المحتوى الرئيسى

أحلاف آسيوية جديدة.. ابحثوا عن الصين والهند وباكستان!

01/18 09:38

نشر موقع 180 مقالا للكاتب أمين قمورية يركز فيه على الملعب الآسيوى وتدهور العلاقات بين السعودية وباكستان.. نعرض منه ما يلى.

يتغيّر العالم بسرعة. لم يعد المحيط الأطلسى هو القلب والمركز. المحيطان الباسيفيكى والهندى صارا نقطة الجذب. لم يعد التنافس الاقتصادى الأمريكي ــ الصينى هو العنوان، بل صارت آسيا ككل. والسؤال المطروح بإلحاح: هل يمكن للقارة الأكبر أن تقود العالم؟

مع كل خطوة على طريق الصعود، يشتد التنافس والتناحر أو التلاقى والتجمع. الملعب الآسيوى رحب جدا واللاعبون فيه كثر وطامحون. كلهم يبحث عن أدوار وحلفاء أو أصدقاء أو شركاء: الصين، اليابان، الهند، باكستان، إيران، تركيا، السعودية، وطبعا روسيا التائهة بين نصفها الأوروبى ونصفها الآخر الآسيوى، بين استعادة مجد سابق وقدرة اقتصادية محدودة. لعبة المصالح صعبة، والحسابات معقدة، والجغرافيا فيها قد تتفوق على السياسة والتاريخ والأيديولوجيا والمعتقدات.

فى ذروة احتدام المشهد العالمى، ثمة انقلابات تحدث على المستوى الإقليمى. الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا فى قلب الحدث. وكلما باعدت المصالح والسياسات بين السعودية وبين باكستان خطوة، كلما اقتربت إسلام أباد خطوتين من طهران. وكلما اقتربت باكستان من إيران خطوة، كلما ذهبت الرياض أبعد فى اتجاه نيودلهى الغريمة اللدودة لإسلام أباد. وسط هذه التبدلات، لا بد من البحث عن ارتدادات التنافس الصينى الأمريكى والصراع الإيرانى الأمريكى والتناحر الهندى الباكستانى وبطبيعة الحال العداء السعودى الإيرانى فى هذه المنطقة الحساسة من العالم.

قبل أيام نشر الزميل مصطفى شلش على موقع 180 تقريرا عن افتتاح معبر حدودى جديد بين إيران وباكستان. يقع المعبر البرى (ريمدان – جوادر) الجديد فى موقع استراتيجى بمقاطعة سيستان بلوشستان جنوب شرق إيران، المتاخمة لمقاطعة بلوشستان الباكستانية، ما يجعل الطريق الواصل بين البلدين الآن، أقصر طريق برى يربط ميناء جوادر بإيران. وهكذا سيتم ربط الأجزاء الجنوبية من إيران وباكستان للمرة الأولى منذ ما يقارب الـ70 عاما.

هذا التطور من شأنه أيضا أن يسهّل انضمام إيران إلى مشروع الممر الاقتصادى الصيني ــ الباكستانى الذى يعد من أضخم المشاريع فى قارة آسيا، وتاليا إحداث نوع من التوازن فى اقتصاد إيران المتعثّر بحكم العقوبات الأمريكية بالدرجة الأولى، علما أن إسلام أباد لم تبد فى السابق حماستها لمشروع كهذا رغبة منها فى عدم إزعاج حليفيها التقليديين الرياض وواشنطن. السؤال المطروح حاليا، هل أن الانفتاح الباكستانى على إيران هو تعبير عن انزعاج مستجد من السعودية؟

لطالما كانت العلاقات السعودية الباكستانية ممتازة فى العقود الأخيرة. والأهم من ذلك، أن الرياض استثمرت كثيرا فى البرنامج النووى الباكستانى، وكانت تعتبر أن السلاح النووى الباكستانى يشكل مظلة حماية فعلية فى مواجهة التهديدات الخارجية ولا سيما الإيرانية منها. كما تتمركز قوات باكستانية بشكل روتينى فى السعودية لحراسة العائلة المالكة فى الرياض وتدريب القوات السعودية.

بدأ التوتر فى العلاقة بين إسلام أباد والرياض يظهر إلى العلن فى ديسمبر 2019 عندما أرادت باكستان المشاركة فى المؤتمر الافتتاحى لمنظمة تعاون إسلامية جديدة استضافتها بشكل مشترك ماليزيا وتركيا وقطر فى كوالالمبور. وقتذاك، اعتبرت الرياض هذه المنظمة محاولة لإنشاء تجمع منافس لمنظمة التعاون الإسلامى، التى تتخذ جدة مقرا لها. فى النهاية، استسلمت إسلام أباد لضغط الرياض بالتراجع فى اللحظة الأخيرة. فى الوقت نفسه، ظلّت باكستان غير راضية عن دور منظمة المؤتمر الإسلامى لإحجامها عن تسليط الضوء على قضية كشمير بشكل كافٍ فى مؤتمراتها. وفى المقابل، اعتبرت الرياض تحوّل إسلام أباد إلى المحور القطرى التركى الماليزى الإيرانى، استهدافا مباشرا لها.

قبل ذلك بسنوات، رفضت إسلام أباد فى 2015 إرسال قوات للمشاركة فى حرب السعودية فى اليمن، وكان ذلك فى عهد نواز شريف، الذى تُعتبر علاقته بالرياض أقوى من علاقة رئيس الوزراء الحالى عمران خان. فى صيف العام 2017، التزمت باكستان الحياد فى مواجهة أزمة حصار قطر. كذلك، حافظت على موقفها الحيادى من برنامج إيران النووى، وأبقت قنواتها مفتوحة مع طهران، وصوّتت مرات عدة ضد مشاريع قرارات سعودية فى الأمم المتحدة تدين إيران. فى الوقت نفسه، رفضت باكستان تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وجاءت الضربة الأكبر للعلاقة بين الرياض وإسلام أباد، عندما اقتطعت السعودية «جيلجيت بالتستان» و«كشمير» من ضمن الحدود الباكستانية الموضحة فى خريطة العالم، على ظهر ورقة نقدية أصدرتها الرياض احتفالا برئاستها قمة «مجموعة العشرين» فى نوفمبر 2020. قبل ذلك، هدّد وزير الخارجية الباكستانى شاه محمود قريشى السعودية بأنها إذا لم تثر قضية كشمير فى منظمة التعاون الإسلامى، فإن باكستان ستنضم إلى كتلة أخرى، فى إشارة إلى الكتلة التى تقودها الصين، والتى تحتل فيها إيران مكانة بارزة.

لم تتقبل الرياض هذا الموقف «غير الدبلوماسى» للوزير قريشى، فطالبت إسلام أباد بسداد مبلغ مليار دولار قدمته لها المملكة لدعم احتياطها من النقد الأجنبى. وفى محاولة للجم التدهور، زار رئيس الأركان الباكستانى قمر جاويد باجوا الرياض. لكن ولى العهد الأمير محمد بن سلمان رفض الاستماع إلى ممثل رئيس الدولة الإسلامية الوحيدة التى تمتلك سلاحا نوويا. فاعتبرت هذه إهانة لقائد الجيش الباكستانى.. علما أن الصين أقرضت إسلام أباد المليار حتى تسدده للسعودية!

وزاد الأمر سوءا، قرار الرياض بتوطيد علاقتها مع «العدو» الأول لباكستان، أى الهند. استقبل السعوديون بحفاوة رئيس أركان الجيش الهندى فى زيارة هى الأولى من نوعها للرياض بهدف تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين. قبل ذلك، كان محمد بن سلمان قد زار نيودلهى فى فبراير 2019، وتعهد بتقديم استثمارات سعودية كبيرة فى قطاعات عدة بالهند، كما تم الإعلان عن اتفاق نفطى بين البلدين قيمته 15 مليار دولار فى أغسطس 2020، أى بعد أيام فقط من إعلان الهند إلغاءها استقلال كشمير.

ومقابل تردى العلاقات السعودية ــ الباكستانية، كانت العلاقات بين السعودية والهند تشهد نموا سريعا، لا سيما فى ظل وجود 2.7 مليون هندى يعملون ويعيشون فى السعودية وفى ظل حجم تجارة متبادلة بلغ حجمها 27.5 مليار دولار، فى العام 2018، حيث تعد السعودية رابع أكبر شريك تجارى للهند. وفى المقابل، جرى ترحيل عمالة باكستانية فى العامين الماضيين من المملكة التى تستضيف قرابة مليونى باكستانى، تقدر تحويلاتهم من العملات الأجنبية بنحو 4.5 مليار دولار سنويا.

لا شك فى أن إمكانات الصين أكبر وأقدر على توفير الدعم والإسناد لا سيما أنها تتشارك وإسلام أباد فى نظرة عدائية واحدة إزاء نيودلهى المنافس الأبرز لبكين فى آسيا. كما أن الصين تتمتع بحق «الفيتو» فى مجلس الأمن، وتاليا ستقف إلى جانب باكستان دبلوماسيا أكثر مما تستطيع السعودية فى شأن قضية كشمير التى صارت بالنسبة إلى الباكستانيين قدسهم الشريف وقدس أقداسهم.

ثمة ابتعاد سعودى واضح، لكأن المملكة احتاجت إلى باكستان من أجل مصالح أمنية. عندما لم تتحقق الغايات السعودية، قررت الرياض الابتعاد تدريجيا عن إسلام أباد. وبالمثل، احتاجت باكستان إلى المملكة لأغراض سياسية ومالية. لكن عندما وجدت فى بكين ما لم تجده فى الرياض ابتعدت عن السعودية خطوة ثم خطوتين وربما أكثر.

لا يقتصر الأمر فقط على لغة المصالح. تبعا لموازين النظام العالمى، تقع باكستان فى المدى الحيوى للنفوذ الصينى، بينما لا تستطيع المملكة أن تحيد قيد أنملة عن تموضعها فى صلب النفوذ الأمريكى. فضلا عن ذلك، ترتبط إيران بتحالف مع الصين، وتبعا لذلك فإن اقتراب إسلام أباد وطهران من بعضهما البعض، يعزّز تقاربهما مع بكين.

صحيح أن العلاقات الباكستانية الإيرانية مرّت بفترات حرجة، لكن الجغرافيا تحتم أحيانا ما لا ترضاه السياسة أو الأيديولوجيا. لباكستان خصم جبّار على حدودها الشرقية والشمالية الغربية. إنها الهند. لذلك، لا يمكنها تحمل خصم آخر على حدودها الغربية المقابلة، أى إيران. كما أن المشاكل الحدودية مشتركة بين الدولتين الجارتين. باكستان تعانى فى بلوشستان وإيران تواجه مشكلة أمنية فى سيستان بلوشستان. يحتاج كلا البلدين إلى توحيد جهودهما فى مواجهة التهديد العرقى للبلوش. كذلك فإن الاستقرار فى أفغانستان ونفوذ طالبان واتساع دائرة النشاط المستجد لتنظيم «داعش» يحتّم على الدولتين الحفاظ على التعاون الأمنى المشترك. إضافة إلى ذلك، فإن الشيعة يشكّلون مكونا رئيسيا من المكونات الباكستانية، وتاليا فإن التقارب مع إيران يساعد فى ترسيخ الاستقرار الباكستانى، أى أنه يشكل حاجة باكستانية داخلية قبل أى شيء آخر.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل