المحتوى الرئيسى

"كورونا" يدمر الزهور.. مزارعو عزبة "الأهالي": حرقنا الورد في المزارع.. وخسارتنا وصلت 100%

11/27 09:59

فى 6 مارس 2020 وصلت «كورونا» إلى مصر، أيام قليلة انقلب بعدها المشهد رأساً على عقب، وأُعلنت قرارات الإغلاق ووقف الطيران وأُغلقت المحال التجارية، واستبدل المصريون العطور والزهور فى منازلهم التى يخضعون فيها لعزل اختيارى بزجاجات كحول ومطهرات، بعدما دخلت الزهور قفص الاتهام كناقل للعدوى ليصبح استنشاق عبيرها من خلف كمامة كارثة قد لا تُحمد عقباها، وكانت زراعة الزهور من بين عشرات المجالات التى تضررت من تلك الأزمة، لا سيما أنها تعتمد على التصدير، وما كادت تفيق منها، وتستعد لجنى محصول العام الجديد وتعويض خسائرها، حتى داهمتها أنباء الموجة الثانية من «كورونا» التى أدت إلى تطبيق إجراءات للغلق أكثر حزماً فى عدة دول أوروبية، من بينها بالطبع الدول المستوردة للزهور والزيوت العطرية من مصر.

داخل محله الصغير جلس ماجد حسن، ناعياً الموسم الذى أعد له منذ أسابيع أملاً فى تعويض جزء من خسارته، خاصة أنه جاء بعد أيام من «عيد الحب» الذى لم يكن مُرضياً فى مبيعاته وركدت بضاعته واضطر بائعو الزهور لإلقاء باقات كاملة من الزهور فى القمامة وبيع ما استطاعوا بأسعار بخسة لا تتعدى سعر التكلفة وأقل، لتباع الزهرة التى وصل سعرها 20 جنيهاً بـ«جنيه ونصف» فقط فى ظل حالة خوف وترقب عالمى من ذلك الفيروس اللعين.

ويقول «حسن» لـ«الوطن»: «أعمل فى محل زهور به 15 فرداً، ولأن الزهور سلعة ترفيهية كانت أول ما استغنى عنه المواطن فى مصر وهو ما كان نذير خراب لبيوت العشرات منا، وكثيرون أغلقوا محلاتهم وغيّروا نشاطهم، البعض الآخر فضّل وقف النشاط لحين مرور العاصفة التى كبدت كل واحد خسائر تخطت ربع مليون جنيه، ما بين أجور عمالة لا تعمل وزهور ذبلت وإيجار وفواتير وخلافه.

وأضاف: «نخشى من موجة ثانية تعيد إغلاق محالنا وهو ما سيكون كارثة محققة على اقتصاد ضخم تتميز به مصر من زهور قطف وزينة وزيوت عطرية تصدّر للعالم من قريتى عزبة الأهالى بالقناطر وشبرا بلولة بمحافظة الغربية».

على بعد 30 كيلومتراً من القاهرة، وبمجرد عبور البوابة التاريخية للقناطر الخيرية التى أسسها محمد على باشا، يرى المار منها مساحات واسعة من الأراضى على جانبى الطريق، اكتست بالصوب الزراعية البيضاء، التى تفوح منها رائحة الورود على اختلاف أشكالها وألوانها، معلنة الوصول إلى عزبة الأهالى، التى استطاعت إيجاد موطئ قدم لها فى زراعة الورود، ليس فقط على المستوى المحلى وإنما على المستوى العربى والدولى.

داخل مزرعته التى اكتست بورود الكرزنتم البيضاء، وقف أسامة عبدالعال وهو واحد من عشرات المزارعين الذين ورثوا مهنة زراعة الورد عن والده يتفقد محصول الورد، متمنياً أن يكون له حظ فى توزيعه داخلياً والتصدير للخارج، فى ظل أزمة كورونا التى تسببت فى إيقاف تصدير الورود وتسويقها نتيجة الإغلاق الذى شهدته مصر والعالم، ما ترتب عليه إعدام المحصول وتحمل الخسارة.

ويقول «عبدالعال»: «والدى كان من أول 4 زرعوا الورد فى مصر، وأنا ورثت المهنة عنه سواء فى الزراعة أو التجارة خلال الـ 40 سنة الماضية، وطورنا المجال لحد ما فتحنا لنا أسواق فى الخارج خاصة فى السعودية والإمارات، وبعدما كنا مستوردين أصبحنا مصدّرين ونُدخل عملة صعبة إلى البلد».

انتعاش سوق الزهور فى مصر، ظل مزدهراً رغم مروره بالعديد من المشكلات وخاصة بعد ثورتى يناير و30 يونيو، نتيجة لعدم استقرار الأوضاع السياسية وقتها، التى جعلت السوق متأرجحاً، ولكن أزمة كورونا وما شهدته من إغلاق كان لها الأثر الأكبر على الزراعة والتصدير، حسب «عبدالعال»، الذى أضاف: «أزمة كورونا وما شهدته من حظر وإغلاق تسبب لنا فى خسارة وصلت 100%، وأجبرتنا على التخلص من محصول الورد لعدم وجود طلب تصديرى عليه نتيجة الإغلاق وتوقف حركة الطيران واعتبار الزهور سلعة ترفيهية يمكن الاستغناء عنها».

الخسارة التى شهدها «عبدالعال» وغيره من مزارعى ومصدّرى الزهور، يوضحها قائلاً: «زراعة الورد مكلفة جداً على مستوى تجهيز الصوب الزراعية التى تصل تكلفتها نصف مليون جنيه لكل فدان، وكذلك على مستوى العمالة، والأسمدة والمبيدات»، لافتاً إلى أنه استمر فى دفع أجور العمالة الأسبوعية رغم إعدام محصول الورد، وصيانة الصوب الزراعية، حفاظاً على مهنة عائلته رغم الخسارة التى تكبدها، فى حين قام مزارعون آخرون بالتوقف عن الزراعة لعدم قدرتهم على تحمل الخسائر، لافتاً إلى أن الأزمة طالت بلاداً أخرى منتجة للزهور وعلى رأسها هولندا التى تخلصت من محصول الورد لكن فى المقابل حصل المزارعون هناك على دعم من الدولة يساعدهم فى استمرار النشاط.

ومن هنا فإن الحصول على دعم من الدولة للتوسع والازدهار فى صناعة الزهور، خاصة فى ظل التخوف من موجة ثانية لـ«كورونا»، أمر يتمناه «عبدالعال» قائلاً: «نتمنى أن يساندنا الرئيس عبدالفتاح السيسى خاصة فى ظل اهتمامه بالجانب الزراعى والصوب الزراعية لأن الورد يُدخل عملة صعبة إلى البلاد ومصر أصبح لديها سوق خاصة بها خارجياً، كما نتمنى أن تساعدنا وزارة الزراعة فى توفير شتلات جديدة من الخارج خاصة من هولندا، بدلاً من الاعتماد على الشركات الخاصة، وكذلك توفير المبيدات الزراعية اللازمة فى ظل انتشار المبيدات المغشوشة التى تؤثر على جودة الزهور».

مطلب آخر يراه «عبدالعال» مُهماً وهو ضرورة أن تكون هناك بورصة خاصة بالزهور، يكون مقرها القناطر الخيرية نظراً لوجود أغلب مزارعى الزهور بها، إضافة إلى إضفاء جانب جمالى وسياحى على المدينة التى تشتهر بحدائقها وقناطرها التاريخية فضلاً عن موقعها المتميز وقربها من القاهرة».

مراحل عدة تمر بها زراعة الزهور، بحسب «عبدالعال» تبدأ باستيراد شتلات الزهور من هولندا عبر شركات خاصة، ثم عمل مشتل لها وأخذ «عُقل» الشتلات وتبديرها فى الحضانات، وزراعتها بعد ذلك لمدة 3 شهور والإنتاج يتم توزيعه بين السوق المحلية والتصدير، لا سيما أزهار الكرزنتم والجلاديولس والجبسوفيليا والورد البلدى، إضافة إلى زهرة عصفور الجنة التى تستوردها فرنسا وهولندا.

ولم تختلف خسارة «عبدالعال» عن جاره مصطفى جمال عبدالله، سواء بالتخلص من المحصول بحرقه أو فرمه أو إعدامه، وكذلك قرار الاستمرار فى مجال ورثوه عن آبائهم كان خيارهم أيضاً، ويقول «مصطفى»: «والدى أول من أدخل زراعة الزهور فى عزبة الأهالى منذ أكثر من 40 عاماً، وكنا نتعامل مع خبراء زراعة هولنديين، وكانوا يرسلون البذور لوالدى ومتابعة ازدهار الورود فى البداية، إلا أننا احترفنا زراعة الورود، وأصبحنا نصدر لهولندا ودول عربية».

ويضيف «مصطفى»: «شعرنا بأزمة كورونا فى مارس وأعدمنا محصول 3 شهور (مارس وأبريل ومايو)، وبعدها أوقفنا إنتاج المزرعة، وكان هناك تخوف من عدم استمرارنا فى المهنة وفكرنا فى بيع جزء من الأرض أو تغيير نشاطنا الزراعى»، متمنياً أن تمر الموجة الثانية لأزمة كورونا دون خسائر مثل الأولى، خاصة أنهم لم يتمكنوا من تعويض الخسارة الأولى وليس لديهم رصيد مالى يمكّنهم من الاستمرار.

من أكثر المشكلات التى واجهها «مصطفى» أيضاً، هى توقف طلبات التصدير من الخارج، حيث تم إلغاء طلبات تصديرية متفق عليها نتيجة الإغلاق وتوقف الطيران، وعدم حصوله على مستحقاته المالية لدى بعض المستوردين، متمنياً وجود دعم من الدولة لزراعة الزهور فى خطوات عملية، ويقول: «نحتاج رقابة من وزارة الزراعة على الشتلات المستوردة من الخارج، حيث يقوم بعض التجار باستيراد شتلات رديئة مقابل مبالغ مالية كبيرة، وكذلك توفير الأدوية والمبيدات»، ويضيف «مصطفى»: «أنا كمزارع محروم من الأسمدة المدعومة وأشتريها على نفقتى ويكون أغلبها مغشوشاً، كما نريد عودة الإرشاد الزراعى».

وعن الأوضاع الحالية لمزارعى الزهور، أكد «مصطفى» أن زراعة الزهور ما زالت متأثرة بأزمة «كورونا»، فالزهور سلعة ترفيهية، وفى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض الأسر نتيجة أزمة كورونا ودخول المدارس ومتطلبات الحياة اليومية، يكون الاستغناء عن اقتناء الزهور سهلاً، مشيراً إلى أن الأزمة ليست مرتبطة بأصحاب مزارع الزهور فقط إنما هناك عاملون كثيرون يرتبطون بهذه الزراعة مثل الفلاحين والعاملين فى المزرعة، والتجار وأصحاب محال الزهور.

المعاناة التى واجهها مزارعو عزبة الأهالى تقترب كثيراً من معاناة مزارعى الياسمين واللارنج بقرية «شبرا بلولة» بمحافظة الغربية، والتى تعد من أشهر مصدّرى الزيوت العطرية وعجينة الياسمين إلى عدة دول على رأسها فرنسا وأمريكا والصين وروسيا، بحسب الأربعينية «أمل»، إحدى مزارعات الياسمين واللارنج، والتى تخرج يومياً هى وزوجها وأولادها إلى مزرعتهم فجراً لجمع زهرة الياسمين، قائلة: «نسرح كل يوم أنا وجوزى وولادى، من 12 بالليل لحد 9 الصبح، نقطف الياسمين، بنطلع لنا فى اليوم حوالى 4 كيلو، بنودّيه مجمع الياسمين للتاجر من أجل فرزه ووزنه وبيعه للمصنع، وقبل كورونا كان الكيلو بـ 40 جنيهاً وبعد الكورونا نزّلوه لـ30، والمزارعون اضطروا للموافقة بدل ما يرموا محصولهم».

رغم انخفاض أسعار الياسمين بنسبة 25% واللارنج 50% عن العام الماضى، بسبب «كورونا»، إلا أن السيد أبوضياء، أحد مزارعى الياسمين، ما زال يلتمس العذر لأصحاب المجمعات والمصانع، عكس السيدة الأربعينية «أمل»، فرغم خسارته الكبيرة، إلا أنه يرى أيضاً تضرر أصحاب المصانع نتيجة توقف التصدير إلى الخارج بسبب «كورونا»، وتوقف بعض الدول المصدرة عن طلب الزيوت العطرية المستخلصة من الياسمين، قائلاً: «زراعة الياسمين مكلفة وبتاخد وقت ومجهود، والفلاح بيصرف على أرضه فلوس من كيماوى وشغل فى الأرض باستمرار، غير أن الزرعة بتقعد فى الأرض من السنة للسنة، ولو حب الفلاح يزرع شجر ياسمين جديد، بتقعد سنتين لحد ما تزهر واللارنج 4 سنوات وبعد كده كل شجرة بتزهر مرة كل سنة مرة».

ورغم الاتهامات الموجهة لأصحاب مجمعات الياسمين، التى تقوم بتجميع المحصول من الفلاح لوزنه وفرزه وتسليمه إلى المصنع، لتحويله إلى زيوت جاهزة للتصدير مقابل أسعار زهيدة، إلا أن أصحاب المجمعات أيضاً يشكون من تضررهم نتيجة توقف التصدير والطلب على زيوت الياسمين نتيجة حالة الإغلاق التى شهدها العالم، بحسب إبراهيم العدل، صاحب مجمع، قائلاً: «شبرا بلولة تعد قرية نموذجية قائمة على زراعة وتصنيع الياسمين، وتساهم بإنتاج 60% من الإنتاج العالمى للزيوت العطرية، وكانت أوضاع الزراعة والتصنيع تمر بشكل جيد حتى أبريل الماضى، وظهور كورونا أدى إلى حالة إغلاق، وتوقف التصدير».

ويضيف: «بدأنا نشعر بالأزمة فى أبريل الماضى، وكنا قد اشترينا محاصيل الياسمين واللارنج من الفلاحين بأسعار العام الماضى، وأثناء تسليم المحصول للمصانع، جرى تخفيض الأسعار بحجة أن التصدير متوقف، وبالتالى تحمّل أصحاب المجمعات فرق السعر، ما تسبب لهم فى خسارة كبيرة»، مطالباً بضرورة أن تقوم وزارة الزراعة بدعم زراعة وتصنيع الياسمين، خاصة أنها تدخل عملة صعبة للبلاد.

المطالبة بدعم الدولة، ليس مطلب «العدل» وحده وإنما مطلب غالبية أهالى القرية التى لا تعرف نشاطاً سوى زراعة الياسمين، بحسب عامر الشيخ، أحد المزارعين الذى دشن قبل سنوات مصنعاً لتصنيع الياسمين يستفيد منه هو وفلاحو القرية، فى محاولة للحد من احتكار المصانع الكبيرة، التى كانت تضع أسعاراً زهيدة لشراء المحصول، مردداً: «عام 2020 مرير على الفلاحين فى القرية، انخفضت أسعار المحاصيل 50%، نتيجة وقف التصدير والإغلاق».

الاستمرار فى عدم التصدير لم ينتهِ بانتهاء الموجة الأولى للفيروس، حيث تزامن دخول الموجة الثانية فى عدد من الدول الأوروبية المستوردة للزيوت العطرية مع بداية الموسم الجديد لمحصول الياسمين، وهو ما يراه «الشيخ» ضربة قاتلة لمزارعى ومنتجى الياسمين ويقول: «الفلاح لا يملك سوى زرعته وقوت يومه ويتمنى أن تدعمه الدولة حتى يستطيع الاستمرار فى مهنة ورثها عن آبائه ولا يستطيع امتهان غيرها».

ويرى «الشيخ» أن دعم مزارعى ومصنّعى الزيوت المستخرجة من الياسمين سيحافظ على تصدر السوق المصرية فى هذا المجال، خاصة أن القرية تساهم بـ 60% من الإنتاج العالمى للزيوت العطرية والطبية، لافتاً إلى أن الدول التى تستورد تلك الزيوت تقوم بعد ذلك بفصلها إلى عدة عناصر ومركبات جزء منها يدخل فى صناعة الأدوية، وثانٍ يدخل فى الصناعات التجميلية، وثالث فى صناعة العطور. الدكتور أحمد طنطاوى، مدرس بقسم بساتين الزينة بكلية الزراعة - جامعة القاهرة، يؤكد أن زهور القطف تحقق عائداً اقتصادياً كبيراً، مقارنة بمحاصيل أساسية أخرى لأنها تعتمد على التصدير وتساهم فى إدخال عملة صعبة، إضافة لسهولة تصديرها، مضيفاً: «جردل ورد كبير يحتوى على أزهار قطف يمكن أن يكون أغلى ثمناً من كونتر يحمل طن بطاطس».

أما بالنسبة للياسمين فهو نبات متسلق يمكن زراعته ويستغرق ازدهاره عامين، ثم يزدهر كل عام، ولا يتم تصديره كزهر بل يُصنّع ويستخرج منه الزيوت للتصدير، ويتطلب الأمر وجود معامل ومصانع لاستخراج الزيوت بعد القطف مباشرة.

وعن تأثير أزمة كورونا على الصادرات الزراعية وخاصة البستانية والتى من بينها زهور القطف والنباتات العطرية، أكد الدكتور جمال عبدربه، رئيس قسم البساتين بجامعة الأزهر والمتحدث الرسمى للاتحاد العام لمنتجى ومصدّرى الحاصلات الزراعية، أن مصر استطاعت الحفاظ على حجم الصادرات الزراعية خلال الأزمة، لافتاً إلى أنه انخفض بما يعادل 100 ألف دولار مقارنة بحجم الصادرات الزراعية لعام 2018-2019، والتى بلغت 5.3 مليار دولار منها 2.3 مليار دولار صادرات زراعية طازجة من الخضر والفواكه ونباتات الزينة والتى يندرج تحتها زهور القطف.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل