المحتوى الرئيسى

لا ينبغي الاستهتار بغضب الدب الروسي!

02/25 11:56

في كلمته أمام مؤتمر ميونخ للأمن، اتهم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، روسيا بمحاولة إضعاف الاتحاد الأوروبي، وأكد دعم بلاده "لوحدة أراضي أوكرانيا".

وتابع بايدن أن السلطات الروسية بقيادة بوتين تسعى إلى "إضعاف التحالف الأوروبي والناتو"، وتسعى الى "تقويض الوحدة الأطلسية"، مضيفا "ولهذا السبب، لا يزال الدفاع عن سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها أمرا له أهمية حيوية بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية".

إن روسيا عادة ما تتحلى بصبر لا حدود له، وتلتزم بسياسة ضبط النفس، في محاولات دؤوبة مضنية لتجاوز الأطراف الحادة للعلاقة مع الغرب، وذلك على الرغم من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي التدخل في شؤونها الداخلية على نحو سافر، سواء من خلال تنسيق ودعم الثورات الملونة على الحدود الروسية، أو من خلال مشاريع زعزعة الاستقرار في الداخل الروسي، أو من خلال العقوبات الاقتصادية المستمرة منذ 2014، عقب الانقلاب في أوكرانيا، وتوحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا.

الآن تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية منع إتمام وتشغيل خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2"، الذي تعتبره "صفقة سيئة"، في الوقت الذي عقدت فيه اجتماعا مع ألمانيا، 16 شباط /فبراير الجاري، لمناقشة هذا الشأن، دون الكشف عن نتائج هذا الاجتماع.

وتضغط الولايات المتحدة الأمريكية على أوروبا لوقف "السيل الشمالي-2" لأسباب ثلاثة:

الأول، لأن المشروع يضر بمصالح أوكرانيا، التي تعتمد على مداخيل ترانزيت الغاز الروسي الذي يمرّ عبر أراضيها إلى أوروبا. بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد لروسيا أن تدفع لأوكرانيا فواتير المشاريع الجيوسياسية الأمريكية المناهضة لروسيا هناك!

الثاني، أن ذلك سيضع أوروبا، من وجهة نظر أمريكا وبعض الدول الأوروبية، تحت رحمة الغاز الروسي مباشرة، وما يمكن أن يمثله ذلك من تأثير على المشهد الجيوسياسي في القارة لصالح الروس وفقاً لهؤلاء.

الثالث، وربما السبب الرئيسي، أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تريد توريد غازها المسال إلى أوروبا، ولا تحتاج إلى منافس قوي مثل روسيا في هذه السوق. هناك إذن أموال ضخمة على المحك، ولا يبدو أن واشنطن تريدها منافسة تجارية عادلة.

وبالفعل، دفعت العقوبات الأمريكية على الشركات المشاركة في "السيل الشمالي-2" إلى انسحاب 18 شركة من المشروع، وأصبح المشروع، الذي أشرف على الانتهاء (تم الانتهاء من 95.1% من المشروع، وتبقّى ما مجموعه 140.9 كيلومتر من الأنابيب)، مهددا بالتوقف، إذا لم يجرؤ الاتحاد الأوروبي على الدفاع عن سيادته على أراضيه، ومصالحه الاقتصادية، في مواجهة الإرادة الأمريكية التي تضع مصالحها فوق الجميع.

لكن الاتحاد الأوروبي نفسه يواجه انقساما داخليا بشأن "السيل الشمالي-2"، فدول مثل أوكرانيا وليتوانيا وبولندا تقف ضد المشروع، بينما تقف ألمانيا والنمسا والنرويج مع إنجازه.

في نفس السياق، تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تهديد روسيا بمزيد من العقوبات، التي لم يعد لها حصر.

ووفقا لتقرير صادر عن المجلس الروسي للشؤون الدولية، كان هناك في العام الماضي وحده زهاء 90 عقوبة فرضت على روسيا، من بينها 47 من الولايات المتحدة الأمريكية، و22 من الاتحاد الأوروبي، والباقي من دول أخرى.

إن العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي تواجه منعطفا تاريخيا، على أوروبا أن تختار فيه ما إذا كانت حقا تريد التعاون مع روسيا، أم أنها تريد المواجهة، على الرغم من الضغوط الخارجية الصعبة، إلا أن الخيار في نهاية المطاف يعتمد على أوروبا، وعليها وحدها، وتحديدا على ما إذا كان السياسيون الأوروبيون قادرين على إظهار الحكمة والاستقلال، وفهم وإدراك ما هو واضح للعيان.

فروسيا، وفقا لمعطيات التاريخ والجغرافيا، ولدواعي الأمن القومي والإقليمي والدولي لن تتخلى، تحت أي ظرف من الظروف، عن شبه جزيرة القرم، وهذا قرار نهائي غير قابل للمراجعة ، حتى من أجل مشروع بحجم "السيل الشمالي-2"، وهو ما أعلنه بكل وضوح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي قال حرفيا: "إن قضية القرم قد حلت بشكل نهائي، ولن تكون هناك قرارات أخرى".

لذلك فلا يوجد خيار آخر، سوى التعاطي مع هذه المسألة من منطلق الأمر الواقع، استناداً لأبسط قواعد المنطق، فلا يعقل أن تجبر أي عقوبات روسيا على التخلي عن مصالحها الوطنية، وأمنها القومي، والسماح بوجود قواعد عسكرية أجنبية في القرم وسيفاستوبول.

كذلك فمن غير المقبول تصعيد التوتر على الحدود الروسية، من خلال نشر قواعد عسكرية للناتو في الدول الأوروبية المجاورة، بدعوى "الخوف من العدوان الروسي"، ذلك أن روسيا، أولا، لا تعتزم مهاجمة أحد، وليس من عادتها المبادرة بالهجوم، وثانيا، لأن روسيا لديها ما يكفي من الأسلحة المتطورة، التي لن تقف أمامها أي قواعد للناتو على الحدود الروسية. لهذا يبدو ذلك إهداراً للوقت والمجهود والموارد.

علاوة على ذلك تواجه روسيا حربا هجينة شعواء، على كافة المستويات الاقتصادية والعلمية، تصل إلى التشكيك في إنجازاتها في مجال الطب الوبائي، وتطوير اللقاحات على غرار ما حدث بصدد لقاح "سبوتنيك-V"، أول لقاح مسجل في العالم ضد فيروس كورونا، الذي ينتجه مركز "غماليا" الروسي، وما تعرض له اللقاح من هجوم واسع في وسائل الإعلام الغربية، في الوقت الذي تحتاج فيه البشرية لكل مجهود لمواجهة الجائحة الخطيرة، التي حصدت حتى اليوم أرواح 2 مليون و480 ألف إنسان حول العالم، بينما بلغ عدد المصابين 111 مليون و763 ألفا.

لقد بلغ بحملة التشكيك أن أطلقت بعض وسائل الإعلام الغربية على اللقاح اسم "لقاح بوتين"، واتهموا الكرملين بالوقوف وراء اللقاح كنوع من الدعاية للنظام السياسي، بعيدا عن أمنه وفعاليته. اليوم تظهر الحقيقة، وبعد أن نشرت مجلة "لانسيت" العلمية المرموقة نتائج المرحلة الثالثة من اللقاح، بدأت الأوساط العلمية والسياسية تثني عليه، بعد موجهة عاتية من السخرية والتهكّم والانتقاد بلا أساس علمي.

بل ونشر الصحفي الأمريكي، ماثيو تشانس، من "سي إن إن"، تقريرا عن مصنع لإنتاج اللقاح، وصرح بعد تلقي اللقاح ، بأنه "لم يعد من فئة المعرضين للمرض"، وإلى جانبه بدأ الدبلوماسيون الأجانب تلقي اللقاح، بعدما قامت الخارجية الروسية بتوفير فرصة التطعيم لجميع الدبلوماسيين الأجانب المقيمين على الأراضي الروسية.

في هذا السياق، صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اجتماعه مع جهاز الأمن الفدرالي الروسي، بأن هناك "حملة إعلامية تستهدف روسيا باتهامات لا أساس لها بشأن عدد من القضايا، ويتم استخدام جميع أنواع نظريات المؤامرة للتشكيك في إنجازاتنا الطبية، ومكافحة فيروس كورونا".

إن روسيا منفتحة دائما على العالم، ومستعدة للتعاون والشراكة على أساس متين من النديّة والالتزام بقواعد القانون الدولي، ومبادئ الاحترام المتبادل. ولا تريد روسيا الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لكنها مستعدة للانفصال عنه إذا ما كانت المبادرة من جانب الاتحاد نفسه، وعجز عن مواجهة الضغوط الأمريكية.

لكن ما يدهش حقا: أليس لدى الأوروبيين ما يكفي من المعلومات الاستخبارية الدقيقة لفهم ما يخاطرون به، عندما يتعمدون الحاق الضرر بالمصالح الروسية، و يطالبون الجانب الروسي بمطالب سخيفة غير قابلة للتحقيق، ويدعمون الدعاية المناهضة لروسيا، والعقوبات عليها ؟!

إن ذلك لا يؤثر على روسيا وأوروبا فحسب، وإنما تطال آثاره التنمية الاقتصادية العالمية، بل إن تصرفات عدد من السياسيين الأوروبيين تتعارض بشكل عام مع مصالح الشعوب الأوروبية نفسها، ورغبتهم في العيش بهدوء وسلام وازدهار، جنباً إلى جنب مع جيرانهم الروس.

لقد قامت أوكرانيا مؤخرا بإغلاق ثلاث قنوات تلفزيونية باللغة الروسية دفعة واحدة، لاتهامات باطلة بـ "تمويلها من روسيا"، وبأنها تمارس "دعاية روسية"، كذلك أعلن بيان لمجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني، فرض العقوبات على 19 كياناً، و8 أشخاص من بينهم النائب في البرلمان وزعيم حزب "المنصة المعارضة من أجل الحياة"، فيكتور مدفيدشوك، وزوجته، و5 مواطنين روس، بالإضافة إلى خمس طائرات، قالت السلطات الأوكرانية إنها نفذت رحلات إلى روسيا. يتم ذلك على خلفية انتهاكات متكررة ومستمرة لاتفاقيات مينسك التي أوقفت الحرب في الدونباس.

إنه من المؤسف حقا أن نرى كيف يبتعد هذا البلد، حيث يعيش كثير من الروس، والذي كانت تستخدم فيه اللغة الروسية على نطاق واسع، عن روسيا. وبعد قرون من التاريخ المشترك، يمحى ذلك التاريخ تحت وطأة السلاح الأمريكي، وقواعد الناتو، وتعزيز الوجود الأمريكي، وأوصاف تتردد في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في أوكرانيا عن "العدو" و"المحتل" الروسي.

ثم توصف روسيا بعد كل هذا من وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مطلع هذا الشهر بأنها "لم ترق إلى مستوى التوقعات"، "ولم تصبح ديمقراطية حديثة". بل وتطالب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، منذ أيام، بـ "الإفراج الفوري" عن معارض روسي، ينفذ عقوبة بالسجن بتهمة الاختلاس.

لقد كان الظرف التاريخي الذي عقدت فيه اتفاقية روسيا وحلف الناتو عام 1997 ظرفاً استثنائياً، كانت روسيا تخوض فيه عملية التخلص من الصراع الأيديولوجي، وتسعى نحو الحد من التسلح النووي، وإغلاق ملف الحرب الباردة بالكامل، بهدف خلق عالم جديد متعدد الأقطاب. إلا أنه قد تم استغلال النوايا الحسنة، واعتبر ذلك بمثابة إشارة البدء لمرحلة جديدة لأنشطة أجهزة الاستخبارات الغربية للسيطرة على روسيا والتحكم في مقدراتها، وإخضاعها لخدمة مصالح الغرب في السيطرة على العالم.

أخذ الناتو على عاتقه منذ ذلك الحين، ومن جانب واحد، تحولات ومسؤوليات تاريخية فيما يخص الأمن في القارة الأوروبية، بكل ما تعنيه الكلمة من حرية الحركة والتمدد، وضم أراضٍ ونصب قواعد عسكرية جديدة، والضغط على روسيا من أجل سجنها في محيطها الأوراسي بعيداً عن أي تأثير في أوروبا أو العالم. وعلى الرغم من التزامات حلف الناتو بعد الحرب العالمية الثانية بعدم التمدد شرقاً، فإن عدد الدول المنضمة إلى التحالف قد قفز من 12 دولة عام 1949، إلى 30 دولة اليوم، بينما تقف كل من جورجيا وأوكرانيا والبوسنة والهرسك على أبواب التحالف في انتظار الدخول. أما الاتحاد الأوروبي فقد بدأ في الخمسينيات من القرن الماضي بست دول، ليضمّ اليوم 27 دولة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل