المحتوى الرئيسى

حرائق حول روسيا وسوريا وقره باغ والفاعل مشترك!

10/17 20:44

تحت العنوان أعلاه، كتب المحلل السياسي رامي الشاعر في صحيفة "زافترا" عن الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم قره باغ غير المعترف به دوليا.

في حوار مع 3 محطات إذاعية روسية، أعرب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن تشاؤم موسكو إزاء فرص تمديد معاهدة "ستارت" الجديدة الخاصة بتقليص الترسانة النووية مع واشنطن، والتي تنقضي مدة سريانها فبراير المقبل.

لكن لافروف في الوقت نفسه شدّد على أن روسيا لن تنسحب من المحادثات بشأن تمديد المعاهدة، مع التنويه بانه "لا يجوز إجراء الحوار على أساس الإنذارات النهائية" الامر الذي يعني أن من أولويات الجهود التي تبذلها القيادة الروسية في المرحلة الراهنة هي محاولة إقناع واشنطن لتمديد الاتفاقية.

على الصعيد الإقليمي، ومع تصاعد النيران المشتعلة حول المحيط الروسي، تتصدر أولويات روسيا عملية القضاء على الإرهابيين المدرجين على قوائم الإرهاب الدولية، وتغيير الوضع في الشمال السوري وبخاصة في إدلب وضواحيها، والذي يشكّل عائقا لحل مشكلة اللاجئين السوريين في الداخل والخارج، وكثير من القضايا المتعلقة بسيادة الدولة السورية، والمضي قدما نحو الحل السياسي.

إن منطقة إدلب وما حولها هي منطقة خارجة بالكامل عن سيطرة الحكومة السورية، ترابط فيها نقاط مراقبة تركية ودوريات مشتركة تركية روسية تشرف على نظام وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى التنسيق العسكري الأمني التركي الروسي للتخلص من بقايا الإرهابيين "المستوردين" من بلدان مختلفة، ممن لا يشملهم اتفاق تسوية الأوضاع، وتمتلئ ملفاتهم بجرائم إرهابية.

تشير التقديرات إلى أن عدد هؤلاء يبلغ حوالي 3 آلاف عنصر إرهابي، اختلطوا بالمدنيين المحليين الذين يمثلون حاضنة شعبية لهم، ما يعقد عملية التخلص منهم.

وينتمي عدد كبير من هؤلاء إلى مناطق القوقاز الروسية، حيث بدأ المئات منهم يفكرون في العودة إلى القوقاز عن طريق البر، من خلال الحدود البرية التركية الأذربيجانية، ثم الأذربيجانية الروسية، خاصة وأن مستقبل "الخلافة الإسلامية" و"الدولة الإسلامية" قد انتهى في بلاد الشام بالفشل الذريع، وأصبح من الواضح أن مستقبلهم على الأراضي السورية محفوف بالمخاطر.

هذا ما يقلق القادة الروس، وعبر عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مكالمة هاتفية مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، سيما وأن بعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة الداعمة في منطقة الخليج، بدأت لحنها المفضل، القديم والمتكرر، بالدعوة للجهاد لنصرة الإسلام في قرة باغ.. بنفس آلية "الجهاد ضد الإلحاد" في ثمانينيات القرن الماضي، ثم نصرة المسلمين في يوغوسلافيا في تسعينياته، ثم مسلمي الشيشان نهاية التسعينيات ومطلع الألفية، ومرورا بـانتصار "الإسلام" في ثورات "الربيع العربي"، ثم إنشاء "دولة الخلافة الإسلامية" في الشام. نفس التنظيمات والمؤسسات والجمعيات الخيرية، بل ونفس الوجوه ونفس الأجهزة الغربية من ورائها، بذات الآلية، وذات التمويلات السخية الخبيثة، التي تسعى هذه المرة إلى زعزعة الاستقرار في خاصرة روسيا الرخوة، القوقاز، ومن خلال التخطيط لنقل وتحريض بضع مئات من الإرهابيين للتسرب عبر أذربيجان لخلق توتر في العلاقات الروسية الأذربيجانية، والروسية التركية، تمهيدا لإدخال هؤلاء إلى الأراضي الروسية عبر حدود يبلغ طولها 330 كلم بين أذربيجان وروسيا.

قد يندرج الأمر تحت بند "الخيال التآمري"، إلا أنه أقرب مما نتصور، وأعقد من كل خيالاتنا الساذجة. ففي عام 2016، كتبت الصحفية البريطانية، كارلوتا غال، في تحقيق صحفي بالنيويورك تايمز (21 مايو) تحت عنوان "كيف تحولت كوسوفو أرضا خصبة لداعش"، عن عثور الشرطة في كوسوفو على 314 من أهالي الإقليم (في السنتين الأخيرتين 2014-2016)، سافروا للانضمام للدولة الإسلامية، وفقا للمحققين في كوسوفو، بما في ذلك انتحاريين، و44 امرأة، و28 طفلا، وهو الرقم الأعلى قياسا إلى عدد السكان في أوروبا. وبعد سنتين من التحقيقات وجهت الشرطة تهما إلى 67 شخصا منهم، وألقت القبض على 14 إماما، وأغلقت 19 مؤسسة إسلامية، بتهم خرق الدستور وزرع الكراهية وتجنيد المواطنين بغرض الإرهاب.

لذلك فإن ما يحدث في سوريا وليبيا وقرة باغ وتحركات الإرهابيين عبر الحدود البحرية والبرية، تجيب على كل الانتقادات التي تساءلت عن جدوى التدخل الروسي في سوريا، انطلاقا من أن سوريا دولة بعيدة لا تربطها بالدولة الروسية أية حدود، ولا تمثل بالنسبة لروسيا أي أهمية استراتيجية. وتجيب على كل الأسئلة الخاصة بما يبدو غريبا في العلاقات المتشابكة بين التنظيمات الإرهابية والأجهزة الأمنية الغربية.

إن من بين المهام الإنسانية التي تضطلع بها وزارة الدفاع الروسية في سوريا هي إعادة اليتامى الروس من الأطفال الذين قضى آباؤهم وأمهاتهم في سوريا والعراق، ممن يحملون الجنسية الروسية، من القوقاز وغيرها من المناطق الجنوبية. وبعيدا عن الشق العاطفي المأساوي والعميق لهؤلاء الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة كي يخرجوا إلى هذا العالم محمّلين بآثام الماضي، وخطايا الآباء والأمهات، دون بيئة تربويةأو تعليمية صالحة لإنسان سوي سليم، فهناك آلاف آخرين لم ولن يعودوا إلى أوطانهم، وستغذيهم روافد الكراهية والغل والحقد، وتموّلهم المؤسسات والمنظمات والجمعيات بأموال النفط المهرب وغيرها من منابع تمويل الإرهاب، بتنسيق من أجهزة تحركها أوهام الغطرسة والقوة والسيطرة والهيمنة. هؤلاء هم الخطر الحقيقي، لا على المنطقة أو الإقليم أو حتى على روسيا وحدها، وإنما خطر حقيقي يهدد العالم أجمع.

لا شك أن كل ذلك إنما يخدم سياسة التصعيد التي يتبعها حلف الناتو بقيادة واشنطن ضد روسيا، وضد جهودها لإحلال السلام في سوريا. ولعل من بين البراهين المؤكدة على ذلك التعليمات التي أصدرتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى جميع حلفائها بمقاطعة المؤتمر الدولي في دمشق بشأن المساهمة في عودة اللاجئين، والمقرر عقده الشهر المقبل. وكما شرحت سلفا، فإن المماطلة في عودة اللاجئين تهدف إلى استدامة تغذية منابع الإرهاب الدولي بالبشر قبل الأموال، خاصة أن عملية تجنيد شباب يعيشون حالة من البؤس والفقر المدقع، وعدم توفر العمل في معسكرات اللاجئين، كمرتزقة في ميادين القتال ولحم بشري تلتهمه آلة الحرب قربانا لأهداف سياسية أوسع نطاقا، هي عملية أسهل كثيرا من تجنيد شباب فقد بوصلته، ثم عاد للوطن بعد صراع دموي مهلك، ويسعى لتضميد جراحه، وبناء مستقبله، وتعمير أرضه بسواعده الفتية.

إن محاولة خلق بؤر اضطرابات وتوتر في البلدان المجاورة لروسيا، من خلال استثمار تكنولوجيا "الثورات الملونة"، واستغلال السعي الحقيقي والمشروع للشعوب في بحثها عن الحرية والديمقراطية، وتزكية مشاعر الغضب واستخدام العنف وزرع الفتن الطائفية والعرقية، لتغيير الأنظمة السياسية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، ليس سوى استكمالا للسياسات الغربية الرديئة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، سعيا نحو الهيمنة وفرض سياسات الأمر الواقع، وسيادة القطب الواحد. وهو ما يتسق تماما مع إلغاء الاتفاقيات الخاصة بالأسلحة النووية الصاروخية المختلفة، وآخرها معاهدة ستارت الجديدة.

يتزامن ذلك مع تصعيد على الأرض سواء في الشرق الأوسط أو في المحيط الروسي كما أسلفت، وعرقلة التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط، وتوسيع تواجد القواعد الأمريكية على أراضي دول الخليج، والعقوبات التي تستهدف عرقلة المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية لروسيا. إنه مخطط ممنهج يأتي في "عبوة واحدة" مع الحرب الهجينة التي تشنها وسائل الإعلام الغربية على روسيا، في محاولة لشيطنة كل ما هو روسي، على كل الأصعدة (حتى على مستوى اللقاح الروسي "سبوتنيك V" الذي يفترض أنه يواجه جائحة عالمية تعاني منها البشرية بأسرها!). يهدف هذا المخطط إلى إخضاع روسيا لسياسات الغرب، والتحكم في ثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي، أو تحييدها من خلال تفتيتها لكيانات سياسية أصغر، لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء، وإثبات التفوق الأمريكي وهيمنة القطب الواحد، استعدادا للمنافسة وربما المواجهة الحتمية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، التي تتحرك بمعدلات اقتصادية فائقة السرعة وآفاق غير محدودة.

في الحوار الذي دار مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وردا على سؤال حول جدوى التعامل مع الغرب بدبلوماسية لا يفهمها، بينما يتمادى في فرض عقوبات على أية حال قال الوزير: "إن الأساس الوحيد الذي يمكن أن تقوم عليه علاقات الدول هو المساواة والاحترام والمصالح المتبادلة، وهو ما يعني ضرورة أن تتخلى بعض الدول التي تحدد مسار الأمور في الاتحاد الأوروبي عن محاولاتها التصرف، انطلاقا من الشعور بتفوقها، وتعترف بعدم وجود بديل عن حوار نزيه، يعتمد على الحقائق". لكن لافروف عاد وأكد على أنه ربما يتعين "التوقف عن التواصل مع المسؤولين عن السياسة الخارجية في الغرب لفترة من الوقت" إذا كانوا "لا يفهمون ضرورة الحوار المبني على الاحترام المتبادل".

لذلك فإن المجهودات الجبارة التي تستمر القيادة الروسية في بذلها من أجل الحفاظ على الأمن القومي الروسي، بتطوير استعداد الجيش الروسي وقواته الفضائية في مجال الدفاع الاستراتيجي عن روسيا، بالتزامن مع السعي الدائم لتعزيز مكانة هيئة الأمم المتحدة ودورها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، هما المحوران الأساسيان للسياسة الخارجية الروسية التي تعتمد على الاستماع إلى صوت العقل الذي لا يفتقر إلى القوة. وكما تقول وسائل الإعلام الروسية: فإن من "لا يستمع إلى لافروف لا شك سيستمع إلى شويغو". (إشارة إلى وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو).

لقد تقدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بمبادرة جديدة لتمديد اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية لمدة سنة على الأقل، للحفاظ على بقاء عمل لجان المراقبة والتنسيق بخصوص هذه الأسلحة، وعلى دورها الهام في تلطيف الأجواء بين المؤسستين العسكريتين الروسية والأمريكية. ونأمل أن تجد هذه المبادرة تجاوبا من الإدارة الأمريكية، لفتح مجال فترة زمنية ولو محدودة، خاصة في ظروف الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كي يتم مناقشة هذه القضايا الاستراتيجية أكثر عمقا مع الإدارة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية.

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل