المحتوى الرئيسى

لماذا يعترض البعض على قوانين قد تنقذ حياتهم؟ - BBC News عربي

09/29 18:11

صدر الصورة، Alamy

قد يسهم ارتداء أحزمة الأمان والكمامات في إنقاذ حياة الكثيرين، لكن لماذا يرفض البعض الالتزام بها، بل وقد يحتج على القوانين التي تلزم الناس بارتدائها؟

تقول إحدى المحتجات على ارتداء أحزمة الأمان أثناء القيادة: "أنا أكرهها، ربما لأنني ملزمة بارتدائها، فأنا لا أريد شيئا أرغمت على ارتدائه".

في حين يرد رجل بجوارها: "أعتقد أنه سواء كنت رجلا أو امرأة، هي مسألة رفض للتسلط. فأنا مسؤول عن تصرفاتي ولا أحد يملي علي ما يجب أن أفعله".

هذا النوع من التبريرات قد سمعناه كثيرا في الآونة الأخيرة من محتجين رافضين لارتداء الكمامات في الأماكن العامة أثناء تفشي الوباء. ولا يكمن سبب اعتراض هؤلاء على ارتداء الكمامات في مجرد عدم الشعور بالراحة أو حتى التشكك في جدواها، لكنهم يعترضون على أن السلطات ترغمهم على ارتدائها.

غير أن هذين المحتجين لم يكونا غاضبين من القوانين التي تلزمهم بارتداء الكمامات في الأماكن العامة، لكنهما كانا يتحدثان عن فرض ارتداء أحزمة الأمان.

ففي عام 2008، أعدت وزارة النقل البريطانية تقريرا عن أسباب التزام البعض بارتداء أحزمة الأمان ورفض آخرين ارتدائها في السيارات. وقد أعلن هذان السائقان البريطانيان عن رفضهما ارتداء حزام الأمان في سيارتهما، رغم أن ارتداءه بات إلزاميا في المملكة المتحدة منذ عام 1983 للركاب في المقعدين الأماميين، ومنذ عام 1991 للركاب في المقعد الخلفي أيضا.

صدر الصورة، Alamy

وقد شبّه الكثيرون في الآونة الأخيرة الاحتاجاجات الأخيرة التي أثيرت ضد فرض ارتداء الكمامات، باحتجاحات شبيهة أثيرت ضد ارتداء أحزمة الأمان في أعقاب فرضها. واستشهد بها بعض المشاهير للإشارة إلى أن هناك دائما فئة من الرافضين الذين يجدون مبررات لعدم الالتزام بالقوانين. وأشارت الصحف إلى الاعتراضات التي أثيرت ضد فرض أحزمة الأمان لتفسير الأسباب التي تدعو الناس للاعتراض على تدابير قد تساعد في احتواء الوباء.

لكن فرض قوانين أحزمة الأمان كان أقل صرامة ووضوحا من فرض ارتداء الكمامات، إذ اتسم تطبيق قوانين أحزمة الأمان بالفوضوية والبطء وكان ينطوي على الكثير من التحديات.

لكن هناك الكثير من الدروس التي قد نستفيدها من دراسة تطبيق قوانين أحزمة الأمان وغيرها من تدابير الصحة العامة الجديدة، منها أسباب التفاوت في الالتزام بالقوانين من دولة لأخرى، واستعداد البعض لمعارضة تدابير صحية قد تنقذ حياتهم.

لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية أحزمة الأمان في السيارات، لكن قوانين فرض ارتداء أحزمة الأمان أثارت الكثير من المخاوف في البداية. وكان لكل من صناع السيارات وشركات التأمين وجهات إنفاذ القانون والسياسيين وسائقي السيارات أسبابهم الخاصة التي تدعوهم للقلق من هذه القوانين.

إذ كان مصنّعو السيارات يخشون من التكاليف التي قد يتحملونها جراء تطبيق هذه القوانين. وفي هذا الوقت كانوا يأملون ألا تصبح الوسائد الهوائية - التي كانت تنادي بفرضها بعض جماعات الضغط - إلزامية. إذ كان مؤيدو الوسائد الهوائية يخشون من أن يؤدي فرض ارتداء أحزمة الأمان إلى الحيلولة دون انتشار الوسائد الهوائية.

فقد كانت تكلفة تركيب وسادة هوائية واحدة في منتصف الثمانينيات قد تصل إلى 800 دولار، في حين أن تكاليف تركيب حزام الأمان في السيارة لا تتعدى بضعة دولارات. وإذا أصبح وجود وسائد هوائية إلزاميا في جميع السيارات بموجب القانون، سترفع المصانع أسعار السيارات لتعويض تكاليف تركيبها.

في حين كان سائقو السيارات أكثر قلقا بشأن راحتهم. وكشف استطلاع للرأي أن 86 في المئة من الأمريكيين يدركون أهمية أحزمة الأمان، في حين أن 41 في المئة فقط منهم كانوا يستخدمونها. وعارض 65 في المئة من الأمريكيين إلزامية وضع أحزمة الأمان لأسباب تتعلق براحتهم.

أما شركات التأمين فكانت تفضل الوسائد الهوائية، لأنها وسيلة آلية تسهم في إنقاذ حياة السائقين. ففي حالة وجود وسادة هوائية في السيارة، سيجبر السائق على استعمالها، ومن ثم تقلل الإصابات والوفيات من الحوادث، وبالتالي تقل التعويضات التي تدفعها الشركات لقاء الأضرار.

أما ضباط الشرطة فكانوا يرفضون إيقاف السيارات للتحقق من مدى التزام الركاب بالقانون الجديد، وكانت الوسائد الهوائية ستوفر عليهم هذا العناء.

وكانت ولاية نيويورك أول ولاية أمريكية تصدر قانونا يلزم ركاب المقاعد الأمامية بوضع أحزمة الأمان بدءا من شهر يناير/كانون الثاني 1985، أي بعد عامين من فرضه في المملكة المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا.

صدر الصورة، Getty Images

وقد فرضت بعض الدول ارتداء أحزمة الأمان على الركاب في المقاعد الخلفية بعد عقود من فرضها على الركاب في المقاعد الأمامية. ففي اليابان، أصبح ارتداء أحزمة الأمان في مقعد السائق إلزاميا في عام 1971، لكنه لم يصبح إلزاميا للركاب في المقاعد الخلفية إلا في عام 2008.

ووُضعت قوانين أحزمة الأمان في بعض الدول والولايات دون الأخرى، ولهذا كان من الممكن عندما تقود سيارتك في الولايات المتحدة، أن تضع حزام الأمان في بداية الرحلة ثم تخلعه أثناء الرحلة. ولا يوجد قانون حتى الآن في ولاية نيو هامشاير يلزم البالغين بارتداء أحزمة الأمان.

وقد طبقت قوانين أخرى بشأن الصحة العامة بأسلوب مثير للالتباس والحيرة. ففي الولايات المتحدة، لا توجد قوانين في ولايات إلينوي وإيوا ونيو هامشاير، تلزم قائدي الدراجات النارية، من أي مرحلة عمرية، بارتداء الخوذة، رغم أن الولايات المجاورة تلزم جميع قائدي الدراجات النارية بارتدائها.

وعندما وضعت ولاية إلينوي قانون أحزمة الأمان في عام 1985، كان عدم الالتزام بارتداء حزام الأمان يعد من المخالفات البسيطة التي يعاقب مرتكبها بغرامة لا تتعدى 25 دولارا، ما يعادل 50 دولارا الآن. وكان الهدف من هذه الغرامة البسيطة طمأنة سائقي السيارات أن القانون لن يطبق بصرامة.

وأعلن ضباط الشرطة على الملأ أنهم لن يحرروا مخالفات لسائقي السيارات الذين لا يرتدون أحزمة الأمان ما لم يرتكبوا مخالفات أخرى تستحق إيقافهم بسببها. ونص القانون على أن عدم الالتزام بارتداء حزام الأمان لا يعد من قبيل الإهمال. وبعبارة أخرى ستدفع شركة التأمين تعويضا للسائق إذا أصيب في حادثة بسبب عدم ارتداء الحزام.

ورغم ذلك، عندما اتُهم أربعة من سائقي السيارات بمخالفة القانون الجديد حاولوا الدفع بعدم دستوريته أمام المحكمة. وذلك لأنه في عام 1969 عندما أصدرت ولاية إلينوي القوانين التي تلزم قائدي الدراجات النارية بارتداء الخوذات، عدت محكمة النقض بالولاية هذا القانون تقييدا غير دستوري للحرية الشخصية. لكن في حالة سائقي السيارات الأربعة، رفضت المحكمة اعتراضهم.

لكن رغم الاحتجاجات ضد قوانين أحزمة الأمان، فقد التزم بها الكثيرون من الأمريكيين، حتى لو كان على مضض. إذ أشارت البيانات التي جمعها المسؤولون الفيدراليون بولاية نيويورك إلى أن 70 في المئة من سائقي المركبات في المقاعد الأمامية التزموا بالقانون بعد شهرين من إصداره، في حين التزم نحو 90 في المئة من سائقي المركبات في المقاعد الأمامية في المملكة المتحدة بعد نفس الفترة.

وسادت احتجاجات أقل في بلدان أخرى ضد قوانين أحزمة الأمان، لكن نسبة التزام المواطنين في هذه البلدان بارتداء أحزمة الأمان كانت أقل كثيرا مقارنة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

صدر الصورة، Alamy

خرجت مسيرات في دول عديدة احتجاجا على فرض ارتداء الكمامات، رغم الأدلة العلمية التي تثبت أن ارتداءها قد يبطئ انتشار كورونا المستجد

وفي أواخر الثمانينيات، سُجل في صربيا (يوغوسلافيا آنذاك) أعلى معدل وفيات جراء حوادث الطرق على مستوى أوروبا. ودخل قانون أحزمة الأمان حيز التنفيذ في صربيا في عام 1985، ونص القانون على غرامة باهظة تعادل 75 دولارا في حالة المخالفة. ورغم ذلك، نادرا ما يرتدي اليوغسلافيون أحزمة الأمان.

فمن الواضح أن حجم الاحتجاجات وعدد الاعتراضات القانونية لا يعكسان بالضرورة مدى الالتزام بالقانون أو القواعد الجديدة. وكشفت دراسات آنذاك أن سائقي المركبات والركاب في يوغوسلافيا كانوا عادة يضعون الأحزمة على أكتافهم ولا يربطونها. أي أنهم لم يكونوا يرتدونها لتحقيق الغاية منها، وبهذا كانوا يفلتون من الغرامات. وبما أن أحزمة الأمان يمكن ارتداؤها بشكل غير صحيح، فإنها إذا لا تمثل تقييدا على الحرية الشخصية.

وقد يكون الدرس الأهم المستفاد من المقارنة بين قوانين أحزمة الأمان وفرض الكمامات، هو أن حجم الاحتجاجات لا وزن له، وقد يكون نابعا من احترام الشعب في إحدى الدول للسلطة والقضاء، لكن العبرة بمدى التزام الناس بالقواعد والإرشادات بفعالية لتحقيق الهدف المرجو منها.

يبدو أن الكثيرين يرتدون الكمامات، إذ أشارت إحصاءات إلى أن 59 في المئة من الشعب الأمريكي يرتدون الكمامات، وترتفع هذه النسبة في ألمانيا وتقل نسبيا في فرنسا، وتبلغ في المملكة المتحدة 19 في المئة.

لكن ربما لا يرتدي جميع الناس الكمامات بشكل صحيح. إذ راقبت دراسة 12,000 شخص في منطقة ساو باولو بالبرازيل، وخلصت إلى أن نحو 30 في المئة منهم كانوا يرتدون الكمامات بشكل خاطئ، فقد كانوا يكشفون أنوفهم أو أفواههم وأنوفهم معا.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل