المحتوى الرئيسى

أمجاد يا عرب أمجاد

09/29 01:41

شببت فى زمن توهج الشعور القومى العربى فى أوجه وذروته، وإضافة إلى ما تلقيناه من دروس فى مناهج التاريخ لشحذ وعينا القومى واعتزازنا بعروبتنا وسلسلة الإنجازات والانتصارات القومية التى عاصرناها فى الخمسينيات وفى منتصف الستينيات من القرن الماضى منها تأميم قناة السويس، ودحر العدوان الثلاثى على مصر، والوحدة بين مصر وسوريا، وإفشال مشروع أيزنهاور، وسقوط حلف بغداد، وثورة العراق، وثورة اليمن، وثورة الجزائر، ورحيل القواعد العسكرية عن الأراضى العربية. وكان هناك دور حيوى للإعلام فى تعبئة الشعوب العربية تحت رايات القومية وكان طليعة هذا الجهد الإعلامى إذاعة «صوت العرب» التى كانت لسان حال القومية العربية.

ولعب الفن دوره التعبوى وأنشدنا وراء مطربينا وشعرائنا وملحنينا أناشيد كانت جزءا من حياتنا وأسهمت فى تكوين شخصياتنا وعقيدتنا، ولازالت كلمات بعض هذه الأناشيد راسخة فى نفسى وفى وجدانى تحرك مشاعرى ولا أقدر على الفكاك منها والكفر بكلماتها.

فأنا لازلت أهتز عندما أتذكر صوت فايدة كامل الحماسى وهى تنشد «أهـلا بالمجـد وبالكرم، والفتيـة من خـير الأمم، من شاطئ دجلة للهرم، ومغانى الأرز إلى الحرم، أكرم بالفصحى من رحم» كما أذكر بعين دامعة صوت كارم محمود الذى يذوب رقة فى أدائه العاطفى وهو يلهب حماسنا وهو ينشد «أجدادنا فخر الأجداد، أولادنا يا زين الأولاد، أمجاد يا عرب أمجاد» أو عبدالحليم حافظ وهو يغنى مع جوقة الفنانين فى نشيد الوطن الأكبر «وطنى يا زاحف لانتصاراتك ياللى حياة المجد حياتك».

أعترف بأننى أشعر بغصة شديدة عندما أستمع اليوم إلى هذه الأناشيد التى تغنينا بها فى زمن الحلم والأمل العربى عندما تذاع فى زمن الانكسار العربى الذى نسينا فيه الحلم ورضينا بما رأيناه واقع بائس صنع بأيدينا خاصة مع تعدد الأقلام والمنابر الإعلامية التى تزيد الواقع سوادا وتمسح الجراح بالملح الأجاج ويذيعون علينا قصيدة نزار قبانى «متى يعلنون وفاة العرب؟» لتزيدها التهابا وإيلاما ويستبدلون نشيد أمجاد يا عرب أمجاد بمناحة «أيها الراقدون تحت التراب».

لعل انتمائى لجيل بقدر ما شهد من انتصارات وبقدر ما شهد من انتكاسات وظل صامدا رافضا الانكسار، يجعلنى متشبثا بالأمل ورافضا للهزيمة واليأس. فلقد شهدنا فشل تجربة الوحدة مع سوريا سنة 1961، وشهدنا انتكاسة 1967، وشهدنا تخلى العرب عنا وإبعادنا عن الجامعة العربية سنة 1979، وشهدنا كارثة الغزو العراقى للكويت وتداعياته، وظللنا رغم هذه النكبات والجوائح صامدين مرفوعى الرأس عصيين على الانكسار.

لعل المراقب لحال العرب هذه الأيام خاصة الشباب، الذين لم يعاصروا أيام الصمود والتحدى، محبطين ولا يرون أمجادا ولا انتصارات فى العرب ولا يرونهم قادرين إلا على الإدانة والشجب وعاجزين عن ما هو أكثر من ذلك مستسلمين راضين بالدنية غير قادرين إلا على رفع الشعارات.

حتى لا يفقد جيل قادم الثقة فى تاريخه وفى قوميته وانتمائه، أقول لهذا الجيل أننا لو راجعنا التاريخ لوجدنا أكثر الشعوب نضالا وثورة هى الشعوب العربية، وقد ثارت وواجهت قوى تفوقها تفوقا هائلا يصعب على غيرهم أن يمتلكوا الشجاعة لمواجهتها.

لعل أول هذه الثورات فى العصر الحديث كانت ثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الجيش الفرنسى، حين وقف رجل الشارع القاهرى الأعزل غير المدرب أمام جنود أقوى جيوش العالم بعد أن هجر المماليك الميدان، إبراهيم باشا إلى الشام ومراد باشا إلى الصعيد.

ثار المصريون مرة أخرى بقيادة عرابى وضرب الأسطول البريطانى الإسكندرية ودكها دكا، واستمر المصريون يحاربون فى كفر الدوار والقصاصين والتل الكبير حتى خارت قواهم أمام جيش أكبر إمبراطورية شهدها التاريخ والتى كانت لا تغرب عنها الشمس.

ثم اتجهت الثورة جنوبا إلى السودان عندما ثار المهدى وحارب ضد الإنجليز لمدة قاربت العشرين سنة من عام 1881 إلى 1999 وانتصر عليهم فى عدة مراحل، ودخلت قواته الخرطوم وقامت قواته بقتل الحاكم العام الإنجليزى الجنرال جوردون إلا أنه عنف القوات على ذلك لأنه أراد أسره حيا ليبادله مع أحمد عرابى الذى أسره الإنجليز. ولعله من الجدير بالذكر أن الإنجليز الذين ادعوا أنهم فتحوا بلاد العالم وهم يحملون عبء الرجل الأبيض لنشر الحضارة والمدنية، قاموا بعد هزيمتهم لثورة المهدى ودخول الخرطوم بنبش قبر المهدى الذى كان قد توفى منذ عدة سنوات وإخراج رفاته وسحله فى شوارع الخرطوم وأخذوا جمجمته وأرسلوها إلى بريطانيا.

بعد ذلك امتدت الثورة غربا إلى ليبيا ليقف عمر المختار مع الثوار ضد الغزو الإيطالى، ويستمر فى حربه لأكثر من عشرين سنة منذ بداية الغزو فى عام 1911 إلى منتصف الثلاثينيات رغم استخدام الجيش الإيطالى لأحدث الأسلحة التى لم يسبق أن رآها الثوار، وأول استخدام للطائرات فى إسقاط القنابل فى التاريخ كان ضد ثوار ليبيا بواسطة الطائرات الإيطالية.

ثم يممت الثورة نحو الغرب أكثر ووقف عبدالكريم الخطابى فى المغرب ضد تحالف فرنسى أسبانى ونجح فى إقامة جمهورية الريف وعاصمتها أغادير فى الفترة من 1921 إلى 1926.

وكان للشرق نصيبه من الثورة منذ عام 1917 عندما تفجرت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين ضد العثمانيين ونجح الجيش العربى فى دخول دمشق وتحرير العقبة إلا أن التآمر البريطانى الفرنسى فى اتفاقية سايكس بيكو أجهض مشروع الدولة العربية المستقلة.

وشهد عام 1920 ومضتان للثورة. الأولى فى سوريا عندما وقف يوسف العظمة يقود الجيش العربى فى التصدى للجيش الفرنسى الذى أتى للاستيلاء على سوريا طبقا لبنود سايكس بيكو واستشهد فى معركة ميسلون، والومضة الثانية فى العراق عندما هب الشعب العراقى بمكوناته السنية والشيعية والكردية ضد النفوذ البريطانى وأخمد الإنجليز هذه الومضة فى مذبحة راح ضحيتها عشرون ألف عراقى، وكانت هذه المرة الأولى التى تستخدم فيها الغازات السامة قصفا من الجو.

تبع ذلك ثورة رشيد عالى الكيلانى عام 1941 فى العراق، ثم تصدى مصر للعدوان الثلاثى عام 1956، وثورة المليون شهيد فى الجزائر، وملحمة الصمود على قناة السويس فى مصر عام 1967 إلى 1973. ثم ملحمة انتفاضة الحجارة فى فلسطين عام 1987، وانتفاضة الأقصى عام 2000 عندما وقف الأطفال والعزل والمسلحون بالحجارة ضد الدبابات الإسرائيلية.

للأسف هذه الحقائق لا تدرس ضمن مقررات التاريخ فى المدارس العربية فيشب طلابنا وطالباتنا غير واعين بأننا شعوب مناضلة مكافحة، وصاروا ضحية سهلة لمن يروجون بأن العرب ظاهرة صوتية غير قادرين إلا على الخطابة والهتاف ليفقدوا الثقة فى هويتهم العربية ويسهل تطويعهم.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل