبين"، الذي تأسس على أعمدته، أخطر تنظيمين جهاديين شهدهما العصر العديث في مصر؛ تنظيم "الناجون من النار" في محافظة الجيزة، وتنظيم "الشوقيون" في محافظة الفيوم.

فكر "التوقف والتبين"؛ هو مدرسة فكرية تنتسب للشيخ عبد المجيد الشاذلي، وهو أحد خواص تلامذة سيد قطب، والذي سجن بصحبته في قضية تنظيم 1965، وتبنّى الفكر أيضًا ابن عبد الفتاح إسماعيل، نجيب، وروج له في المعتقل، ليقتنع بذلك الفكر الطبيب الشاب مجدي الصفتي، الذي تخلى عن انتمائه إلى فكر تنظيم "الجهاد"، وتبنّى فكر "التوقف والتبين"، وسرعان ما كوّن جماعة خاصة به، مزج فيها بين فكر الجهاد في العمل المسلح، وعقيدة جماعات التوقف والتبيّن المنتشرة.

ويقوم فكر التوقف والتبيّن على تكفير المجتمع بعمومه والتوقف عن تكفير الآحاد إلا بعد التبين، فهم يرون كفر عموم المجتمع؛ لأنّهم ساكتون عن كفر الحكام، وهو الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وبالتالي فهم مشاركون لهم في الكفر علموا أم لم يعلموا، رضوا بذلك أم سخطوا؛ لذا فهم يعتقدون أنّ راية المجتمع راية جاهلية، ولكنّهم لا يخلعون وصف الكفر على كلّ فرد فيه، "تورعًا" من أن يكون مسلمًا بالشروط المعروفة لديهم، وبالتالي فهم يتوقفون في أمره حتى يعقدوا له الاختبار الذي يفصل في شأنه.

ومن أبرز من تأثروا بذلك الفكر، المهندس شوقي الشيخ، بعد أن تعرّف في المعتقل إلى نجيب عبد الفتاح عبده إسماعيل، ليقرّر الشيخ فور عودته إلى محافظته الفيوم، أن يؤسس تنظيمه الخاص، وأن ينفصل عن تنظيم "الجماعة الإسلامية"، الذي كان مسيطرًا بقوة على محافظات الصعيد في تلك الفترة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل