فسائل شجرة الشر

فسائل شجرة الشر

منذ 3 سنوات

فسائل شجرة الشر

مَنْ يقرأ بيانات المليشيات التابعة لإيران في العراق، التي تتبرأ من الهجمات ضد البعثات الأجنبية والقوات الأمريكية، سرعان ما يراوده الشعور بأن كائنات فضائية قادمة من كواكب أخرى، هي المسؤولة عن تلك الهجمات.\nما من فسل من فسائل هذه الشجرة المتعفنة بالفساد والجرائم والانتهاكات، إلا وندد بتلك الهجمات، حتى أن بعضها تجرأ بدعوة الأجهزة الأمنية إلى الضرب بيد من حديد على مرتكبيها، بينما طالب البعض الآخر بتشكيل لجان تحقيق. وليس مما يثير العجب، لو أنها قررت أن ترفع مطلبا إلى الأمم المتحدة من أجل مطاردة تلك الكائنات في الفضاء الخارجي، لكي تُبعد العراق عن أن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى "الغامضة" التي تخوض معاركها في هذا البلد.\nوتلك الجماعات، كما تشهد بيانتها هي، لا الوقائع ولا ما يعرفه العراقيون، تدعي أنها بريئة من كل شيء آخر. لا فساد، ولا أعمال خطف، ولا اغتيالات، ولا سجون سرية، ولا تعذيب لعشرات الآلاف من السجناء، ولا حرائق، ولا سبي نساء، ولا أي شيء آخر مما أغرق العراق بالمأساة الراهنة. ذلك أن هذه المليشيات المؤمنة بطهارة يد الولي الفقيه من دم العراقيين والإيرانيين على حد سواء، تؤمن أيضا بأنها تستطيع أن تفلت من العقاب مهما فعلت.\nولئن كانت تعتقد أنها تستطيع أن تستغبي الناس، فلأنها هي ذاتها من الغباء بحيث لا تعرف أن الناس يعرفون المقاصد المستجدة لتلك البيانات.\nهناك ثلاثة أسباب على الأقل تدفع فسائل الشر تلك إلى أن تُدلي بقولٍ مختلف.\nالأول، هو أن إيران تسعى إلى فتح أبواب المفاوضات مع الإدارة الأمريكية، قبل أو بعد الانتخابات. وهي تعرف أن الولايات المتحدة يمكن أن تضرب، ولكنها لا تتفاوض تحت التهديد. والأعمال الصبيانية التي تحرّض طهران مليشياتها على ارتكابها في العراق، ليست مما يصنع أي تأثير حقيقي على خيارات الولايات المتحدة أو استراتيجياتها. والرسائل التي تلقتها إيران في هذا الصدد، شديدة الوضوح أيضا.\nوالثاني، هو أن العراق مقبل على انتخابات برلمانية منتصف العام المقبل، وهو ما يعني أنها يجب أن تقدم وجها آخر، لا يبدو فاقع القبح، لكي تحفظ لنفسها الفرصة للفوز من جديد. وبياناتها الأخيرة في إدانة الهجمات على القوات الأمريكية، وأعمال الاغتيالات والترويع التي تمارسها "الكائنات الفضائية"، تعني أن هذه الفسائل تعتقد أنها عندما تنزع ثوب الجريمة الملوث بالدماء، وتلبس ثوب الطهارة، فإن الناس سوف يبرؤونها من كل ما فعلت.\nأما الثالث، فهو أن اقتصاد العراق الذي أقعدته تلك الفسائل "على الحديدة"، بما قامت به من أعمال فساد، لم يُبق متسعا للمزيد. وذلك بعد أن أدت إلى نهب وتهريب عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات على مر الأعوام الـ 17 الماضية. وهو ما يعني أن نوعا من "الهدنة" المؤقتة بات ضروريا ريثما يعود بعض الريش لينبت على أجنحة العراق قبل أن تعود لنتفه من جديد.\nالباطنية الصفوية التي تتخذ تلك الفسائل منها منهجا، في تدبير شؤون النفاق والخداع والدجل، تُجيز لها أن تقول شيئا وتفعل آخر. كما تُجيز لها أن تنحني للعاصفة. وذلك جزء من طبيعتها أصلا.\nوهذا هو ذاته سلوك الجمهورية الخمينية منذ أن قامت إلى يومنا هذا. فهي تميل إلى المهادنة وإظهار القدرة على المساومة وتقديم التنازلات الوهمية، عندما تضعف، قبل أن تعود لتمارس أعمال الشر ذاتها، بل أسوأ، عندما تشعر ببعض القوة.\nولقد تمكنت تلك الباطنية، من خداع إدارة الرئيس باراك أوباما، حتى انتهت إلى اتفاق نووي هزيل، وفر لإيران الفرصة لكي تتحول إلى قوة عدوان صريح، وأن تزرع فسائل الشر أينما أتيح لها.\nوفي الواقع، فإن ذلك لم يحدث إلا لأن إدارة الرئيس أوباما أرادت أن تنخدع، وقبلت عواقبه، وليس لأنها انخدعت بالكلام المدهون بزبدة العفن.\nوحتى يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فكل ما سوف يراه الناس من أعمال تلك الفسائل، هو أنها صارت تلبس ثوب الطهارة الدنِس، لينخدع به مَنْ شاء أن ينخدع.\nما هو واقعٌ على أي حال، إن "الكائنات الفضائية"، ستعود لممارسة ما دأبت عليه، عندما لا تنطلي الخدعة من جديد.

الخبر من المصدر