المحتوى الرئيسى

الاغتيال بالحب

11/26 20:33

استيقظت على رسالة نصية هاتفى المحمول كان مفادها: «أستشعر رغبة ملحة فى الجلوس والحديث معك.. أنا مخنوق شويتين».. بدا اسمه جليًا فى ظلام الغرفة عبر إضاءة شاشة الهاتف.

ثم جمعنا اللقاء بالمقهى الأحمدى المجاور للمسجد صاحب المقام، جاء فايق عامل المقهى وبصوته الصاخب قدم فنجان القهوة أمامى ثم سحب سيجارة من علبة التبغ، ورمقنى بنظرة زينتها ابتسامته، ولما حاول مداعبة صديقى وجده شارداً، فوضع كوب الشاى أمامه وانصرف دون إطالة منه فى المزاح. ومع الرشفة الأولى حاولت استنطاقه. حيث بادرته بالتساؤل رحمة به من ذلك الصمت الذى يخيم على وجهه ويكسو ملامحه بشجن لكنه ليس بشجن أليف.

< مالك يا سيدى ايه اللى خنقك؟

<< أخبرنى يا هاشم...أنت تكتب فى الحب وفى علاقات البشر المتشابكة، لكن هل يفترض أن يكون المحب به من صفات الأنانية والاهمال وإنكار المسؤولية بحجة التيه والألم؟

- يبدو كدة إن الموضوع كبير. لكن قبل أى فلسفات أتمنى تدخل فى صلب الموضوع بشكل أكثر مباشرة وصرامة.

- أنا أحادثك عن زوجتى. كلما نظرت لأطفالى دب فى جسدى الألم وفى روحى خوف لا طاقة لى به.

< ماذا حدث ليصل الأمر لهذا الحد؟

<< القضية قد تكون إشكالية فلسفية أو تستطيع أن تسميها بمصطلحات المثقفين أمثال حضرتك جدلية أو دليكتيك أحاول فهمه لحل مشكلتى؟

< لا.. واضح إنه وحشتك قعدات التنظير والفلسفة يا مولانا.. فى إيه.. أتكلم بشكل مباشر؟

<< بالعكس.. لا أقصد بحديثى التنظير للتنظير أنا أجتهد لمحاولة معرفة المشكلة؟

<< هاشم.. أشعر بمسئولية كبيرة تجاه «الولدين»، لم أعد على قناعة تامة أن «ميسون» زوجتى لا تزال قارة على حفظ أمانتهم ورعايتهم، هى لم تقدم لهم شيئاً بل أصبحت عبئاً عليهم، أو تستطيع أن تقول إنها أصبحت حجراً يتعثر فيه الولدان.

< ميسون أمهم يا مولانا وليست زوجة أبيهم...كيف تخشى على أبنائك من أمهم؟!.

<< اسمعنى يا هاشم وركز معى.. زاد شجارنا فى الفترة الأخيرة كثيرا، كعادتها المتكررة دخول نوبات بكاء، واتصالات ملحة ومكثفة وسيل من الرسائل النصية تطارد هاتفى أثناء تواجدى خارج المنزل، وبمجرد عودتى للمنزل يصبح هدفها الأوحد هو محاولة النقاش للنقاش ثم مزيد من الشجار والخلاف، لقد ضجرت من هذا الأمر وشعرت بالجناية على الولدين جراء حالة الأنانية التى تتعمدها الأم من إهمالهم وترك واجبات الأمومة جهتهم، أصبح عبء مذاكرة الأولاد هو مسئوليتى لأن الهانم زوجتى فى حالة

< ولكن كيف تكون أنت السبب؟ ولماذا تراك أنت المتسبب فى هذا الضياع والتيه الذى أصابها؟

<< هى باختصار تتحدث بمعانٍ كبيرة لكنها معانٍ أنا أصفها بالمجوفة، هى تتهمنى بأنى السبب الأصيل لحالة العبث الأسرى الذى نعيش فيه.. فأنا المتسبب لإهمال دراستها فى الماجستير وأنا المتسبب فى إهمالها مذاكرة الأولاد.. وأنا المتسبب فى قعودها عن تنظيف البيت لدرجة أن حجرة الأطفال أحيانا تشبه حجرة الفئران أو صندرة تكوم فيها أغراض وتلقى فيها محتويات من كل صنوف المخلفات.

< أريد أن أفهم كيف تراك أنت المسئول؟

<< اسمعنى يا هاشم..فى كل نقاشاتى معها تخبرنى بأنها أوقفت نقطة دوران الكون عندى فصرت المنبع وصرت المصب، وأنها قد علقت كل حياتها بى، فلما تحزن بسببى تتوقف كل طاقتها عن العمل وعن العطاء حتى فعل الأمومة..تتجرد منه بحجة أنها فى دوامة حزن نفسى أنا سببتها لها.. وكل هذه الجرائم فى حق أطفالها بمسمى الحب.. هل يكون الحب هنا هو معادل فعل القتل والتدمير يا حضرة الكاتب؟!

كنت راغبا بشكل ملح أن أحادثها، هى الطرف الآخر من المعركة، الضريبة هنا يدفع ثمنها الصغار تحت مسمى الحب والتيه والاغتراب، طلبت من صديقى أن يهاتف زوجته، وبحكم صلتنا الأسرية لأننا أبناء جامعة واحدة جمعتنا زمالة وعشرة زمانية امتدت لأكثر من عشرين سنة، وجدت نفسى مرغماً على ضرورة محادثتها لربما كانت عندها زاوية رؤية أخرى وددت اكتشافها.

جاء صوتها عبر الهاتف مخنوقا بالبكاء، ولم تضف جديدا غير الذى حكاه لى الزوج، وقد سألتها ولكن ما ذنب الأطفال فى تركك لهم وإهمالهم بحجة أن حبك وحزنك سبب ما أنت فيه من كرب.

قالت الزوجة: أنا ربطت حياتى وبهجتى به، وطالما آلمنى بأى فعل فأنا ليس بوسعى ولا بمقدورى العطاء لا فى البيت ولا للأطفال ولن أستطيع تقديم أى شىء لهم طالما كانت روحى مطفأة؟

< رددت عليها بانفعال: «ولكن هذا لا يسمى حبا....هذا اغتيال باسم الحب؟»

<< قالت الزوجة: «لقد أوقفت حياتى عليه وكان هو مركز هذه الحياة، أهملت دراستى وأثرته على نفسى، من اغتال من؟»

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل