المحتوى الرئيسى

أردوغان في الامتحان الصعب بين ترامب وبايدن

10/29 22:17

يضبط رجب طيب أردوغان ساعته السياسية على وقع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبغض النظر إن كان الفائز هو دونالد ترامب أو جو بايدن، فإن أردوغان سيجد نفسه أمام امتحان هو الأصعب له على صعيد السياسة الخارجية التركية، إذ إنه يدرك جيدا أن سياسة الديمقراطي بايدن تختلف عن سياسة ترامب تجاه نظامه، ومغامراته الكثيرة، ويتذكر جيدا عندما دعا بايدن قبل أشهر قليلة إلى إسقاط نظامه، من خلال دعم المعارضة التركية، حيث يعد بايدن حليفا وثيقا لأحمد داود أوغلو الذي انشق عن أردوغان، وأسس حزب المستقبل من رحم حزب العدالة والتنمية الحاكم، لينافسه على الحكم.  

ومع أن أردوغان حاول استغلال تصريحات بايدن في الداخل وقتها، من خلال القول إن بايدن هو مرشح المعارضة التركية، إلا أنه يدرك في العمق أن لبايدن أسبابا كثيرة ستدفعه إلى انتهاج سياسة حازمة تجاه سلوكه وسياساته، وهي أسباب تتعلق بالعلاقة السيئة بين الرجلين منذ أن اتهم بايدن نظام أردوغان قبل سنوات بإرسال المسلحين والإرهابيين إلى سوريا.

كما أن بايدن هو من أكثر السياسيين الأمريكيين المنتقدين لسياسة أردوغان في قبرص واليونان وأرمينيا وليبيا، وله علاقات ممتازة بالعديد من اللوبيات المعارضة للسياسة التركية في الداخل الأمريكي، لا سيما اللوبي الأرميني حيث دعوته القوية إلى الاعتراف بالإبادة الأرمينية، فضلا عن مواقف بايدن الداعمة للأكراد في سوريا، وانتقاده للعدوان التركي ضدهم، وهو ما سيثير جنون أردوغان إن فاز بايدن، ويضعه في أصعب امتحان على صعيد العلاقة المستقبلية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

في الواقع، ما سبق لا يعني أن خيارات أردوغان ستكون سهلة إذا فاز ترامب، فالعلاقة الأمريكية - التركية وصلت إلى نقطة حرجة، وحجم الخلافات بينهما يتفاقم يوما بعد آخر، فمن التدخل العسكري التركي في القوقاز، إلى شراء تركيا المنظومة الصاروخية الروسية "إس 400"، مرورا بالخرق التركي المستمر للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وصولا إلى التصعيد التركي في المتوسط ضد اليونان وقبرص.. كلها قضايا باتت توتر العلاقة بين واشنطن وأنقرة، وتدفع بترامب الثاني إن فاز إلى الضغط على أردوغان لحسم هذه الملفات، وتحديد خيارات السياسة التركية الخارجية بشكل واضح، على نحو، هل ستبقى تركيا حليفة ملتزمة بالسياسات الأمريكية أم أنها ستنفك عنها وتواصل التقارب مع روسيا وإيران؟

من دون شك، الجواب عن هذا السؤال، يضع أردوغان أمام حسابات صعبة ودقيقة، وهي حسابات تتعلق بكيفية التأقلم بين التوافق مع مقتضيات السياسة الأمريكية والاستمرار في نهج المغامرة المتناقض معها، فعلى مستوى المنطقة، كيف سيكون موقف أردوغان إذ ذهب حليفه أمير قطر إلى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل؟ يدرك أردوغان أن مسيرة السلام التي انطلقت مع اتفاق السلام الإماراتي - الإسرائيلي هي مسيرة مستمرة، وهي في الوقت نفسه استراتيجية مستقبلية للمنطقة، فهل أردوغان مستعد لخسارة حليفه القطري أو معارضة الاستراتيجية الأمريكية هذه؟

من دون شك، إن فعل ذلك سيخسر الكثير والكثير، وإن لم يفعل ذلك، فيسصبح مكشوفا أمام الجميع، في الداخل التركي، كما أمام جماعات الإسلام السياسي وتحديدا جماعات الإخوان المسلمين التي ربطت مصيرها به، حيث استخدمهم أردوغان لتحقيق أجندته التوسعية تجاه العالم العربي.

وعلى المستوى الدولي، يعرف الرئيس ترامب أنه صبر طويلا على أردوغان، وأنه جمد العديد من مشاريع قرارات خاصة بفرض عقوبات على تركيا في الكونجرس، لا سيما بعد اختبارها للمنظومة الصاروخية "إس 400".

 وقصارى القول هنا، سواء وصل بايدن إلى البيت الأبيض أو بقي ترامب ساكنه، فإن الإدارة الأمريكية لن تقبل في المرحلة المقبلة باستمرار أردوغان في سياسته القديمة، فالمطلوب منه أمريكيا انتهاج سياسة تتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية تجاه تركيا، انطلاقا منذ التحالف الذي نشأ بينهما عقب الحرب العالمية الثانية، ولعل هذه السياسة الأمريكية الجديدة ستكلف أردوغان أثمانا باهظة، وستشكل ضربة قوية لتقاربه مع روسيا بوتين، ولن يتأخر الأخير في تلقينه دروسا قاسية، لا سيما في سوريا والقوقاز وليبيا، حيث يحاول أردوغان التنافس على هذه المناطق مع روسيا، والتأثير على دورها، سواء لأسباب خاصة تتعلق بمشروعه الإقليمي التوسعي، أو في إطار إرسال رسائل للإدارة الأمريكية بأنه مستعد للقيام بأدوار في مواجهة النفوذ الروسي، وما تصريحاته الحادة ضد الدور الروسي في أوكرانيا، وإعلان دعمه المفتوح للأخيرة خلال لقائه مع الرئيس الأوكراني قبل نحو أسبوعين.. إلا تعبير عن نية لديه باستعداده للاستجابة لمقتضيات السياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة.

كما أن إصراره على إرسال رسائل غزل إلى القيادة المصرية إلا تأكيد على استعداده لتجميد دعمه للإخوان إذا وافقت القيادة المصرية على الدخول معه في تفاهمات بشأن المتوسط وسوريا وليبيا، وهو ما تدركه القيادة المصرية جيدا، وتعرف أن ذلك ليس إلا تعبيرا عن أزمة السياسة التركية، التي أغرقها أردوغان في تناقضات وأزمات ومشكلات لا تنتهي، وأن رسائله ليست سوى مناورة سياسية للحد من الأعباء الناتجة عن سياسته التي وصلت إلى طريق مسدود في كل الاتجاهات. في الواقع، سواء أكان الفائز ترامب أو بايدن، فإن أردوغان سيجد نفسه أمام امتحان هو الأصعب لسياسته الخارجية، فهو لا يستطيع الانفكاك عن الغرب لأسباب استراتيجية وعسكرية وتنظيمية واقتصادية كثيرة، كما أنه يدرك جيدا أن ثمن العودة إلى الدور الوظيفي للأطلسي في مواجهة روسيا سيكون مكلفا كثيرا له، فاللعب مع القيصر في ساحات مثل القوقاز وإرسال المرتزقة للقتال هناك لن يمر مرور الكرام، وما القصف الروسي الأخير لتجمع كبير لفيلق الشام الذي يعد الجناح العسكري للإخوان المسلمين في سوريا إلا رسالة روسية مباشرة لأردوغان قبل كل شيء.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل