المحتوى الرئيسى

مراكز «علاج الإدمان» غير المرخصة حكايات الهروب إلى «العذاب» | المصري اليوم

10/26 21:36

«الموت داخل مصحات العلاج من الإدمان لا يحتاج إلى تبرير»، الميت مدمن، ما يعنى أنه بلا ثمن، حاولنا علاجه، لكن جرعات المخدر فى جسده كانت ضخمة، «من الآخر ابنكم مات أثناء علاجه من الإدمان تعالوا خدو جثته علشان تدفنوه»، ماسبق يختصر كيف تتعامل مصحات علاج الإدمان غير المرخصة مع المرضى الذين يتلقون العلاج فيها، وكيف أن حياة المريض الذى يثق فيهم رخيصة، هو «موت بلا ثمن».. هكذا يقول أهالى ضحايا إنّ «فلذات أكبادهم» ماتوا أثناء العلاج «الوهمى» رغم دفعهم آلاف الجنيهات، مؤكدين أن تفاصيل موتهم كانت شديدة القسوة.

شاب يذبح أمه في الدقهلية.. وشقيقه: «خرج من المصحة منذ 10 أيام»

«بيوت الأشباح».. مصحات بير السلم لعلاج الإدمان (تحقيق)

وفاة صاحب مصحة علاج إدمان بجرعة هيروين زائدة في الهرم

«المصرى اليوم» استمعت لشهادات الناجين من «سلخانات التعذيب» بهذه المراكز، والتى قالوا فيها إنهم تعرضوا لانتهاكات غير آدمية «كنّا بنشوف الضرب قدام عيننا» بعضنا حاول الهرب أو أضرم النيران بتلك المراكز، أو قفز من الطابق الثالث فى محاولات هروب جماعى مع زملائه، جميعهم يؤكدون: «ندخل فى مرحلة أكبر من المرض عقب خروجنا». ورغم جهود صندوق مكافحة الإدمان والإدارة العامة لمكافحة المخدرات، لضبط هذه المراكز، إلا أن «الجهات المختصة لم تتخذ معها أى إجراء»- وفقًا للدكتور أحمد كتامى، مدير الخط الساخن بالصندوق «المصرى اليوم» رصدت تحويل فيلات وشقق إلى مراكز للعلاج من الإدمان بالمخالفة للقانون، وسط مناطق نائية.

جانب من الراغبين فى العلاج داخل أحد المراكز غير المرخصة

عشرات الشباب تبدأ أعمارهم من العشرينيات وحتى منتصف الأربعينيات، كأنهم فى مقابر جماعية أو أسرى حرب، يقبعون داخل غرف متراصة فى فيلات ظاهرها الفخامة وباطنها سجون غير آدمية، يجاهدون للهروب ينجحون مرات ويفشلون أحيانًا، يصرخون فى نفس واحدٍ «آه.. آه.. »، يقطع صراخهم الهدوء حيث أماكن احتجازهم بمساكن مستأجرة فى مناطق أبوالنمرس، وحدائق الأهرام، والمقطم بمحافظتى القاهرة والجيزة.

سكان المناطق يفزعون، يبلغون الشرطة «فى ناس محجوزة داخل الفيلات، صوتهم جايب آخر الشارع»، وأحيانًا يؤثرون السلامة ويعتادون هذه الأصوات التى أصبحت سمة المساكن الراقية «بنخاف نتعرض لأذى من أى حد لما يعرف إننا بلغنا عنه». رصدت «المصرى اليوم» خلال جولتها على 3 مصحات، العديد من المخالفات، ودخلت عددا من الفيلات ورفض القائمون عليها السماح بمعاينتها كاملة، وفى الأخير تمكنا من الدخول ورصد الانتهاكات بحق المدمنين الخاضعين للعلاج.

تتوقف سيارات فارهة أمام فيلا مُحاطة بالأشجار العالية، يهبط عادةً رجل وامرأة متزوجان رفقة ابنهما، يقتادونه إلى الفيلا التى تعلوها لافتة «مركز شهير لعلاج الإدمان» المركز ذائع الصيت بمنطقة أبوالنمرس، التى يغلب عليها الطابع الريفى، أحد العاملين سابقًا بالمركز غير المرخص «النّاس هنا غلابة أغلبهم كانوا بيسكتوا على اللى بيحصل جوا».

يدخل الأب والأم بابنهما، يعتقدان أنهما وضعا الابن على بداية الطريق الصحيح، يدفعان 10 آلاف جنيه أو ما يزيد، ويمضيان إلى حال سبيلهما، هنا تتبدل مُعاملة المريض المدمن، يفاجأ بنفسه محبوسًا بغرفة داخلها 5 أسرة، بها 15 أو 20 شخصًا، غير مسموح لهم أحيانًا بالتحدث إلى بعضهم البعض «لو كل واحد قال كلمة هتبقى الدنيا فوضى»- قالها العامل السابق الذى تحفظ على ذكر اسمه- وهو شاهد عيان على مداهمة قوات مكافحة المخدرات للمركز وضبط القائمين عليه. «فرق الشحن».. هم مجموعة من المتعافين مفتولى العضلات، مهامهم تتمثل فى الذهاب لمنازل الضحايا الذين غالبًا تبلغ أسرهم القائمين على مصحات العلاج المخالفة، وتدفع أموالاً لاحتجازهم «تعالوا خدوه من البيت عامل لنا مشاكل»، يوضح محمود إسماعيل- اسم مستعار- أحد العاملين بهذه الفرق بمصحة شهيرة فى حدائق الأهرام، أن مهمتهم الإتيان بهؤلاء المدمنين إلى المصحة بأى طريقة: «بنكتفه من إيديه ورجليه وبنحطه فى عربية ونجيبه على هنا». يدفع الأهل المبالغ المقررة للاحتجاز بالمصحة قبل التحرك دفعةً واحدة، حسب المدة المتفق عليها، ولا تقل المبالغ أبدًا عن 20 ألف جنيه، يعترف «إسماعيل» بأن المريض حين يأتون به مكبلاً إذا علا صوته أو بادر بأى عنف يضعونه بغرفة احتجاز انفرادية «دا عقاب لأى حد بيعمل شغب بالمكان».المزيد

ثلاثة من المتعافين يروون تجربتهم مع رحلة العلاج من الإدمان

تأبى ذاكرتهم نسيان ما جرى لهم من تعذيب واحتجاز دون وجه حق خلال محاولتهم تلقى العلاج بمصحات لعلاج الإدمان غير مٌرخصة، يقولون: «اتكتب لنّا عمر جديد» ثلاثتهم وهم شباب تتراوح أعمارهم ما بين الـ 30 والـ 40 عامًا، يؤكدون على انتهاك حقوق المرضى داخل تلك المصحات، ويرون أن سبب لجوء المرضى إليها لأسباب تتعلق بالأُسر التى ترغب فى التخلص من متاعب ذويهم مدمنى المخدرات.

أدمن محمد سعد، الشاب الأربعينى حاليًا، المخدرات قرابة 20 عامًا، وتدهورت حالته آخر 5 سنوات لتعاطيه الهيروين، وقرر العلاج بإحدى المصحات بمنطقة حدائق الأهرام، بعدما وجد نفسه «وصل للقاع»- على حد وصفه، ليقصد أنه خسر كل شىء «فقدت وظيفتى بشركة التسويق، وطلقت زوجتى، ومات ابنى الرضيع بعد سقوطه من شرفة المنزل، ولم يكن اختيار المصحة بيدى، أمى وإخواتى اللى ودونى على هناك».

ليلاً وصل «سعد» إلى المصحة الكائنة بفيلا دوبلكس، كان الظلام يسود المنطقة هادئة الحركة «طول الطريق مشوفتش بنى آدم»، دفعت والدته المُسنة 9 آلاف جنيه للقائمين على المصحة، أخبروها بأن مدة العلاج تستغرق 6 أشهر، كانت العقبة الأولى هو تدبير المبالغ اللاحقة، قالت الأم: «ربنا يسهلها ممكن أبيع ذهبى بس ابنى يتعالج ويتعافى».

ودع «سعد» والدته وودعها بالالتزام ببرنامج علاج أعراض الانسحاب التى تستهدف إخراج السموم من الجسد «روح يا ابنى ربنا معاك وترجع لنا بالسلامة» وتفقد الضيف الجديد للمصحة، صُدم من منظرها بالداخل «لقيت الأوضة والشرفات عليها مغلفة بشبابيك وأبواب حديدية، وحوالى 100 شخص جالسين على الأرض، والبطاطين نايمين عليها».

عقب دقائق، وجد «سعد» ما يطلق عليهم بـ«فرق الشحن» يكتفون شابًا ويعلقونه بمروحة سقف، وحين سألهم «ليه بتعملوا فيه كده؟.. كانت الإجابة جاهزة: «اللى مش بيسمع الكلام بيتعمل فيه كده».المزيد

ألم لم يُبارح أسرة المدمنين الذين لقوا حتفهم إثر تعذيب بمصحات علاج الإدمان غير المرخصة، من بينهم أسرة الشاب العشرينى محمد إبراهيم الذى كان يتلقى العلاج بمصحة سقارة بمنطقة البدرشين، وعاد لولديه جثة هامدة. والدة «إبراهيم» سمعت من جيرانها عن المصحة، وعرضت على ابنها العلاج لدى الطبيب «أحمد.ع» الذى أرسل سيارة ملاكى لمنزل الشاب لاصطحابه إلى المصحة التى توجد وسط الزراعات، وقبل تحرك السيارة طالب قائدها الأسرة بدفع مبلغ 700 جنيه «عربون» وبعد يومين من دخول الابن المصحة، اتصلت الأم بالطبيب قال لها: «الزيارة بعد أسبوعين». هنا احترق قلب الأم «هدى» التى مات ابنها فيما بعد: «لم أطق الانتظار لزيارة ابنى، وقلبى راح يحدثنى بأن شرًا ينتظر فلذة كبدى»،المزيد

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل