المحتوى الرئيسى

قبل الحديث عن محاكمة الأسد يجب محاسبة من دمر سوريا!

11/27 16:59

كتب المحلل السياسي رامي الشاعر في صحيفة زافترا.

اعترفت الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، والتي ستتسلم مهام عملها في يناير المقبل، أن الإدارة الحالية برئاسة دونالد ترامب قد خلقت فجوة في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمنظمات الدولية.

لقد عملت إدارة الرئيس ترامب على تقويض التحالفات التي كانت بمثابة قواعد الاستقرار العالمي لعقود، وهو ما أثار التساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولي بين الأعداء والحلفاء والأصدقاء على حد سواء.

فقد انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال إدارة ترامب، رسميا من: الاتفاق النووي الإيراني (8 مايو 2018)، ومن المعاهدة الدولية لحظر الصواريخ النووية متوسطة المدى (2 أغسطس 2018)، ومن مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة (20 يونيو 2018)، ومن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" (نهاية عام 2018)، ومن اتفاقية باريس للمناخ (4 نوفمبر 2019)، ومن منظمة الصحة العالمية (3 سبتمبر 2020)، ومن معاهدة الأجواء المفتوحة (22 نوفمبر 2020).

من هنا فان الإدارة الجديدة تواجه تركة دبلوماسية ثقيلة، سيتعين عليها التعامل معها استنادا إلى واقع عالمي جديد، وقوى صاعدة، ولاعبين جدد، في ظل جائحة غير مسبوقة، ووضع اقتصادي عالمي صعب. كل ذلك بالتزامن مع انقسام داخلي في المجتمع الأمريكي، ورغبة من جانب هذه الإدارة في استعادة الدور الأمريكي على مسرح الأحداث الدولية.

ان تصريحات الرئيس المنتخب، جو بايدن، وبعض مرشحيه للمواقع الحساسة في إدارته، تبعث على الامل في أن تُمارس الولايات المتحدة الأمريكية دورا ايجابيا في تفعيل مؤسسات هيئة الأمم المتحدة، التي قامت الإدارة الحالية بتجميد نشاطها فيها، وتسعى لتحسين علاقاتها مع روسيا والصين، وإعادة الاعتبار لدور مجلس الأمن الدولي، لتنفيذ عدد من قراراته التي اتخذت فعليا لحل المشاكل الدولية والإقليمية العالقة.

لقد أصبح من الواضح أن معاناة ملايين السوريين واليمنيين والليبيين واللبنانيين والفلسطينيين، لا يمكن أن تنتهي دون جهود المجتمع الدولي، وخاصة بدون دور فعال لهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختصة.

تعاني هذه الدول من وضع داخلي صعب وشديد التعقيد، وأثبتت التجربة في العقد الأخير غياب أي أمل لتجاوز أزمات هذه الدول، سواء على صعيد الصراعات الداخلية والأوضاع الاقتصادية الصعبة، أو على صعيد التدخلات الخارجية والصراعات الدولية التي زادت من حدة الأزمات، وتعقيد الوضع، دون الاستعانة بالآليات الدولية الفعالة، مثل اللجوء لاستخدام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الخاص باتخاذ مجلس الأمن قراراته بما يجب اتخاذه من تدابير تصل إلى استخدام القوة حال تهديد السلم أو الإخلال به ووقوع عدوان على المدنيين في دولة من الدول.

إن مأساة هذه الملايين من البشر ربما تزداد أكثر كارثية، بدون مبالغة، إذا لم يتم التصرف بشكل عاجل في حل هذه الأزمات، فمئات الآلاف وربما ملايين المواطنين في هذه البلدان ينتظرهم الموت البطيء بسبب الجوع والبرد وعدم توفر الدواء والرعاية الصحية اللازمة، وأصبحت هذه الملايين رهينة في يد حفنة من الشخصيات السياسية القيادية، والأنظمة، التي لا تريد تقديم أي تنازلات، وتستمر في الرهان على تأجيج الصراعات الدولية، واستدامتها، من أجل الحفاظ على بقائها في السلطة، حتى ولو كان ثمن ذلك تدهور أوضاع شعوبها.

إن المبادرة التي قامت بها روسيا لعقد مؤتمر دولي لمعالجة مشكلة اللاجئين والمهاجرين السوريين كشفت عن استحالة معالجة هذه المشكلة بدون جهود دولية، لأن تهيئة ظروف عودة ما لا يقل عن 9 ملايين سوري سواء من الخارج أو من المناطق الحدودية السورية، يحتاج إلى مليارات الدولارات، ولا تقتصر المشكلة على عودة هؤلاء فحسب، وإنما تمتد لتشمل البنى التحتية لأهم المدن السورية التي دمر ما يزيد على نصفها. وأظن أنه من العدل أن تساهم الدول العربية بالدرجة الأولى بتمويل إعادة إعمار تلك المدن، وحل الأزمة السورية، التي تسببت فيها بشكل أساسي مليارات الدولارات التي دفعتها لتدمير سوريا.

لقد حاولت الدول العربية والأوروبية التهرب من مسؤولية إعادة بناء المدن السورية، وقاطعت المبادرة الدولية التي قامت بها روسيا لعقد مؤتمر دولي في دمشق، وتذرعت بحجج متعددة، من بينها أن السلطات في دمشق لم تقم بأي خطوات للتجاوب مع تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وضرورة "تشكيل محكمة دولية لمحاسبة القيادة في دمشق كمجرمي حرب"، ضاربين بعرض الحائط القوانين والأعراف الدولية، بل ونفس مضمون قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يرتكز على التوصل إلى توافق بين القيادة في دمشق، المعترف بها من قبل هيئة الأمم المتحدة، ممثلا شرعيا عن الدولة السورية، وبين المعارضة السورية.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكّر، وإذا كنا بالفعل بحاجة إلى تحقيق دولي، فلم لا نفتح تحقيقا دوليا لكل من ساهم وموّل ودعم وسهّل انتقال الإرهابيين من جميع أنحاء العالم إلى سوريا؟ ومن باع واشترى وحصل على عمولات من حمولات النفط المهرب عبر الحدود السورية، ومن سهّل تهريب آثار سوريا والتي تنتمي إلى التراث البشري إلى الأسواق السوداء لبيع التحف والآثار حول العالم؟ ولم لا نطلق نعت "مجرمي الحرب" على كل من يستحقه ممن خطط ونسّق ونظّم ودعم لوجستيا العمليات العسكرية في الرقة وحلب وإدلب وريف دمشق وغيرها من المناطق السورية المنكوبة؟ وربما السؤال الأهم من ذلك جميعا، هل تعجز الاستخبارات الغربية بكل مصادرها وقدراتها أن تفضح مسار التمويلات الهائلة التي تسربت إلى سوريا من أنظمة ودول، ودفعات السلاح والعتاد ووسائل النقل التي جعلت من "داعش" دولة "إسلامية" تستقطب "الكوادر" من جميع أنحاء العالم، سعيا نحو "خلافة القرون الوسطى"؟

قبل الحديث عن محكمة دولية لمحاسبة النظام السوري، أقترح عقد محكمة دولية لكل من ساهم في تدمير الدولة السورية، وأرسل الإرهابيين إلى سوريا واليمن وليبيا لتدمير هذه البلدان وتشريد شعوبها.

كذلك أقترح أن يتوقف الجميع عن تبادل الاتهامات، وإضاعة الوقت والمماطلة، وأن تنتهز القيادة في دمشق والمعارضة على حد سواء الفرصة الجديدة التي منحتها هيئة الأمم المتحدة بالدعوة لعقد جلسة جديدة للجنة الدستورية في جنيف، نهاية هذا الشهر (30 نوفمبر)، لإنجاز تعديل دستوري يمهد الطريق للشروع في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، حيث أصبح من الواضح أثناء انعقاد المؤتمر الدولي الخاص باللاجئين في دمشق، ضرورة إنجاز ذلك التعديل، للمساهمة في تفعيل الدور الدولي لمساعدة سوريا.

فالمساعدات التي قررت روسيا تقديمها للجانب السوري خلال هذا المؤتمر، والتي جاءت على هيئة قروض مشروطة لتأمين القمح والوقود والكهرباء وغيرها من المتطلبات اليومية من ماء ودواء، تكفي لأربعة أو خمسة أشهر على أقصى تقدير، وهو ما يمكن أن يعين الشعب السوري على تجاوز أشهر الشتاء الباردة فقط.

وعلى ماذا تراهن القيادة في دمشق بعد انتهاء هذه المدة؟

هذا ما يتعين على القيادة في دمشق أن تجيب عليه.

أما المعارضة، فعليها أن تدرك أن هناك خطر حقيقي في تثبيت التقسيم الفعلي لسوريا إلى ثلاث أو أربع كيانات، والوطن الذي يفترض أنهم ينتمون إليه، الدولة السورية على حافة الانهيار، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى صدامات داخلية تزيد من شتات الشعب السوري، وتفاقم مأساته.

فهل هذا حقا ما تسعى إليه المعارضة؟

إن التدخل الدولي لمساعدة سوريا يحتاج بالدرجة الأولى وقبل كل شيء إلى إرادة السوريين أنفسهم، لتهيئة الظروف للأمم المتحدة ومؤسساتها كي تتمكن من مساعدتهم.

لقد آن الأوان لإظهار هذه الإرادة بإنجاز عملية التعديل الدستوري والتعاون مع البعثة الخاصة لهيئة الأمم المتحدة لسوريا برئاسة، غير بيدرسون، خلال الأيام القادمة في جنيف.

إن نفس النموذج السوري يمكن أن ينطبق على الأزمات في اليمن وليبيا ولبنان وفلسطين، فالجميع بحاجة إلى إرادة وطنية من جانب الشخصيات القيادية والقوى والأحزاب السياسية في هذه البلدان لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بكل وضع على حدة، كي تتمكن الجهود الدولية من خلال هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من مساعدتهم، خاصة في ظل بريق الأمل الذي يطل من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب، جو بايدن، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في المشاركة من جديد في المؤسسات الدولية، وتفعيل دور هيئة الأمم المتحدة، ومعالجة الفجوة التي سببتها الإدارة الحالية في العلاقات الدولية.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل