المحتوى الرئيسى

السلام عليكم

09/24 21:59

في اللحظة التي انسابت فيها السيارة التويوتا إلى داخل جراچ العمارة- تنفس الباشمهندس سمير الصعداء، غريب أن تنساب سيارة أليس كذلك؟ بلي، لكن كان هذا إحساس صاحبنا وسائقه يتزحلق على مهبط الجراچ بينما هو لا يكاد يصدق أن رحلته انتهت. ساعتان لا دقيقة أقل ولا دقيقة أزيد وهو محشور في الطريق من عمله في التجمع الخامس إلى مسكنه في الهرم، كان ماله مقر الدقي؟ هذا السؤال الخالد يكرره على نفسه من نحو عام عندما انتقل مقر شركته الكبيرة من الدقي إلى التجمع، الكل ينزح إلى التجمع الناس والنشاط والترفيه والأضواء حتى أنه عندما أبدى امتعاضه من الانتقال للمقر الجديد للشركة نظر له مديره في دهشة قائلا: ده إحنا آخر ناس ننقل، فعلاً لم يبق أحد خارج التجمع؟ ران صمت عجيب. قبل الانتقال أو التعسيف بلغة شباب هذه الأيام كان الطريق من الهرم للدقي يستغرق ما بين ثلث ساعة إلى نصف ساعة، الآن لا أفق زمنياً ولا توقعات، يبدأ الطريق ويصل حسب التساهيل. وليت الأمر اقتصر على ذلك، مع الكورونا يفضل سمير عدم تشغيل المكيف حتى لا يعيد تدوير الهواء في السيارة مختلطاً بأنفاس السائق، وهكذا اعتاد أن يقضي رحلته اليومية ووجهه خارج النافذة بحثاً عن نسمة .

ترك للسائق حقيبته الجلدية وكيس العنب وطار بالمصعد إلى شقته في الطابق الثالث، لو أن أحداً فتح رأسه في هذه اللحظة لوجدها مغمورة بماء الدش البارد يمسح كالطوفان آثار اليوم.. يوم الثلاثاء، تهكم على عمرو دياب الذي غنّي لهذا اليوم مع أنه يوم بلا معني، لا هو أول الأسبوع والطاقة مازالت في ذروتها ولا هو نهاية الأسبوع المشحونة ببرامج العطلة وفعل اللاشئ. من بعيد لبعيد التقط أشياءه من السائق وأكّد عليه ألا يتأخر غداً عن السابعة صباحًا، أبداً لم يتأخر السائق عن موعده وهذه إحدى فضائله القليلة لكن الباشمهندس ورث عن أمه الإلحاح على تأكيد المؤكد. لم تعد زوجته من العمل ولا الأولاد من المدرسة، هي إذن فرصة ليطيل الاستمتاع بالدش البارد إلى أقصيييييي مدى.. يا سلام آه يا سلام.. يا سلام ع الميه. قبل أن يغرق في شبر أو أشبار ميه، لو صح القول، تناهى إلى سمعه حوار يأتي من الشرفة، انتبه.. أصغي.. خاف. من خلف الستائر الشفافة والزجاج رأي عدة أشباح تتحرك.. خفق قلبه بشدة حتى تصور أن الجيران سيحتجون عليه ويطالبوه بأن يخفض صوت النبضات. تقدم خطوة خطوة وجسمه كله يرتعش، سورة الكرسي على لسانه والموبايل في يده استعدادا لطلب النجدة أما الماء الذي كان يملأ رأسه فقد جف تماماً فيما تراقصت عشرات الأفكار السوداء وذهبت في كل اتجاه.

وقف أمام الشرفة تماما فوجد رجلين يمسكان بفرشتين ويطليان الجدران باللون الأوف وايت بينما وقفت خارج الشرفة سقالة كأنها بساط الريح ينتظر أن يتما مهمتهما، كيف لم يدرك أن هذه السقالة التي شاهدها من قبل في الدور الثاني سوف تصعد إليه؟ في الحقيقة حتى لو أدرك ذلك ما كان له أن يتخيل هذا السيناريو.. السكان في الداخل وفي الشرفة عمال مجهولون. بعد أن امتص الصدمة واختلط عرق الإرهاق بعرَق الخوف كان أمامه إما أن يثور وينفعل أو يأخذ الموقف بروح فكاهية، لم يحب أن يشق العرَق مجرى جديداً على جبينه بسبب الانفعال وقرر أن يتعامل مع الموقف كأنه مزحة. أزاح الستائر الشفافة ورسم ابتسامة عريضة على شفتيه: السلام عليكم منورين يا رجالة! تهتهات كثيرة واعتذارات وأسَف لاقتحام بيته بدون استئذان، لكن لابد مما ليس منه بد، هما ضيفاه وهو شخص كريم وربنا موسعها عليه. شايكم إيه يا رجالة؟ لم يترددا في قبول الدعوة وإن هي إلا لحظات وكان أمامهما كوبان من الشاي الأسود الممزوج بالنعناع وإلى جانبه بعض البسكويت، لكن ماذا بعد؟ بالتأكيد لن يستطيع أن يأخذ الدش الذي حلم به طيلة ساعتين كاملتين، ولابد من التمهيد لزوجته والأولاد منعاً لأي إحراج، انتحى جانباً ونجح في امتصاص ثورة زوجته بعد لأي وفِي الحقيقة معذورة. لكنه هو المحشور بين شقين فراح يدعوها لأن تنظر لنصف الكوب الملآن عندما تنتهي عملية الطلاء وتصبح الشرفة زي الفل كيوم اشتريا الشقة بالضبط، أما عندما ينتهي طلاء واجهة العمارة بالكامل ثم واجهات كل العمارات القديمة المجاورة فسوف تحدث نقلة حضارية لمئات الأسر في شارع الهرم الرئيسي .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل