المحتوى الرئيسى

أستاذ فلسفة: تصريحات الرئيس الفرنسي ضد الإسلام لها "أغراض انتخابية"

10/29 20:33

اعتبر الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة ورئيس المركز القومي للترجمة السابق، أن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قضية ذبح المدرس الفرنسي، لا ينطوي على عداء متعمد من جانبه للإسلام والرسول، مُفسرا مواقفه من الاسلام والمسلمين وردود فعله في الأزمة الأخيرة، بعدة عوامل من بينها "أغراض انتخابية"، لافتا في الوقت نفسه إلى أن الدولة الفرنسية نفسها لها دور "في التغاضي عن التطرف بل وتشجيعه"، هذا فضلا عما يفعله "التمويل القطري" من دور في إزكاءه.

وكان ماكرون قد أعلن تأييده لموقف المعلم الفرنسي الذي تعرض للذبح بعد عرضه على طلابه رسوم كاريكاتورية تصور النبي محمد خلال درس عن التطرف وحرية التعبير، وقال ماكرون، خلال احتفالية بالسربون لتشييع المدرس الراحل "سنواصل أيها المعلم.. سندافع عن الحرية التي كنت تعلمها ببراعة"، وتابع "لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات، وإن تقهقر البعض، سنقدم كل الفرص التي يجب على الجمهورية أن تقدمها لشبابها دون تمييز وتهميش، سنواصل أيها المعلم مع كل الأساتذة والمعلمين في فرنسا، سنعلم التاريخ مجده وشقه المظلم وسنعلم الأدب والموسيقى والروح والفكر.."

وقال "مغيث" الذي سبق وعاش في فرنسا فترة طويلة من حياته، في تصريحات خاصة لـ"الوطن":إنه "لكي نفهم مواقف ماكرون من الاسلام والمسلمين، لابد أن نفهم الطبيعة الخاصة للمسلمين في فرنسا، والتي تختلف عن بقية دول أوروبا، حيث أن فرنسا هي أنجح الدول الأوروبية في إدماج المسلمين داخلها، والمسلمون فيها موجودون في كل قطاعات الدولة، من أول الوظائف الدبلوماسية ورئاسة الجامعات والأطباء والمهندسين، وأي موظف في أي مصلحة حكومية في أي قرية، وهو ما يظهر كذلك في وصول نسبة الأبناء من الزواج المختلط بين العرب والفرنسيين إلى 15% من المواليد".

وأضاف موضحا:"على عكس المسلمين في إنجلترا وألمانيا الذين يمثلون طائفة منغلقة على ذاتها ومهمشة بطبيعتها، وبالتالي يمكن أن يلبسوا أو يتصرفوا كيفما يشاءوا لأنهم يعيشون مع بعضهم فقط، فانهم في فرنسا جزء من المجتمع فعلا، وهم ما يفسر الحدة المتبعة هناك في ضرورة ضبط سلوك المواطنين الفرنسيين المسلمين، وما حدث من اصدار قانون لحظر الحجاب في المدرسة لكي لا يكون هناك تمييز طائفي منذ البداية، بالإضافة لحظر النقاب في المجال العام بحيث يكون أي مواطن مكشوف الهوية لغيره من المواطنين"، مضيفا:"رغم أن هذه القوانين تبدو وكأنها عداء للاسلام، ولكن حقيقة الأمر أن ما فرضها هو اندماج المسلمين في الحياة الاجتماعية بشكل عام هناك".

ويمثل الدين الإسلامي الديانة الثانية في فرنسا بعد المسيحية الكاثوليكية من حيث عدد السكان، أما من حيث دور العبادة، فتحتل دور العبادة الإسلامية المرتبة الثالثة بعد الكنائس البروتستانتية، ويقدر عدد المساجد بنحو 6912 مسجداً ودار عبادة في 95 مقاطعة فرنسية، منتشرة في أنحاء فرنسا، بينها 60 مسجداً فقط بمئذنة، وفقاً لموقع "ميزليمانيا ووردبرس".

إلا أن مغيث استدرك قائلا:"رغم أننا نتحدث عن وجود اندماج للمسلمين في المجتمع، إلا أنه ليس معنى ذلك أنهم يعيشون في فرنسا بدون مشاكل، خاصة وأن نسبة كبيرة من المسلمين تعيش في ضواحي المدن الكبرى مفتقرين للخدمات، ويعانون من نقص في التعليم ومستوى معيشي أقل من المتوسط، وبالتالي تنتشر بينهم نسبة من الجٌنح مثل سرقة الموبايلات والدراجات أو ترويج المخدرات، وهو ما يشير لتقاعس في دور الدولة لإنقاذ هؤلاء، وهم طبعا مواطنين فرنسيين".

وفجر "مغيث"، في هذا السياق، مفاجأة كذلك، مؤكدا أن "الدولة الفرنسية كان لها دور في التغاضي عن ظهور التطرف بل وتشجيعه، وهو الأمر الذي بدأ منذ أيام الرئيس الفرنسي ميتران، حيث أنه بسبب انتشار الجنح والسرقة في الأحياء الفقيرة شجعت الحكومة وقتها قدوم وعاظ مسلمين من خارج فرنسا، لإقناع الشباب بالابتعاد عن السرقة، وبالفعل نجح ذلك في الحد من الجريمة، لكن لوحظ أن الذين أقلعوا عن الجريمة أصبحوا متطرفين يهددون البنات المسلمات غير المرتديات للحجاب بأنهم سيعتدون عليهن، ويمنعونهن من الذهاب للأندية الرياضية والساحات العامة، ونشروا التطرف في الضواحي، وكان ذلك في أواخر الثمانينات".

وتوسع أستاذ الفلسفة في الحديث عن مسئولية الدولة الفرنسية عن انتشار التطرف، قائلا:"لاحقا خلال فترة حكم الرئيس فرانسوا أولاند، وضعت فرنسا هدفا بأن تزيح بشار الأسد عن السلطة، واعتبرته عدوها الأساسي، وهو ما جعلهم يشجعون رجال الدين في مساجد فرنسا على تحفيز الشباب للتطوع "للجهاد" في سوريا، ووزير الخارجية الفرنسي حينها قال إن المجاهدين الفرنسيين المسلمين يذهبون لسوريا لكي ينشروا الديمقراطية، وطبعا المسألة لم تكن على هذا النحو".

وتفجرت هذه المشكلة لاحقا، حسبما يضيف:"بعدما تم هزيمة داعش في سوريا والعراق، وبدأت مشكلة عودة الفرنسيين الذين كانوا في داعش، تماما مثلما مثلت عودة ما يعرف بالمجاهدين الأفغان (المصريين الذين سافروا لقتال الروس في أفغانستان) مشكلة لمصر، وهنا نعيب على ماكرون أنه لم ينتبه لدور الدولة الفرنسية في تعميق هذه الأزمة".

وبالاضافة لما سبق، فقد "ساهم الإعلام الفرنسي في ترك أثر في التصور الذي قاله ماكرون عن الاسلام في البيان الذي أصدره مؤخرا في هذا الشأن والذي تحدث فيه عن أن الاسلام في أزمة، حيث كان الإعلام الفرنسي يتجاهل الغالبية المعتدلة من المسلمين الفرنسيين الذين يمثلون 85% ويقبلون بقوانين العلمانية ويعيشون ببساطة في المجتمع ولهم مراكز مهمة فيه، ويبحث عن أصحاب الخطابات المقلقة والمثيرة والمزعجة، بحيث يبدو لغير المسلم أن كل المسلمين مثل هؤلاء، في حين أن المتطرفين فئة قليلة لا تتعدى 10% لكن يتم تضخيمها، وهي لعبة إعلامية تٌستخدم لأغراض سياسية مثل تبرير هجوم فرنسا على أي بلد اسلامي".

وكان ماكرون قد أصدر بيانا بشأن الاسلام، قبل ذبح المعلم الفرنسي بأيام، أثار جدلا وردود فعل كبيرة أيضا، وقال فيه إن الاسلام يعيش أزمة في كل أنحاء العالم، وأن على فرنسا التصدي لما وصفه بالانعزالية الإسلامية الهادفة إلى إقامة نظام موازٍ وإنكار الجمهورية الفرنسية"، قائلا:"ما يجب علينا محاربته اليوم هو الانفصالية الاسلاموية، لأنها مشروع ونظرية تخلط السياسية والدين، وتبرز من خلالها تجاوزات متكررة لقيم الجمهورية".

ولفت مغيث إلى أن مثل هذه الصورة التي يصدرها الإعلام "تُستخدم أيضا في أغراض انتخابية، وذلك من خلال إبراز الخطر وجذب أصوات اليمين المتطرف، وهو ما يٌفسر جزءاً من موقف وخطاب ماكرون حاليا، خاصة وأنه مقبل على انتخابات وفرصه في النجاح قليلة، وهو ما فعله من قبل ساركوزي قبل أن يترك السلطة في إطار حملته الانتخابية، ولعل هذا ما يؤكد بحسب أستاذ الفلسفة أن ما يهدف إليه ماكرون ليس محاولة الإساءة للنبي، وإنما محاولة إثارة بعض المخاوف أو القلق الذي يتصور أنه سيصب في صالحه انتخابيا".

وأضاف:"إذا بحثنا عن الإساءة فإن المسيح تم الاساءة له آلاف المرات في فرنسا، وتم رسمه في كاريكاتير آلاف المرات، وكذلك الحال مع عيسى واليهودية التي كانت خاضعة للسخرية منذ أيام فولتير، لكنهم، وفقا لثقافتهم وفهمهم لا يصنفون ذلك على أنه اساءة، وإنما حرية رأي أو نقد".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل