المحتوى الرئيسى

د. محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة: لابد من تفكيك العقل الدينى التقليدى

10/21 19:59

الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، أستاذ فلسفة الأديان والمذاهب الحديثة والمُعاصرة، يدعو إلى العودة إلى المنابع الصافية: وهى القرآن والسنة الصحيحة فقط، فكل ما جاء بعد اكتمال الدين ليس دينا، وإنما هو محاولات بشرية قابلة للصواب والخطأ. صنفه كرسى اليونسكو للفلسفة ضمن الفلاسفة العرب المُعاصرين فى الموسوعة الصادرة عن كرسى اليونسكو للفلسفة 2017.

ويعتبر «الخشت» رائدًا فى علم فلسفة الدين فى العالم العربى، نظرًا للثقل الفكرى والأكاديمى الذى يظهر فى كتاباته التى أسست لهذا التخصص منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، ومنها كتابه «مدخل إلى فلسفة الدين 1993».

كما قدم صاحب نظرية جديدة فى كتابه «تطور الأديان»، وفيه تمكن «الخشت» من تقديم أول مُقارنة شاملة بين الأديان والفلسفات من منظور نظريات التطور، تجمع بين الوصف العلمى والتحليل الفلسفى والنقد العقلى المُلتزم بمعايير المنطق، ونجح فى توظيف تلك المعايير فى أشكالها الأكثر تطورًا فى عصر الحداثة وما بعدها.

«الوفد» التقت المفكر الكبير رئيس جامعة القاهرة، وهذا نص الحوار:

< بداية ما استعدادات الجامعة للعام الدراسى الجديد فى ظل جائحة كورونا وماذا عن خريطة الأنشطة الطلابية؟

- استعدت جامعة القاهرة للعام الجامعى الجديد فى ظل ما فرضته جائحة فيروس كورونا، من خلال خطة شاملة تم وضعها فى إطار استراتيجية الجامعة القائمة على التحديث الشامل لنظام التعليم الجامعى بعناصره المختلفة، خاصةً التحول الرقمى وتطبيق نظام التعليم الإلكترونى، وما يتضمنه من نظام المقررات الإلكترونية وتطوير منظومة الامتحانات، والتصحيح الإلكترونى، ورفع كفاءة وقدرات أعضاء هيئة التدريس والعاملين وتأهيلهم على النظام التعليمى الجديد.

ونحرص داخل الجامعة على تحقيق أهداف العملية التعليمية، بالإضافة إلى حماية جميع منتسبى الجامعة من طلاب وأعضاء هيئة تدريس وعاملين، من خلال مراعاة كل الإجراءات الاحترازية، وقد تضمنت الاستعدادات عدة إجراءات من بينها، استكمال أعمال البنية التحتية اللازمة لتحول طرق التدريس والامتحانات إلى نظام التعليم الإلكترونى، وتجهيز كل مواد الفصل الدراسى الأول إلكترونيًا كخطوة ضرورية للتحول إلى عمليات التدريس الإلكترونى، بالإضافة إلى عقد الحلقات النقاشية والأنشطة إلكترونيًا، وتقسيم الطلاب إلى مجموعات لمنع التزاحم وتحقيق التباعد الاجتماعي.

كما تم وضع استراتيجية لحضور الفرق الدراسية فى الكليات بالتبادل، وستكون الدراسة لطلاب الكليات النظرية مقسمة بنسبة 50% حضور مقابل 50% محاضرات عن بُعد، ولطلاب الكليات العملية نسبة 60% حضور مقابل 40% محاضرات عن بُعد، مع منح الكليات مرونة فى تعاملها مع هذه النسبة عند التطبيق طبقًا لظروف كل كلية وسعة قاعاتها ومعاملها، ومراعاة ألا تزيد كثافة الطلاب فى المدرجات عن 50% من طاقتها الاستيعابية، وسوف يتم إعداد جداول المحاضرات الحضورية وجداول المحاضرات Online وإعلانها قبل بدء الدراسة.

وفيما يتعلق بخريطة الأنشطة الطلابية تقوم الجامعة حاليًا بوضع تصور للأنشطة الطلابية للعام الدراسى الجديد مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية فى ظل أزمة فيروس كورونا التى تشمل تقليل الأعداد، ومنع التزاحم الطلابى داخل القاعات وارتداء الكمامات، وفى ظل التغيير الذى يشهده أسلوب التعليم هذا العام واستخدم التعليم الإلكترونى، فإن الأنشطة الطلابية سوف تشهد أيضاً تغييرا نوعيا فى ممارستها، بحيث سيكون ممارستها إلكترونيا على مستوى المجالات الفنية والثقافية المختلفة بجوائز مالية قيمة، بهدف تحفيز الطلاب وصقل مواهبهم الإبداعية ودعم روح التنافس بينهم.

< هل حققت تجربة التعليم عن بعد وتقديم الأبحاث العلمية للطلاب المرجو منها؟

- حققنا نجاحًا كبيرًا فى تطبيق نظام التعليم عن بُعد، بعد قرار تعليق الدراسة من خلال تسخير جميع الإمكانيات للتحول إلى النظم الإلكترونية فى التعليم باستخدام مختلف تطبيقات التعليم عن بعد، ونحن منذ أغسطس 2017 نعمل على التحول إلى جامعة ذكية من الجيل الثالث تكون لديها منظومة رقمية متكاملة، وتم تنفيذ التحول الرقمى للجامعة فى جميع التعاملات والجوانب الدراسية والإدارية الخاصة بها على أرض الواقع، وسرنا بخطوات مدروسة وسريعة نحو نظام التعليم الإلكتروني.

< ماذا عن جهود الجامعة فى أبحاث فيروس كورونا؟

- ساهمنا بقوة فى هذا الملف، حيث قمنا بتشكيل 5 فرق بحثية ضمت ما يزيد على 25 عالمًا وباحثًا من أساتذة كليات العلوم والطب والصيدلة والمعهد القومى للأورام والطب البيطرى، لإجراء البحوث العلمية والمعملية لفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وقمنا بدعم الفريق البحثى الرئيسى بـ10 ملايين جنيه.

واستطاعت الفرق البحثية للجامعة تنفيذ نحو 25% من التجارب السريرية على مستوى مصر للوصول إلى علاج لفيروس كورونا، وكانت جامعة القاهرة الأولى على مستوى مصر فى الأبحاث المنشورة دوليًا عن فيروس كورونا بواقع نحو 30٪ من مجمل البحوث المصرية، واستطاعت الفرق البحثية بالتعاون مع القوات المسلحة تحديد البصمة الوراثية لنوع فيروس كورونا فى مصر.

< حدثنا عن خطة الجامعة الاستراتيجية للتحول نحو مفهوم الجامعة الذكية والاقتصاد الرقمى وأبرز الخطوات التى تمت على أرض الواقع؟

- نعمل داخل جامعة القاهرة منذ أغسطس ٢٠١٧ من أجل التحول إلى جامعة ذكية من الجيل الثالث يكون لديها منظومة رقمية متكاملة، وكنا أول جامعة مصرية تتحول منذ أكثر من سنتين إلى الشمول المالى، من خلال وضع خطة استراتيجية تضمنت العديد من الإجراءات التى تم اتخاذها والعمل عليها، ومن بينها تحول نظام الدفع فى الجامعة إلى نظام إلكترونى، بالإضافة إلى نظام التحصيل الإلكترونى. وقد سرنا بخطوات مدروسة وسريعة نحو نظام التعليم الإلكترونى وتحويل التعليم المفتوح إلى نظام التعليم المدمج، ولدينا بالجامعة مركز للخدمات الإلكترونية، قمنا بدعمه بقوة.

< ما دور الجامعة فى خدمة المجتمع؟

- شاركنا فى العديد من المبادرات، ونعمل على تسخير كافة إمكانات الجامعة البشرية والمادية لخدمة المجتمع المدنى بمختلف قطاعاته، مثل المشاركة فى مبادرة 100 مليون صحة ومبادرة «حياة كريمة» ومبادرة «صنايعية مصر»، ومبادرة «حياة كريمة للفئات الأكثر احتياجا»، ومبادرة «بالعربي» للارتقاء باللغة العربية، ومبادرة «مودة» وغيرها من المبادرات التى تساهم فيها جامعة القاهرة لرفع الوعى المجتمعى بمختلف قضايا الوطن ونشر الوعى على مستوى شباب مصر.

كما تقوم الجامعة أيضاً - وباستمرار-

< ما خطتكم لتطوير المستشفيات الجامعية وتحويل قصر العينى الفرنساوى إلى وحدة للعلاج الاقتصادى والمجانى؟

 - تطوير المستشفيات الجامعية يُعد من المشروعات الضخمة التى تقوم الجامعة بتنفيذها بتكلفة تصل إلى 5 مليارات جنيه بالتعاون مع صندوق التمويل السعودى، وهو مشروع قومى يخدم قطاعا جماهيريا كبيرا من المرضى، ويتم وفق أحدث الوسائل والنظم، وترجع أهمية تطوير المستشفيات الجامعية باعتبارها الملاذ الآمن لقطاعات عديدة من المرضى بمصر ويستفيد من خدماتها القادرون وغير القادرين ماديًا.

وفيما يتعلق بالمعهد القومى للأورام الجديد 500500 بالشيخ زايد فقد تم إنجاز معظم أعمال إنشاءات المرحلة الأولى خلال العشرة شهور الأخيرة حيث بدأت المبانى فى الظهور بالرغم من ظروف جائحة كورونا، وتم الانتهاء من أعمال خرسانات وواجهات المبنى الأمامى للمستشفى والتى تضم جميع العيادات الخارجية والخدمات الرئيسية، وتسع 500500 بـ1,020 سرير بالقسم الداخلى، و500 سرير بوحدة علاج اليوم الواحد، و60 غرفة عمليات كبرى، و15 جهازًا للعلاج الإشعاعى، ومركزًا متكاملًا لأبحاث السرطان المتطورة يضم معامل الأبحاث المعملية التى تغطى كل مجالات العلوم الخاصة بالوقاية وتشخيص وعلاج الأورام، كما يشمل المشروع منشأة متكاملة ومعتمدة لحيوانات التجارب الدوائية والجراحية، وبنوكًا للخلايا الجذعية وللجينات الوراثية المرتبطة بالسرطان.

وما تم تنفيذه من تطوير داخل مستشفيات الجامعة ساهم بشكل كبير فى مساندة الدولة المصرية لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد، كما تتوسع الجامعة فى العلاج المجانى وندرس حاليًا تحويل الفرنساوى إلى وحدة للعلاج الاقتصادى والمجاني.

< ما الهدف من تحويل أرض بين السرايات لمركز للإبداع؟

- قمنا بتوقيع بروتوكول تعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتحويل أرض بين السرايات إلى مركز للإبداع وريادة الأعمال لطلاب جامعة القاهرة والجامعات المصرية الأخرى ليكون المركز منارة جديد للجامعة تضىء المجتمع المحيط بها مع الحفاظ على الطابع الأثرى والتراثى لشكل المبنى من الداخل والخارج.

والمركز يهدف نشر ثقافة الابتكار وريادة الأعمال بين طلاب الجامعات المصرية المهتمين بالإبداع فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطامحين فى أن يكونوا رواد أعمال فى المستقبل من خلال تقديم برامج تعليم ريادة الأعمال والابتكار من أجل بناء قدرات الشباب.

< ماذا عن الاستعدادات والخطط اللازمة لتشغيل فرع الجامعة فى الخرطوم؟

- نحن سعداء بعودة الدراسة بفرع الخرطوم بعد توقف استمر لمدة 27 عامًا، وقد استقبلت السفير محمد إلياس سفير السودان بالقاهرة، لمناقشة الاستعدادات والإجراءات اللازمة لعودة تشغيل فرع جامعة القاهرة بالخرطوم مرة أخرى، ودراسة توسيع مجال التعاون التعليمى بين جامعة القاهرة والجامعات السودانية، وتطرقنا لتجهيزات فرع جامعة القاهرة بالخرطوم، إداريا وتكنولوجيًا على أحدث مستوى، لبدء عودة الدراسة فى مرحلة البكالوريوس فى كليات الآداب والحقوق والتجارة والعلوم كمرحلة أولى، مع إمكانية فتح تخصصات جديدة سواء فى مرحلة الليسانس والبكالوريوس أو الدراسات العليا لجذب الطلاب السودانيين للدراسة بالفرع، بالإضافة إلى الاستعانة بأعضاء هيئة تدريس وعاملين من السودان للعمل مع الفريق المصرى.

وسوف يتم تحديد موعد افتتاح الفرع بعد انتهاء الحكومة من التنسيق الكامل مع الجانب السودانى، وتوقيع الاتفاقية الإطارية التى تحدد كل ما يخص عمل الفرع بين البلدين.

< ما الفارق بين العقل الدينى والعقل المصرى الذى تسعى الجامعة لتطويره وهل هذا هو المقصود بتأسيس عصر دينى جديد؟

- أرى أنه لا يمكن تأسيس خطاب دينى جديد بدون تكوين عقل دينى جديد، والعقل الدينى ليس هو الدين نفسه، بل هو عقل إنسانى يتكون فى التاريخ وتدخله عناصر إلهية وعناصر اجتماعية واقتصادية وثقافية، ويتأثر بدرجة وعى الإنسان فى كل مرحلة، وتطوير هذا العقل الدينى غير ممكن بدون تفكيكه وبيان الجانب البشرى فيه، ولا يمكن تكوين عقل دينى جديد بدون تغيير طرق التفكير وتجديد علم أصول الدين، ومن أهم الشروط لتكوين عقل دينى جديد، إصلاح طريقة التفكير، وفتح العقول المغلقة وتغيير طريقة المتعصبين فى التفكير، والعمل على تغيير رؤية العالم وتجديد فهم العقائد فى الأديان ونقد العقائد الأشعرية والاعتزالية وغيرها من عقائد المذاهب القديمة.

ولكى نؤسس عصرا دينيا جديدا لابد من الرجوع إلى فلسفة التاريخ، والتى تكشف لنا أن عصور الانتقالات الكبرى لا تتم إلا بتغيير طرق التفكير، وهو ما قام به الأنبياء والفلاسفة والمصلحون الدينيون والقادة السياسيون الكبار، وأن المعارك فى كل عصور الانتقال من عصر قديم إلى عصر جديد، كانت معارك بين طرق التفكير التقليدية وطرق التفكير الجديدة.

ونجد أن المشكلة ليست فى الإسلام، بل فى عقول المسلمين وحالة الجمود الفقهى والفكرى التى يعيشون فيها منذ أكثر من سبعة قرون، حيث اختلط المقدس والبشرى فى التراث الإسلامى، واضطربت المرجعيات وأساليب الاستدلال، ولذا من غير الممكن تأسيس خطاب دينى جديد دون تفكيك العقل الدينى التقليدى وتحليله للتمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام.

ونحن نعمل فى جامعة القاهرة فى إطار مشروع فكرى يستهدف تطوير العقل المصرى ليقوم على التفكير العلمى والنقدى والعقلانى من أجل بناء مجتمع جديد.

< هل يمكن تطبيق مصطلح الخطاب على النص الدينى المقدس أم ينسحب على التفسير فقط؟

- هناك فرق بين الخطاب الدينى والنص الدينى، فالنص الدينى هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. أما الخطاب الدينى فهو عمل بشرى فى فهم

< ما الملامح الرئيسية التى تراها بحاجة إلى تجديد فى الخطاب الدينى وما الذى يفسد عملية تجديد الخطاب أو إنتاج خطاب جديد؟

- الخطاب الدينى القديم تشكل فى ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ومعرفية طرحتها العصور القديمة، والأبنية العقلية القديمة تلائم عصورها ولا تلائم عصرنا؛ فالزمان غير الزمان والمكان غير المكان، والناس غير الناس، والتحديات القديمة غير التحديات الجديدة، وتأسيس خطاب دينى جديد يجب أن يتبنى مجموعة من المهام العاجلة، مثل: تفكيك الخطاب الدينى التقليدى، وتفكيك العقل المغلق، ونقد العقل النقلى، وفك جمود الفكر الإنسانى الدينى المتصلب والمتقنع بأقنعة دينية حتى يمكن كشفه أمام نفسه وأمام العالم، وليس هذا التفكيك للدين نفسه، وإنما للبنية العقلية المغلقة والفكر الإنسانى الدينى الذى نشأ حول الدين الإلهى الخالص، وأن عملية التفكيك يجب أن تمر بمجموعة من المراحل هى التفكير المنهجى، والتمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام، وإزاحة كل المرجعيات الوهمية التى تكونت فى قاع التراث، وبعد التفكيك يأتى التأسيس، وأهم أركانه: تغيير طرق تفكير المسلمين، وتعليم جديد مُنتج لعقول مفتوحة، وتغيير رؤية العالم، وتأسيس مرجعيات جديدة، والعودة إلى الإسلام المنسى.

والخطاب الدينى الجديد يضرب الفكر الإرهابى فى مقتل، فالفكر الإرهابى يستخدم المتطرفين لصالح قوى كبرى تسعى للتخريب من خلال افتعال الأزمات تحت بعض الشعارات، ويجب أن يقوم الخطاب الدينى الجديد على العقلانية النقدية والتفكير النقدى بما يلائم ظروف العصر، ويشمل تطوير العقل جوانب خمسة حاكمة له تطويرا عقلانيا نقديا بطريقة منظمة، وهي: تطوير العقل النظرى، تطوير العقل الدينى، تحرير ملكة الوجدان، إصلاح طريقة عمل الطاقة الغريزية، تطوير العقل العملي.

< كيف يمكن تغيير طريقة وعى المسلمين لمفهوم الدين؟

- لكى يتم تغيير وعى المسلمين لمفهوم الدين لابد من إصلاح طريقة التفكير لدى المسلمين، لأن العقول التى ضللتها الأهواء عن البرهان والحجة العقلية، لا يمكن أن تستقيم دون إصلاح ماكينة تفكيرها قبل أى شيء، وطريقة التفكير هى المنهج، والمنهج عبارة عن الإجراءات التى تتبعها فى تفكيرك وخطوات الاستدلال التى تسير عليها، ففى عملية الاستدلال توجد خطوات، حيث تسلمك الخطوة الأولى للخطوة التالية، فمن الممكن أن تعرض الفكرة الإيجابية على شخص يفكر بطريقة سليمة، وتعرض الفكرة الإيجابية نفسها فى الوقت ذاته على إرهابى من داعش، فهل سيتعامل الاثنان بالطريقة العقلية نفسها مع الفكرة ذاتها؟ بطبيعة الحال لا.

< فى كتاباتك دائما تتحدث عن امتداد فترة الجمود الدينى فى وعى الأمة فما السبيل لتجاوز عصر الجمود الدينى؟

- لابد من تجاوز عصر الجمود الدينى الذى طال أكثر من اللازم فى تاريخ أمتنا العربية، من أجل تأسيس عصر دينى جديد، نخرج فيه من دائرة الكهنوت الذى صنعه البشر بعد اكتمال الوحى الإلهى، وتلقفه مقلدون أصحاب عقول مغلقة ونفوس ضيقة لا تستوعب رحابة العالم ولا رحابة الدين، وقد آن الأوان لنقد شامل للتيارات أحادية النظرة التى تزيف الإسلام، مع ضرورة العودة إلى الإسلام النقى المنسى قرآنا وسنة صحيحة، لأن الإسلام الذى نعيشه اليوم مزيفا بسبب التيارات المتطرفة والجماعات الإرهابية ومجتمعات التخلف الحضارى، ولا يمكن هذا إلا بتخليص الإسلام من الموروثات الاجتماعية وقاع التراث، والرؤية الأحادية للإسلام.

< تنادى دائما بتطوير علوم الدين وليس إحياء علوم الدين فماذا تقصد من ذلك؟

- عندما ظهر دعاة الإصلاح بداية من القرن التاسع عشر، ودعوا إلى التحديث والإصلاح الدينى لم يقم أى منهم بمحاولة «تطوير علوم الدين»، بل قاموا بـ«محاولة إحياء علوم الدين»، كما تشكلت فى الماضى، وكأن النهضة تحدث بإحياء العلوم القديمة، على الرغم من أن العلوم القديمة هى علوم بشرية نشأت لكى تواكب العصر الذى وجدت فيه من مختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبالتالى قد لا تكون مناسبة لعصور أخرى لها ظروفها وواقع حياتها التى قد تتباين تباينا جليا عن سابقتها.

والعلوم التى نشأت حول الدين علوم إنسانية، تقصد إلى فهم الوحى الإلهي. فالقرآن الكريم إلهى، لكن علوم التفسير والفقه وأصول الدين وعلوم مصطلح الحديث وعلم الرجال أو علم الجرح والتعديل. إلخ علوم إنسانية أنشأها بشر، وكل ما جاء بها اجتهادات بشرية، ومن ثم فهى قابلة للتطوير والتطور. وهذه مسلمة واضحة وليست اكتشافا، لكن المتعصبين الذين تجمد عقلهم وتجمد معه كل شيء، رفضوا الاجتهاد، وتمترسوا خلف التقليد. وهم لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا، أن من المنطق الفاسد والخلط الزعم بأن أية علوم شرعية هى مبادئ وقواعد يقينية مطلقة تصلح لكل زمان ومكان. فالبشر ذوو عقول نسبية متغيرة، والحقيقة تتكشف تدريجيا، ولا تأتى دفعة واحدة إلا من خلال «وحي»، بل إن الوحى نفسه جاء عبر ثلاث وعشرين سنة، وترك مساحة للجهد البشرى فى اكتشاف الحقائق والوقائع فى الكون.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل