المحتوى الرئيسى

نرمين يسر تكتب: منصات طمس الهوية

11/24 15:04

فى وقت وصلت فيه التنافسية الإنتاجية أشدها عبر منصات العرض الالكترونية، الا ان هذه المنصات قامت بمسخ الهوية المصرية من خلال بعض أعمالها التي تحاول رصد حيوات طبقة ضيقة من المجتمع المصري لا تعبر عن سائر الطبقات، تلك الطبقات التي تقضي ليلها في حدائق ومنازل وقصور أو يسكنون وحدات الكومباوند المنعزل ويحتسون الخمور بدون حساب ويمتلكون جميعا الأمريكان كيتشين ويتحادثون بلغة مختلطة بين العامية والانجليزية ويرتدون مالا يمكن أن ترتديه المرأة المصرية في شوارعها بالإضافة الى حشر العادات والسلوك الغربي في جمل الحوار الذي يحمل دلالة واضحة على انتماء هؤلا الأبطال الى طبقة اجتماعية نالت قسط من التعليم الراقي الذي لا يحظى به سوى قلة ثرية من مجتمعنا.

ناهينا عن تصدير أفكار متحررة أكثر من اللازم مثل صداقة المطلقين وعلاقتهم الجيدة بعد الانفصال أو علاقات المحبين وتسامحهم وتجاوزهم للخيانة حتى أن المشاهد إذا اعتمد على الصورة بدون سماع لغة العمل الدرامي فلن يستطيع التعرف على هويته.

ولكن من منطلق مختلف: جاءت الحلقة الرابعة من مسلسل نمرة اتنين بعيد عن حدائق فيلات الكومباوند وأجواء الليل الاحتفالية تعرض مباراة رائعة من الحوار السلس الذي يحمل من معاني الإنسانية ما افتقده الجمهور في الحلقات الدرامية السابقة، رحلة يشتبك فيها الماضي مع الحاضر ويلقي بظلاله على مستقبل غامض يتمنى المتلقي في النهاية أن يتحقق باجتماع الممثلة الشهيرة بسائق التاكسي وكأن هذا اللقاء الذي يبدو فيما قبل المشهد الأخير مستحيلا لكنه بلا شك يحقق تلك الرغبة لدى الجمهور التي يولدها الصراع العاطفي بين قلبين في أن يجتمعا، مهما كانت المعوقات الطبقية أو الاجتماعية.

تنتمي الحلقة إلى ما يعرف بدراما الطريق حيث تدور الأحداث ما بين شوارع القاهرة في مشوار ليلي مفعم بالذكريات والفضفضة، تتجسد تلك الذكريات في صورة مشاهد فلاش باك تصنع حالة من الالتباس الإيجابي لدى المشاهد حتى يكاد يؤمن أن كلا الطرفين كان لهم تاريخ مشترك وأنهما كانا حبيبين وقت المراهقة الأولى واكتشاف المشاعر البكر، ولكن سواء كان بينهما هذا التاريخ المشترك أو لا فإن تلك المشاهد ساهمت في تعميق الصراع العاطفي حيث انتظر المشاهدون أن يعلن الطرفان عن لحظة اكتشاف هذا التاريخ ولكن السيناريو يمارس خدعة مشروعة بأن يجعل التاريخ المشترك محل شك لأن ما يهم هو الحاضر والمستقبل وهو ما ينطبق على التاريخ الخاص لكل شخصية – وفاة زوجة السائق بالسرطان وخيانة زوج الممثلة لها مع رجل – فكلاهما يتجاوزان بالفضفضة هذا التاريخ ولو للحظة، ولكنها لحظة تعلن بدء مرحلة جديدة في حياة الشخصيات اختار لها السيناريو أن تنطلق من المطار الذي هو أكثر الأماكن دلالة على السفر والوصول والقدوم والرحيل.

قدم ماجد الكدواني إطلالة جميلة مفتقدة على مستوى المسلسلات التليفزيونية صحيح أنه يتعامل هنا بمنطق الفيلم القصير بكل كثافته إلا أنها لا تزال مشاركة ربما تفتح الباب أمام مزيد من الإطلالات التليفزيونية القادمة.

أما شيرين رضا فمن الواضح أنها كلما ابتعدت عن أداور المرأة اللعوب التي لا تملك سوى انطلاقها واقتربت أكثر من شخصيات المرأة التي تملك شجن دفين أو جرح غائر كلما أصبح أدائها أكثر ثقلا وقوة وكلما رسخت الشخصية أكثر في وجدان المتلقي.

أخيرا يمكن القول أن هادي الباجوري أثبت أنه مخرج يعرف كيف يتعامل مع شوارع المدينة وكيف ينتج نصًا بصريًا موازيًا للنص الحواري عبر استخدام السيارات والزجاج العاكس والمرايا وأعمدة الإنارة وخلفيات الطرق وهو ما يعتبر إنجازًا إخراجيًا ملفت للنظر يختلف عن غالبية الأساليب الأخراجية التي سبق وشاهدنها في الحلقات الثلاث الأولى من المسلسل.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل