المحتوى الرئيسى

أحمد سلام يكتب ( مصر والصين نموذجاً) : قرى رائدة في التخلص من الفقر

12/02 10:02

تبنى فكرة «القرية المنتجة» من خلال برامج مدروسة بعناية فائقة وخبرة كافية يمكن أن يؤتى ثماره، خاصة أن مقومات القرية المنتجة متوفرة فى مصر وتحتاج إلى من يستكشفها ويُحسن تنظيمها وإدارتها.

التخلص من الفقر يُعد أحد الأهداف المشتركة فى التجربة التنموية لكل من مصر والصين، فقد تشابهت إلى حد كبير رؤى كلتا الدولتين لحل تلك المشكلة. فبالنظر إلى رؤية «مصر 2030»، وهى الأجندة الوطنية التى أُطلقت فى فبراير 2016 لتحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الشامل، وتم تحديثها مع بداية عام 2018، نجد أنها تركز فى المقام الأول على الارتقاء بمستوى معيشة المواطن فى مختلف نواحى الحياة، والعمل على الحد من الفقر بجميع أشكاله والقضاء على الجوع، وتوفير منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، وتعزيز الإتاحة وتحسين جودة الخدمات الأساسية، وإثراء الحياة الثقافية، علاوة على تطوير البنية التحتية الرقمية، وجميعها تصب فى خدمة هدف مكافحة الفقر فى مصر.

وفى إطار تلك الرؤية، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى العديد من المبادرات بهدف الحد من الفقر بجميع أشكاله، ومنها برنامج (تكافل وكرامة) للتحويلات النقدية المشروطة للأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً وكفالة حقوق أطفالها الصحية والتعليمية، والذى قدم الدعم المالى لنحو 3.6 مليون أسرة بواقع 14.3 مليون فرد. وكذلك مبادرة «حياة كريمة» لتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى المناطق الأكثر احتياجاً. كما بذلت مصر مجهوداً كبيراً فى القضاء على العشوائيات كإحدى آليات الحد من الفقر متعدد الأبعاد، حيث دشنت مشروع مدينة الأسمرات بالقاهرة، ومشروع بشاير الخير بالإسكندرية.

وبهدف مواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا، أطلقت مصر مبادرة «نتشارك هنعدى الأزمة» من قبَل صندوق «تحيا مصر» لدعم العمالة غير المنتظمة، كما تقوم الدولة بتقديم خدمات الحماية الاجتماعية للمواطنين والأسر الفقيرة، ومنها المساعدات النقدية المشروطة، وإعانات التعليم والبطالة، ومعاشات لكبار السن والمعاقين، فضلاً عن توفير فرص العمل والقروض الصغيرة.

وعلى الجانب المقابل، فإن النجاح الكبير للصين فى الحد من الفقر ما كان ليتحقق بمعزل عن الخطط الدقيقة والقرارات المدروسة لتلك المشكلة، فعلى سبيل المثال، نجد أن الخطة الخمسية الـ13 للصين والتى تنتهى بنهاية العام الجارى، ركزت على تحقيق أهم الأهداف الصينية على مر التاريخ، والمتمثلة فى القضاء التام على الفقر المدقع، حيث عملت الحكومة الصينية خلال السنوات الأخيرة على تطبيق العديد من الخطط لتحقيق هذا الهدف. وطبقت خططاً نموذجية لإنشاء أراضٍ زراعية عالية الجودة، وكذلك رصدت مبالغ ضخمة من أجل إخراج السكان من الحياة «الفقيرة البائسة» إلى حياة تقوم على مصادر ملموسة لمداخيل كافة السكان فى الصين، ثم قامت الحكومة الصينية بمواصلة متابعة المشاريع الصغرى والمتوسطة والخاصة فى المناطق الريفية ودعمها، علاوة على قيامها بتقديم العديد من الحوافز للفلاحين لتشجيعهم على الاستغلال الجيد لأراضيهم.

وبفضل الخطط التى وضعتها الدولتان، تخلصت الكثير من القرى المصرية والصينية من الفقر الذى عانى منه سكانها، ونرصد فيما يلى نماذج مشتركة لتلك القرى:

نجح سكان قرية «نجع عون» بمحافظة البحيرة، شمال مصر، فى التخلص من الفقر والقضاء على البطالة خلال خمس سنوات عن طريق زراعة الخضراوات العضوية على أسطح منازلهم، حيث كانت القرية إحدى أفقر المناطق فى مصر، وكان معدل البطالة فيها حوالى 90%.

وخلال محاولتهم للتخلص من الفقر، تبنى سكان القرية أفكاراً خارج الصندوق، بالزراعة العضوية على أسطح منازلهم، حيث ساعدتهم أجهزة الدولة بتوفير قروض صغيرة لهم لاستبدال أسطح منازلهم المتهالكة المبنية من القش بأسطح مبنية بالخرسانة والعزل، كما وفرت لهم الثلاجات لحفظ منتجاتهم. وكان لإصرار أهالى القرية على النجاح أثره الإيجابى فى خفض معدلات البطالة بالقرية من 90% إلى أقل من 5% خلال خمس سنوات.

تشتهر قرية «بيهمو»، إحدى قرى محافظة الفيوم، بصناعة التمور والخوص والملابس الجاهزة، وتم تمويل أكثر من 4400 مشروع بها بمبلغ 18.73 مليون جنيه، وفرت ما يقرب من 5000 فرصة عمل، وتدريب عدد كبير من السيدات على كيفية إعداد خطة عمل مشروع صغير حسب الصناعة التى تشتهر بها القرية، وتم منحهم تمويلاً من خلال جهاز تنمية المشروعات المصرى، وأصبح بالقرية مصنع للتمور تم تطويره ليواكب روح العصر من تطورات فى هذا المجال وأحدث وسائل التصدير.

قرية «الشخلوبة» هى إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، وتُعتبر من أوائل القرى التى لا تعرف البطالة، يعمل أهلها فى مهنة صيد الأسماك من البحر والبحيرات، وتم دعمهم من خلال الحكومة المحلية بالمبردات والثلاجات. وتُعتبر هذه المهنة مصدر رزقهم الوحيد، خاصة أن القرية تقع على ضفاف البحر من الجانبين. وقد تخلص عدد كبير من سكانها من الفقر.

نخلص من خلال النماذج السابقة إلى أن تبنى فكرة «القرية المنتجة» من خلال برامج مدروسة بعناية فائقة وخبرة كافية يمكن أن يؤتى ثماره، خاصة وأن مقومات القرية المنتجة متوفرة فى مصر وتحتاج إلى من يستكشفها ويُحسن تنظيمها وإدارتها. ويجب وضع آليات النهوض بالقرية والتعرف على المقومات التنموية الموجودة بالقرية وتعظيم الاستفادة من المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر بهدف خلق فرص عمل للشباب، مع عقد دورات تدريبية لهم وحثهم على العمل فى القطاع الخاص والمهن الحرة ومعالجة أسباب عزوف الشباب عن العمل الحرفى وتغيير نظرة المجتمع لأصحاب الحرف، حتى تحتل مصر المكانة اللائقة بها اقتصادياً، وكل ذلك تسعى إليه الخطة الاستراتيجية لمصر 2030 فى ظل ما تشهده مصر من طفرة تنموية فى كافة المجالات، خاصة بعد ثورة 30 يونيو.

- أما بالنسبة للصين فهى تتخلص من الفقر مع نهاية هذا العام عام 2020، وقد حققت الصين ابتكارات عديدة فى سياسات القروض الصغيرة بهدف مساعدة العائلات الفقيرة، إذ بلغت القروض الصغيرة وفقاً لإحصائية 2019 ما يقرب من 91 مليار دولار، استفاد منها حوالى 15 مليون أسرة فقيرة، وهناك قرى صينية كثيرة تخلصت من الفقر خلال السنوات الماضية وما زالت تسرع الخطى للوصول إلى الحياة الرغيدة، ومن أبرز نماذجها:

تقع قرية «ليانتشانغ» فى بلدة ليانجيانغكو فى مقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين، وهى إحدى القرى التى قمت بزيارتها إبان عملى كمستشار إعلامى بسفارة مصر ببكين. وكانت هذه القرية تعانى من انخفاض الدخل والفقر والافتقار للبنية التحتية من طرق ومواصلات وغيرها من الخدمات، خاصة أنها منطقة جبلية وتبلغ مساحتها حوالى 32 كيلومتراً مربعاً، ويسكنها ما يقرب من 500 أسرة، وتشتهر بزراعة الأرز والفول السودانى والذرة والبطيخ والخضراوات وغيرها من أنواع الفاكهة المختلفة.

وخلال السنوات الأخيرة عملت الصين والحكومة المحلية على تطوير وتحديث القرية، وقامت ببناء المنازل وإدخال كافة الخدمات من كهرباء ومياه وصرف وشبكات للتليفون والإنترنت. وكان لزيارة الرئيس الصينى شى جين بينغ للقرية فى 2018، دور كبير فى نفوس سكان القرية لبذل المزيد من الجهد والعمل من أجل النهوض بقريتهم، وقد لاحظت أثناء مشاهدة أحد التقارير المصورة بالتليفزيون الصينى المركزى أن القرية قد تغيرت تماماً بعد تطويرها وتحديثها، حيث يمتلك جميع سكان القرية فرص عمل توفر وتضمن لهم معيشة طيبة وحياة كريمة، ووصل متوسط نصيب دخل الفرد نحو 2400 دولار أمريكى.

تقع ولاية «ليانغ شان» بمقاطعة سيتشوان جنوب غربى الصين، وتشتهر بزراعة الزيتون وبعض أنواع الفواكه مثل الرمان. وقد ابتكرت هذه القرية أفكاراً خارج الصندوق باستخدام وسائل التواصل فى بيع وترويج منتجاتها، وذلك بالتعاون المشترك مع المؤسسات الرائدة والحكومية مطبقة نموذج تعاون (الأسر الفقيرة + المؤسسات الرائدة + منصات البيع مثل (JD) على الإنترنت)، حيث يقوم أهالى القرية بزراعة أشجار الزيتون وتقوم المؤسسات الزراعية بتوفير الشتلات عالية الجودة والمساعدة الفنية، ويتم تسويق الفاكهة وبيع المنتجات النهائية على منصات البيع، وقد استفاد من هذه التجربة حتى الآن أكثر من 250 عائلة ريفية فقيرة وتخلص أهالى القرية من براثن الفقر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل