المحتوى الرئيسى

باحث باكستاني: «الصوفية» جسر يربط بين الإسلام والعقائد التي كانت سائدة قبل ظهوره (2ــ 2)

03/05 01:10

يواصل الباحث الباكستاني دليب هيرو٬ في كتابه "الأصولية الإسلامية في العصر الحديث"٬ رصد دور الصوفيين في دعوات تجديد الخطاب الديني موضحا أن حسن البصري كان أول شخصية صوفية عرفت في التصوف الاسلامي والذي إتخذ طريق الزهد والتقشف البسيط٬ وفي ذلك الوقت ظهر نوعان من الصوفيين: المتقشفون والمتأملون وأعلن الصوفي المتقشف الحسين بن منصور الحلاج "أنا الحق أنا الله فتم تنفيذ الإعدام فيه علي أساس أنه كافر ومتمرد علي التعاليم الاسلامية".

وكان أبوحامد محمد الغزالي هو أشهر المتصوفين المتأملين٬ وكانت أول طريقة صوفية هي القادرية وقد أسسها عبد القادر الجيلاني٬ وإنتشرت طريقته فيما بعد إلي مسافات بعيدة حتي أنها وصلت إلي غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا٬ وفي غياب أي منظمة إجتماعية خارج نطاق الأسرة الموسعة نجد أن الطرق الصوفية قد قدمت البرنامج الإجتماعي إذ كانت الطريقة الصوفية تتكون من المريدين أو الدراويش الذين يحلفون اليمين بالولاء والإخلاص للشيخ الخاص بهم وشيخ الطريقة يكون مرتبطا بسلسة من البركات الموروثة أو القرابة من الشيخ المؤسس للطريقة الصوفية وتلك السلسلة ترجع إلي أوائل الصوفيين المؤسسين مثل حسن البصري ومن خلالهم ترجع إلي بيت النبي أو النبي محمد نفسه.

ونظرا لأن الطرق الصوفية عادة ما كانت تخلو من التأثيرات الطائفية فأنها أصبحت تتلق وتستقبل الطاقة الذهنية والثقافية التي كانت تستهلك من قبل في النزاع السني الشيعي وهذا بدوره أعطي نوعا من التنشيط للصوفية٬ ومنذ منتصف القرن الـ 12 فصاعدا أصبحت الصوفية منتشرة في كل مكان حتي أنها صارت مندمجة داخل التيار الرئيسي للإسلام بحيث يتعذر تمييزها عن ذلك التيار إذ توقف الصوفيون عن الإبتعادعن السياسة وأنهمكوا في الحملات السياسية والعسكرية مثال ذلك أن الدراويش الصوفيون شاركوا في عام 1453 في الاستيلاء الناجح علي القسطنطينية كما قامت الطريقة الصفوية الصوفية المتمركزة في أردبيل بالاستيلاء علي تبريزعام 1051 ووضعوا الأسس لأسرة الصفوية الملكية في إيران.

ويشير "هيرو" إلي أنه كان هناك دائما توتر بين الفقهاء المدركون للدور الذي يقومون به من حيث هم "فقط" المرشدون الروحيون الوحيدون المؤهلون لذلك ومشايخ الطرق الصوفية الذين يعتمدون علي نداءات تهبط عليهم من الله أو من الرسول من خلال حلم أو رؤية وتدعوهم إلي الإضطلاع بمهمة القيادة الروحية بدون أن يكونوا بحاجة لتلك الدراسات العميقة الشاقة للكتب المقدسة التي يقوم بها الفقهاء.

وتابع: كان للقوي العجيبة الموروثة التي تمتع بها مشايخ الصوفية بليغ الأثر في الأعتقاد بقدسيتهم التي تظل متواجدة عقب وفاتهم عند القبور الخاصة بهم التي تحولت إلي أضرحة تمارس عندها طقوس تقديس المشايخ مما كان يسبب القلق والهم لدي الفقهاء وعدوها هرطقة وبدعة في الاسلام إلا أنها لاقت تأييدا كبيرا من جانب الناس الجدد الذين أعتنقوا الاسلام والذين ينتمون لمجتمعات متعمقة في مثل تلك التقاليد وهكذا نري أن الصوفية أصبحت بمثابة جسر يربط بين الاسلام والعقائد التي كانت سائدة قبل ظهور الاسلام مما ساعد علي دخول الكثيرين من الناس الجدد في الإسلام٬ هذا بالاضافة إلي أن الفقهاء التقليديين كانوا يعجزون عن أن يقدموا للشخص المؤمن نموذجا للسلوك الاجتماعي أما مشايخ الصوفية فكانوا يلائمون الأحكام الشرعية بالعادات والتقاليد المحلية في حين كانت الطقوس الإسلامية صارمة.

وشدد هيرو علي أنه بوجه عام نجد أن الطرق الصوفية قدمت إطارا تمارس فيه طقوس دينية غنية بالألوان ونابضة بالحياة مليئة بالغبطة والنشوة الدينية التي تلائم معتنقين الإسلام الجدد٬ فالطريقة الرفاعية الصوفية التي نشأت في بغداد هي نموذج يعبر عن ذلك تماما فأتباع هذة الطريقة كانوا يدخلون في نوبات يقومون خلالها بركوب حيوانات خطيرة أو يمشون داخل النار ويهاجمون الثعابين السامة لكي يظهروا مدي سيادة الروح علي المادة.

ومع اتصال الإسلام بالحضارات المتقدمة مثل الهندوسية والبوذية قامت الطرق الصوفية مثل النقشبندية والقادرية بهمزة الوصل بين الهندوسية التي تنادي بتعدد الآلهة والإسلام الذي ينادي بالتوحيد من أجل أن يكسب المزيد من المعتنقين الجدد ونظرا لأن النقشبندية ازدهرت في طاجيكستان فقد شقت طريقها عبر التتار المعتنقين للدين الاسلامي وقد أقرت الطرق الصوفية وأيدت نظرية" وحدة الوجود" التي أعلنها بوضوح محيي الدين بن عربي.

فوفقا لما أورده بن عربي لا توجد هناك ثنائية بين الله والكون الخاص به ولقد قام مشايخ الصوفية بالهند في التوسع في نظرية بن عربي حيث ذهبوا في تقديراتهم إلي أنه مادام الله هو الحقيقة الوحيدة فإن كافة الأشياء المادية ليست سوي مظاهر وهذه فكرة تشبه كثيرا المفهوم الذهني الهندوسي وعلي ذلك النحو قام مشايخ الصوفية بتشييد كوبري ثيولوجي ديني أتاح الفرصة أمام الهندوس الساخطين المتمردين من العبور عليه إلي الإسلام وتوليف بعض الممارسات السابقة علي الإسلام مع الممارسات الإسلامية.

كما وصلت عملية التوليف هذه إلي أوجها في عهد جلال الدين محمد الأكبر الذي قدم الرعاية والتشجيع لمشايخ الصوفية وكان وثيق الصلة مع الطريقة الشستية التي أشتهرت بسعة أفقها ووجهة نظرها العالمية٬ وقد بذل محمد الأكبر محاولات للتغلب علي الفوارق بين الهندوسية والإسلام وذلك من خلال تطبيق المساواة التامة بين رعاياه من الهندوس والمسلمين وهو أمر يتعارض مع الشريعة الإسلامية بل لم يسبق أن قام حكام مسلمون من قبل بتطبيق مثل هذة المساواة التامة وتغلب علي هذه المشكلة بأن قال عن نفسه: "أنه رئيس المجتهدين في الإسلام أو أعظم الممارسين للإجتهاد في الاسلام".

وبذلك يكون هو الذي ألغي ذلك الحظر الذي فرضه الفقهاء منذ القرن العاشر فقام بتغيير فقرات من الشريعة التي وردت بها تفرقة ضد الرعايا من غير المسلمين ثم قام بإلغاء ضريبة الرؤوس "ضريبة تفرض علي كل شخص من البالغين ممن لم يدخل الاسلام" وأعلن أن النساء الهندوسيات لسن في حاجة إلي إعتناق الاسلام عندما يتزوجن من المسلمين.

نظرت دوائر الفقهاء إلي إجتهاد محمد الأكبر علي أنها بدعة وخروج عن الخط الإسلامي القويم وكان من المحتم أن ينجم عن ذلك ردود فعل أصولية وحدثت بالفعل قادها شيخ نقشبندي يسمي"الخواجة أبو المؤيد راضي الدين باقي بالله" وتلميذه الشيخ "أحمد سير هندي" وألقي باللوم علي نظرية وحدة الوجود التي نادي بها محيي الدين بن عربي مكررا نفس موقف النقشبندية القائلة بأن السبيل الوحيد لإدراك الله يكون من خلال الشريعة وهو نفس الكلام الذي سبق وقاله من قبل أبو حامد الغزالي من خلال النظرية التي نادي بها وهي وحدة الشهود.وقصاري القول أن السير هندي يري أن الشريعة لها اليد العليا سواء في الممارسات والتجارب الصوفية الجوانية للمؤمن أو في ممارساته وتجاربه الخارجية وهذا الرأي قد منع تواجد أي فرصة للمصالحة بين الإسلام والهندوسية.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل