المحتوى الرئيسى

"متظاهرو سبتمبر" في مصر بعد عامين: مطالب سياسية وأخرى معيشية - BBC News عربي

10/24 03:21

صدر الصورة، Getty Images

شهدت مصر مظاهرات محدودة في سبتمبر/ أيلول 2019 وكذلك في 2020 ما أدى إلى احتجاز العشرات من المشاركين فيها

وجوم وحزن ودهشة... هكذا يمكن وصف وضع عشرات الأشخاص داخل مبنى نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة.

يفترشون الأرض بملابسهم الريفية، أما بعضهم فينتعل شبشباً وجلبابا، وقد قُيِّدت أيادي بعضهم بسلسلة حديدية، وهم ينتظرون أن ينادي عليهم وكلاء النيابة للدخول إلى غرف التحقيق.

هكذا يصف محامون حقوقيون حال المتظاهرين الذين ألقي القبض عليهم في 20 سبتمبر/أيلول الماضي وبعدها، إثر حضور جلسات التحقيق يوم 26 سبتمبر، في أعقاب استجابة بعضهم لدعوات التظاهر التي أطلقها رجل الأعمال والممثل المقيم في إسبانيا محمد علي، فيما تظاهر بعضهم احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية وقانون التصالح في مخالفات البناء.

خمس عشرة دقيقة هي المدة التي يستغرقها التحقيق مع كل منهم على انفراد مع وكيل النيابة، وقد انهار بعضهم بمجرد سماع قائمة الاتهامات: "مشاركة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فيما أضيفت لبعضهم تهم التمويل والتحريض على التجمهر".

وتقول منظمات حقوقية مصرية إنها رصدت عمليات لإلقاء القبض على أكثر من 2000 شخص منذ 20 سبتمبر الماضي معظمهم من قرى ريفية في محافظات المنيا ودمياط وسوهاج والجيزة وغيرها. وقد نُقِل المقبوض عليهم من هذه المحافظات في حافلات للشرطة يتسع كل منها لنحو خمسين فردا.

تعالت عبارات الفرح والابتهاج لدى بعضهم، بمجرد أن أبلغتهم النيابة بالانصراف، دون إبداء أي أسباب للاحتجاز أو حتى الإفراج، الأمر يتم بشكل عشوائي تماما، فيما احتجز آخرون على ذمة القضية، هكذا يقول محام شاب متحدثا لبي بي سي.

المحامي، الذي حضر التحقيقات مع ثلاثة عشر متهما، قال إن "التحقيقات لم تأخذ مجراها الطبيعي كأي تحقيق يعرفه ولم تكن إلا مجرد "ترتيب ورق"، على حد تعبيره.

ويذكر المحامي مشهد رجل خمسيني عندما أبلغه وكيل النيابة في التحقيقات بالتهم الموجهة إليه ومنها الانضمام لجماعة إرهابية وتقديم تمويل لها، بدأ الرجل في لطم وجهه بقوة، لدرجة أن وكيل النيابة نفسه بدا على وجهه التعاطف معه شارعا في طمأنته.

وبرغم ما يشوب المشهد من توتر وخوف، كما يقول المحامي لبي بي سي، فإن رجلا آخر سأل وكيل النيابة: هل يجوز أن يقوم بتطليق زوجته بمجرد خروجه من السجن، لأنها، بحسب قوله، سبب وجوده هنا، بعد أن أيقظته ليرى ماذا يحدث في منزل جارهم بعدما داهمت قوات الأمن منزل الجار، وعندما خرج ليستطلع الأمر ألقي القبض عليه!".

يقول مختار منير المحامي بمركز حرية الفكر والتعبير والذي حضر التحقيقات مع متهمين آخرين، لبي بي سي إن أغلب المتهمين في سبتمبر 2020 جاءوا من خارج المحافظات، على عكس سبتمبر من العام الماضي إذ كان هناك كثير من النشطاء المعروفين ضمن المتهمين، وكانت التظاهرات أكثر تنظيما عن العام الماضي.

ويتضح مما ينشره المحامون الحقوقيون هذا العام أن معظم من ألقي القبض عليهم من البسطاء فمعظمهم لا يحفظ رقم هاتف لذويه لطمأنتهم، وبعضهم يجهل القراءة والكتابة.

لكن النائب محمد أبو حامد -عضو البرلمان المصري - بدا معترضا على ذلك خلال حديثه لبي بي سي قائلا: "بعض النشطاء والجماعات كالإخوان المسلمين لجأوا إلى "تأجير" بعض المواطنين مدة ساعتين أو أكثر للمشاركة في التظاهرات مستغلين احتياج هؤلاء للأموال"، على حد وصفه.

وأضاف أن "وصول الأمر للنيابة يبعث على الطمأنينة، لأن الشرطة تقدم أدلة تؤكد ارتكاب هؤلاء المتهمين لتلك المخالفات"، مستطردا "النيابة العامة لن توجه أي اتهامات كتلك إلا بناء على قرائن واضحة ضد هؤلاء المتهمين."

وتأتي هذه التظاهرات المحدودة في بعض القرى والشوارع الفرعية في ظل غضب بعض المحتجين بسبب قرارات حكومية قضت بهدم عدد من المنازل، تقول السلطات إنها أقيمت بدون ترخيص على أراض تابعة للدولة.

صدر الصورة، AFP

وقررت النيابة بعد إلقاء القبض على العشرات إخلاء سبيل 44 شخصا من بين المقبوض عليهم، و68 طفلا ممن جرى إلقاء القبض عليهم خلال تلك الأحداث.

ويضيف أبو حامد -وهو أيضا وكيل لجنة التضامن في البرلمان - لبي بي سي "بعد تحقيقات تأكدنا أن الأطفال احتجزوا في دور أحداث وليس أماكن البالغين، كما تم اتباع جميع اجراءات التحقيق وفقا لقانون الطفل."

خمس دقائق فقط وبحضور الحرس، هي الوقت المسموح للمحامين للقاء موكليهم في القضية، كانت تضيع في السؤال عن "لماذا هم هنا".. "ومتى سيخرجون؟" "وكم عاما ستكون مدة العقوبات" "وتوسلات بطمأنة الأهل أنهم بخير" وتساؤلات حول كيف سيصلون إليهم بعد ترحيلهم إلى السجن؟. هكذا يصف المحامي لبي بي سي الموضع مستطردا.

لتبدأ رحلة المحامين في التواصل مع ذويهم، والتي غالبا ما تتم بحضور الأهل إلى مكتب المحامي وليس الحديث عبر الهاتف خشية الملاحقة الأمنية، بحسب المحامي الشاب.

وفي الغالب لا يمتلك المحامون تفاصيل كثيرة كمكان السجن الذي سيذهب إليه المقبوض عليهم أو معاد التجديد على ذمة القضية. ويرى المحامي -الذي رفض الكشف عن مكان عمله- أن الشباب كانوا أكثر تقبلا للوضع مقارنة بالأكبر سنا.

لكن يبدو أن أحمد صبرة لم يعد أكثر تقبلا للوضع، وهو الذي سجن في السابق على ذمة قضية سبتمبر 2019، وبعد خروجه بعد أشهر، ومع الذكرى الأولى لاحتجاجات العام الماضي، ألقت قوات الأمن القبض على شقيقه وكانت تبحث عنه لكنه تمكن من الفرار.

ويقول أحمد لبي بي سي، "إن آخر شيء كتبه شقيقه يوم 12 سبتمبر على فيس بوك كان متعلقا بقانون مخالفات البناء وليس له أي علاقة بالمظاهرات".

ويرى محامون وحقوقيون أن الوضع كان أفضل في سبتمبر 2019 رغم كثرة الأعداد التي قدرت وقتها بالآلاف أفرج عن الكثير منهم. فظروف الاحتجاز كانت أفضل كما كانت الفرصة سانحة أكثر للمحامين لقضاء وقت أكبر مع المتهمين على عكس سبتمبر 2020.

اختلافات بدت واضحة بالنسبة للمحامين والحقوقيين على الأقل، لكن المشاعر لم تتغير كثيرا، فبصوت هادئ وحزين وكأنها ملت الانتظار، تحدثت إلينا والدة أحد المقبوض عليهم على ذمة قضية 2019 عن ليلة القبض على ابنها قائلة "كان ذلك في منتصف الليل، ولم تكن المرة الأولى، واعتقدنا أن الأمر انتهى بمجرد الإفراج عنه مرتين في السابق"، مضيفة: "لكنني لم أراه منذ عام بسبب مرضي وسني خاصة مع وباء كورونا ومنع الزيارات." وتقول السيدة المسنة أن ولدها - وهو أب لطفلة عمرها 10 أعوام وطفل عمره 11 عاما- ليس بصحة جيدة بحسب ما قالته لها زوجته التي زارته أكثر من مرة. وأنهت حديثها معنا "مفيش حد في السجن مرتاح. عام كامل ولا نسمع سواء كلمة إن شاء الله سيخرج لكننا لا نٌبلغ إلا بقرارات التجديد."

ويقول محامي المتهم، إنه لم يتمكن من رؤيته على مدار أشهر، لكن بعد ذلك سمح له برؤية من وراء قفص زجاجي يستخدم فيها "لغة الاشارة" فقط للاطمئنان عليه دون سماع صوته.

لكن النائب المصري أبو حامد، رفض شكاوى المحامين قائلا: "هذا الأمر ليس دقيقا، فإذا كان الشخص محتجزا احتياطا فلا مصلحة للنيابة في منع المحامين من الجلوس معه، لكن يجب اتباع إجراءات الوقاية من كورونا."

وأشار أبو حامد خلال حديثه لبي بي سي "وزارة الداخلية دعت لجانا برلمانية لزيارة هذه السجون، ووجدنا أن الاجراءات هي نفسها المتبعة في الأوضاع الطبيعية، ولا يوجد ما يعرض أي شخص للخطر."

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل