المحتوى الرئيسى

«تراث الصعيد»| الفنون الشعبية والصوفية.. احتفال وذكر وعبادة

03/05 07:39

يشتهر صعيد مصر، بما يعرف بالفن الأدبي الشفهي، والذي يحتل مساحة عريضة من حياة أهل محافظات الصعيد، إذ تصاحبهم الأغاني أو الحكايات أو الأمثال من الميلاد إلى الوفاة.

اقرا ايضا|دولة عربية تقيم «مقاهي ثقافية» داخل السجون لتأهيل السجناء بـ«المعرفة»

وفي كتاب «تراث الصعيد»، يؤكد الكاتب في المقدمة، على التنوع الكبير في الفن الأدبي الشفهي بالصعيد، فهناك الشعر وأهمه الغناء التراثي الذي يتناول سيرة الإنسان من أول الميلاد حتى الموت، و"العديد" الذي يصاحب الوفاة، وأغاني الزفاف، وأغاني ألعاب الأطفال، وأغاني العمل، وحنين الحجاج، وغيرها.

ويضيف أن هناك أيضا "السرد الشعري مثل السير والمواويل الشعرية مصوغة في شكل ترابيع لكنها تحكي دراما ما، ومن التراث الشعبي النثري لدينا الحكايات والأمثال والتعاويذ وغيرها".

تبدأ طقوس أي مناسبة في الصعيد بالتحضير لها لأيام، وكل ليلة تشهد طقسا مختلفا، فيبدأ العرس مثلا قبل ليلة الزفاف بأيام، حيث تهل الأفراح بذبح المواشي، ودعوة أهالي القرية للفرح، وقبله تقام مائدة كبيرة يأكل فيها كل الأهالي، الرجال وحدهم والنساء وحدهن، وتقام ليالي النساء بعيدة عن أعين الرجال، يغنين فيها مستخدمات الطبلة وحدها، وتطلق الزغاريد وتأخذ كل امرأة دورها في الرقص.

وتنطلق الأغاني التي تتباهى بالأصل الصعيدي "احنا الصعايدة اللي بيقولو علينا، لو جوزونا صغيرين سدينا.." أو الأغاني التي تنصح العروس برعاية عريسها "إوعيله يابت إوعيله ده الظابط يبقى زميله"، وهناك بعض الأغاني التي تستخدم لغة مكشوفة تتغنى بالشوق بين العروسين، وتعتمد على الإيحاءات وعلى التأويلات للمعاني.

ويروي خلف عبد الباسط، أحد مطربي التراث الصعيدي، في الكتاب، أنه يتابع الإذاعة التي تعيد كل أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش، ويصفها بأنها طقس يومي يصاحبه من الصحو للنوم.

ويتذكر الطقوس التي كانت تصاحب جلسات الغناء التي كان يحضرها في صغره، ويحكي عن مغنٍ قديم بلا أداة موسيقية يدعى الفولي، ويتذكر تجوله بين القرى مستخدما صوته العذب وموهبته الفطرية في تأليف وتحريف المواويل، ومن بعده جاء مغنو الربابة الذين كانوا يركزون على السير الشعبية، وأشهرها سيرة أبو زيد الهلالي.

ويعي خلف بفطرته ذكاء المغني الشعبي الذي يهمه كسب قلوب جمهوره، فيسمعهم ما يريدون سماعه، ويستشهد بقرية بني زيد التي أحبت البطل أبو زيد الهلالي سلامة، فكان يتعمد المغني أن يجعله يربح في معركته ضد حاكم تونس "خليفة"، وفي قرى أخرى موالية لخليفة يهزم فيها المغني أبو زيد في حكايته حتى يسعد المتلقي ويغدق عليه المال.

ويرى مطرب التراث الصعيدي أن شكل الزفاف المتعارف عليه الآن لم يكن موجودا، كان الرجال يصطفون في صف طويل ويهللون "حِّب النبي وصلِ عليه، يا ابن الرومي ياشوجي عليه".

وكان يرأسهم شخص يرددون خلفه ويتمايلون ويرتدون ملابس تشبه ملابس النساء ويمسكون مظلة يدورون بها، ويحيلنا وصف خلف إلى طقوس كاملة للتنورة الصوفية التي أسسها جلال الدين الرومي والتي كانت لها مكانة كبيرة في الصعيد حتى أنها كانت الأساس لغناء الرجال في الزفاف. 

وينتمي خلف لإحدى الطرق الصوفية، ويقول إنه كان يجمع أهل الطريقة كل أسبوع في بيته، ويقيمون "الراتب" وهو مجلس الذكر والحضرة، ويتلون المدائح النبوية مستخدمين الرِّق، وينشدون أشهر القصائد للمتصوفة في حب النبي، مثل البردة للإمام البوصيري، و"إيه العمل يا أحمد يوم طلعة المشهد"، وقصائد ابن الفارض الذي يحتل مكانة عظيمة لدى سائر الطرق الصوفية. 

ويرى خلف أن الاجتماع الصوفي بسيط وغير مكلف، إذ تصنع النساء البسبوسة والشاي، ويتجمع الرجال في المندرة، ويضربون الرق وهم ينشدون.

وذكر الكتاب أنه في مركز أبنوب بأسيوط توجد قرية كوم أبو شيل التي تضم واحدا من أكبر مقامات الطريقة الشاذلية في أسيوط للشيخ "عمران"، حيث كتب على المسجد "مسجد الشيخ سلطان".

وتعود حكاية الشيخ سلطان الذي كان رجلا صالحا وله كرامات، وعند موته وتشييعه توقف موكبه عند هذه البقعة ولم يرد التحرك، فدفن هناك وأصبح مقاما للشيخ سلطان يزوره الناس للتبرك، ودفن الشيخ عمران والشيخ أبو الحسن ابن الشيخ عمران في الجامع نفسه الذي يحتوي على ثلاثة مقامات.

وتقام في المسجد حضرة صوفية، تبدأ بقراءة القرآن ثم تلاوة الذكر في حلقة، وبعدها إنشاد الجمع وقوفا بالتهليل بلفظ الجلالة "الله" بإيقاع بطيء ثم تسريع الإيقاع وتشابك الأيدي والتمايل للأمام وللخلف ثم يتباطأ الإيقاع للدخول إلى الإنشاد.

وتعتمد الحضرة على ترديد كل جملة بإيقاع معين وترديد لفظ الجلالة في نهاية كل مقطع رباعيا، وينتهي الإنشاد بطلب المدد وذكر النبي بنداء الإمام الشاذلي "يا ذخرنا يا شاذولي، الله"، وتنتهي الحضرة كما بدأت بترديد لفظ الجلالة، ثم إطلاق تأوهات قصيرة متسارعة كدليل على المعاناة في الحب والخلاص الروحي.

ويروي عثمان يوسف فضيل مدرس اللغة العربية المنتمي للطريقة الشاذلية، في الكتاب، سيرة الشيخ عمران أحمد عمران المولود في قرية المطيعة بأسيوط، قبل أن ينتقل لقرية كوم أبوشيل في حدود عام 1922 ودرس بالأزهر وكان مالكي المذهب، ثم تحول للصوفية، وكون جماعة من بلده تتبع الطريقة الشاذلية، قبل أن تتزايد شعبيته وتمتد من الإسكندرية إلى أسوان، ويأتي المريدون لزيارة ضريحه كل عام في ذكرى مولده.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل