المحتوى الرئيسى

لماذا تكتب نساء بأسماء رجالية مستعارة؟

09/19 07:37

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

احتفالا بمرور 25 عاما على إعلان جائزة المرأة للخيال، أطلقت حملة بعنوان "استعادة اسمها"، أعيد فيها نشر 25 كتابا ألفته نساء بأسماء رجالية مستعارة، ولكن هذه المرة وضعت أسماؤهن الحقيقية، وكان شعار الحملة "وأخيرا مُنحت الكاتبات الاعتراف الذي يستحقنّه".

كانت تلك مبادرة لطيفة، وأي شيء يجذب الانتباه لمجموعة واسعة من أعمال الكاتبات على مدى التاريخ هو أمر مرحب به. ولكن تلك الحملة تسبب في غضب مستخدمي الإنترنت الذين أفزعهم هذا المشروع النسوي، الذي قرر إنهاء خيارات تعمّدتها الكاتبات.

مسألة الاسم المستعار معقّدة للغاية، فهو يستخدم للتحايل على التوقعات الاجتماعية المرتبطة بكون الشخص ذكرا أو أنثى، لكنه يُستخدم أيضا لإخفاء الهوية والجندر، ولاختلاق شخصية عامة، والتقرب أو الابتعاد عن التراث العرقي للكاتب.

وقد أساءت الحملة لنفسها بسبب ارتكابها عدة أخطاء طائشة وخيارات لا يصدّق أنها أقدمت عليها.

فمثلا، وضعت بالخطأ صورة مرافقة لسيرة الناشط في مجال حق الإجهاض، مارتن ر ديلاني، والتي كتبتها فرانسيس ويبر، وهي لشخص آخر هو فريدريك دوغلاس.

كما قيل إن إحدى القصص قد ألفتها الكاتبة الإنجليزية-الصينية، إيديث مودي إيتون، وجلب ذلك انتقاد الأكاديمي الوحيد الذي خّمن أن تكون هي كاتبة القصة، وقال إن الأمر لا يزال في مرحلة التكهنات غير المؤكدة. وأضاف أن الحملة استخدمت اسم " إيتون" رغم أنها اختارات عمدا أن تنشر مستخدمة اسما صينيا هو سو سن فار.

كما طلب المشرفون من ن.ك.جيميسن أن تتبرع بإحدى قفصها مجانا، وهي التي تكتب مستخدمة الأحرف الأولى من اسمها لتفرق بين كتاباتها الأكاديمية وكتاباتها الخيالية دون وجود سبب يتعلق بكونها امرأة.

ورغم أن اسم المشروع "استعادة اسمها"، فإنهم لم يتمكنوا حتى من القيام بذلك: فمثلا كتبوا اسم الشاعرة كاثرين برادلي بطريقة خاطئة.

ولكن ساد هناك أيضا قلق عام سببه أن هذا المشروع يدعم عددا من الأساطير القائلة إن النساء على مدى التاريخ عانين لكي ينشرن كتاباتهنّ، وأنه كان بإمكانهنّ النجاح فقط عند الاختباء وراء اسم مذكّر، وأن الكشف عن أسمائهن "الحقيقية" أمر وضعهم تحت الأضواء بشكل رائع.

نعم، هناك حالات كانت فيها هذه الأمور صحيحة في أزمنة مختلفة، وبلاد مختلفة، وبالنسبة لنساء من أعراق مختلفة وطبقات اجتماعية مختلفة، فالتمييز ضد النساء زاد حتما من نضالهن لكي تُسمع أصواتهن.

حتى أن أكثر الكاتبات نجاحا في هذا القرن، ج.ك رولنغ، استخدمت اسما لا يشير إلى جنسها كي تتأكد أن كتابها هاري بوتر سيعجب القرّاء الصبيان أيضا، كما استخدمت لاحقا اسما اخترعته هو روبرت غالبريث لكي تكتب روايات خيالية عن جرائم.

لكن حتى مثل هذا المثال المعاصر ينجح في إظهار مدى صعوبة موضوع الاسم المستعار: فخيارات رولينغ لم يكن دافعها الوحيد هو التمييز ضدها كامرأة، بل بسبب رغبتها بأن تخفي هويتها وتخلق هوية جديدة.

وغالبا هذا ما تكون عليه الأمور - نادرا ما يكون الموضوع أن التمييز ضد المرأة يجعلها تختفي خلف اسم مستعار.

فعلى العكس من ذلك، إن افتراض ذلك يؤدي في الواقع إلى استمرار أفكار غامضة ومشوشة تفترض أنه، تاريخيا، تمكن عدد قليل من النساء من تجاوز تلك العقبات من خلال التظاهر بأنهن رجالا.

نظامنا التعليمي ملام جزئيا على هذا؛ فالمناهج المصممة من قبل الرجال ركزت على الرجال منذ بداية فن الرواية في القرن الثامن عشر.

ويقول الأستاذ الجامعي د.سام هرست: "في الواقع، هناك عدد كبير من النساء اللواتي لعبن دورا مهما جدا في تطور الرواية. أما عند إعادة إنتاج هذه السرديات - القائلة إن المرأة لا يمكن لها أن تنشر ما لم تستخدم اسم رجل - يعني إلغاء وجود كل هؤلاء النساء. ويعني تعزيز هذه الأفكار الأبوية والكارهة للنساء".

نشرت النساء كتاباتهن تحت أسماء وهمية وأيضا بأسمائهن الحقيقية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وفي الواقع، كانت حقيقة أن كتابا "كتبته سيدة" تزيد من فرص بيعه، حتى أن بعض الكتاب الرجال اعتمد على هذه الحيلة.

ووفقا لبحث الأكاديمي جيمس ريفن، فإن ثلث الرويات المنشورة عام 1785 قيل إن " سيدة كتبتها".

إن الكتابة مع إخفاء الهوية تعني أنه كان من الصعب معرفة عدد الكتاب الذكور والإناث، ويُعتقد أن بعض الرجال أصبح يعتمد جملة "كتبته سيدة" كحيلة ترويجية لبيع الكتاب، لأن ذلك يشير إلى أن الموضوع مهم للقارئات، خاصة وأن النساء كن أكثر المشتريات للكتب.

ارتبط تجاهل نجاح النساء في تلك الفترة بطبيعة النوع الأدبي الذي كان سائدا. ففي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، انتشرت الروايات القوطية بشكل هائل (وهي روايات فيها أجواء الغموض والرعب)، وغالبا ما كانت تربط بالنساء.

وسيطرت الكاتبات على هذه الصناعة، إذ حطمت آن رادكليف أرقاما قياسية عندما طبعت روايتها (The Mysteries of Udolpho) عدة مرات.

كانت واحدة من عدد لا يحصى من "النساء اللاتي يخربشن" واللاتي يكسبن المال بهذه الطريقة - هناك أيضا ماري روبنسون، وكلارا ريف، وشارلوت داكر، وإليزا بارسنز، وتشارلوت سميث، وبالطبع ماري شيلي.

بالطبع هناك تمييز مستمر ضد النساء: فالرواية - سواء أكتبها رجل أو امرأة - كان ينظر لها غالبا على أنها تافهة، والرواية القوطية تحديدا كان يستهزأ بها وتعتبر أنها مشوشة للنساء.

ويقول الأستاذ هرست: "أحد أسباب تحدثنا عن الرجال كمحور لتاريخ الرواية هو أن الرواية القوطية تم تجاهلها بالكامل".

ومنذ السبعينيات، بذلت جهود كبيرة من قبل أكاديميين وناشرين لتفحص أعمال الكاتبات، بداء من إليزا هايوود، مروروا بفرانسيس برني، ومارغريت أوليفنت - لذا فإنه وبعد نصف قرن ليس من المفيد الاستمرار بترديد أسطورة أن النساء لم يكتبن باستخدام أسمائهن الحقيقية.

ومع ذلك، يقر الأستاذ هرست أنه في القرن التاسع عشر، حاولت بعض الكاتبات إبعاد أنفسهن هن الروايات "الشعبوية" و"الرديئة" من خلال استخدام أسماء رجالية مستعارة.

وجورج إليوت اسم يستخدمه كثيرون كدليل على أن شخاص ما "أجبر" على النشر بصفة رجل كي يؤخذ على محمل الجد.

لكن في بداية الأمر، وكما تشرح روزماري بودنايمر، وهي كاتبة لسيرة إليوت وأستاذة فخرية في جامعة بوسطن، فإن أليوت كانت تخفي هويتها بسبب علاقتها غير العادية.

ففي عام 1854، هربت أليوت إلى ألمانيا مع جورج هنري لويس، الذي كان في علاقة زواج مفتوحة مع امرأة أخرى. اختارت أليوت اسما تكتب به لأنها أرادت أن يحكم على عملها من دون "الفضيحة الجنسية" المرافقة لها لكونها "امرأة ساقطة".

ولكن كانت هناك أسباب أخرى عادية، كما تضيف بودنايمر.

فحتى أليوت كانت قلقة من فكرة أن كتاباتها لم تكن جيدة ما فيه الكفاية، لذا فإن الاسم المستعار سيحفظ ماء وجهها. إضافة إلى ذلك، كان ذلك عرفا سائدا؛ فأثناء عملها كصحفية كانت مقالاتها تنشر غالبا باسم مستعار أو تخفى فيه هويتها.

ومن الجدير بالذكر أنه - وهذا حال معظم الكاتبات الاتي شملهن مشروع "استعادة اسمها" - فإن هوية إليوت كشفت للعلن فورا.

فروايتها الأولى، آدام بيد حققت نجاحا كبيرا وكان عليها أن تدحض أقوال آخرين زعموا أنهم مؤلفو العمل. إذا، لماذا علقنا مع إليوت هنا؟

تقول روزماري بودنايمر: "إن الاسم المستعار أصبح علامتها التجارية، وجزءا مهما من ثقتها بنفسها ككاتبة". وأيضا، إلى ماذا ستغيره؟

إن المشكلة التي يواجهها أي باحث يتمنى أن يعيد للكاتبة اسمها هي أن أسماء النساء غالبا ما تتغير عند الزواج. وفي حالة إليوت، تضاعف الأمر بسبب عبثها: اسمها عند التعميد كان ماري آنا إيفانز، ثم تغير إلى ماري آن إيفانز (1837)، ثم ماري أيفانز (1851)، ثم ماريان إيفانز لويس (1854)، وماري آن كروس (1880). ترافق كل تغيير مع "توثيق مرحلة جديدة من حياتها"، كما تقول بودنايمر التي تعتقد أن اختراع أسماء لها كان يحمل أهمية رمزية لإليوت.

وهناك مجموعة الكاتبات اللاتي ترددن في العودة إلى "أسماءهن عندما كن طفلات" لسبب آخر: إن استخدام اسم رجالي للكتابة ينسجم على نحو جيد مع هويتهن الكويريّة (أي انتمائهن لمجتمع الميم).

فعلى سبيل المثال هناك فيرنون لي، المولودة باسم فيوليت باجيت، وهي كاتبة قصص عن الأشباح والنقد الثقافي. كانت قد أعلنت عن مثليتها الجنسية - داخل دوائر معيّنة على الأقل - وكانت قد دخلت في علاقات رومانسية مع عدد من الكاتبات. كتبت لي في عام 1875 أن اسمها المستعار "له ميزة تركك محتارا ما إذا كان الكاتب رجلاً أم امرأة".

وعام 1875، كتبت أن الاسم المستعار "يمتلك ميزة أنه يُترك غير محدد فلا يعرف ما إذا كان الكاتب رجل أو امرأة".

وتقول د.آنا باريجو فاديلو، المحاضرة في الأدب الفكتوري في جامعة بيربيك: "ذاك الإحساس بأن تكوني حرة من تحديد الجندر وتحديد الجنس في مرحلة زمنية كانت فيها مثل هذه التصنيفات ثابتة بشدة في العقول، كان أمرا مهما جدا بالنسبة لها".

وعلى عكس من يستخدم الاسم المستعار لإخفاء الهوية، استخدمت لي ذلك لتخلق هوية جديدة: استخدمت اسمها الجديد فيرنون لي في كل نواحي حياتها، رافضة الثنائية الجندرية (رجل/امرأة)، ثم بدأت بعد ذلك بارتداء ثياب لم تكن رجالية ولا نسائية.

لذا تقول فاديلو إنه لا يوجد اسم مستعار هنا "الجميع عرف أنها امرأة رغم أنه كان يعتقد غالبا أنها تمتلك ذكاء 'ذكر'".

حتى أن عشاقها سموها فيرنون - وليس فيوليت.

إن ابتكار اسم "فيرنون لي" هو بحد ذاته عم خلّاق بحد ذاته، فهو يجمع بين هويتها كمؤلفة وبين هويتها الكويرية. فكما تقول فاديلو "إن إعادة استخدام اسم (الولادة) فيوليت باغيت يجردها من هويتها الكويرية".

ومن المدهش أن هذا الأمر لم يحدث فقط مع الكاتبة لي، ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، نلاحظ وجود عدد من الكاتبات المثليات اللاتي غيرن أسماءهن مثل رادكليف هول، وجورج ساند، وفيتا ساكفل وست التي نشرت مستخدمة اسما من حرف واحد: ف (V).

هناك ثنائي مثليّ من الفترة الفكتورية هما كاثرين برادلي وإيديث كوبر، وقد اتخذتا خطوة أبعد من ذلك عندما نشرتا أعمالهما المشتركة تحت اسم مايكل فيلد.

وهكذا نرى مرة أخرى أن الحدود وهمية بين الحياة والفن.

تقول فاديلو: "أصبحتا فعلا مايكل فيلد. كتب لهما أصدقاؤهما باستخدام 'عزيزي مايكل' عند الإشارة إلى برادلي أو 'عزيزي فيلد' عند الإشارة إلى كوبر. أو مثلا أو 'دعوة مايكل فيلد' إلى حفلتي".

وقد يكون سبب اختراع هذه الشخصية هو المرح ببساطة، بدلا من تبني شخصية امرأتين مقموعتين.

تضيف فاديلو: "الأسماء تعطي احتمالات وحريات، مكانا للاختراع.. إنه عمل فني أن تخلق شخصيتك كمؤلف".

ووفقا للقصة فإن كتاباتهما بقيت تؤخذ على محمل الجد حتى قام الشاعر، روبرت بروننغ، بتسريب الحقيقة إلى الصحافة.

تقول فاديلو: "لم يكن هناك شيئا مشابها في تاريخ الأدب"، فردة الفعل الرافضة كانت "غالبا ضد طبيعة التعاون بينهما وأيضا بسبب حقيقة كونهما خالة وابنة أختها".

كما تأثر خيار الاسم المستعار بعرق الكاتبة.

إن الافتراض السائد هو أن الاسم المستعار كان ضرورة لكي يساعد الكتّاب الملونين على أن يعتقد أنهم أصحاب بشرة بيضاء بالتالي تنشر أعمالهم. لكن مثالا عن آن بيتري، الكاتبة الإفريقية-الأمريكية، والتي طبعت قصتها القصيرة Marie of the Cabin Club باسم أرنولد بيتري عام 1939، يكشف عن قصة مختلفة.

يشرح جين غاريت، أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة نيويورك: "بحكم طبيعتها كشخص كتوم فإنها استخدمت اسما مستعارا هو أرنولد بيتري لتتفادى اهتمام الأصدقاء والمعارف بها فهذا أمر غير مرغوب بالنسبة لها".

لكن بيتري شعرت بعدها بالارتياح في نشر القصص، لذا ومع عام 1946 استطاعت أن تنعم بالشهرة مع نشر روايتها الأولى The Street باسمها الحقيقي.

ويالها من شهرة: أحدثت هذا الرواية ضجة كبيرة، وكانت أول رواية تكتبها امرأة أفريقية-أمريكية تبع أكثر من مليون نسخة.

رغم أنه من السذاجة القول إن كونها امرأة ملونة لم يجلب لها تحديات ككاتبة في الأربعينيات من القرن الماضي، لكن ليس من الضروري أن ذلك قد أثر على مبيعاتها التجارية. فغاريت يعتقد أن الكتب التي ألفها كتاب أفارقة-أمريكان "ألهم القراء لأن يأخذوا بجدية تصويرهم الفني للعلاقات بين الأعراق".

لكنه يشير إلى أن استخدام أسماء مستعارة أو النشر بلا اسم في تلك الفترة كان "أكثر شيوعا مما قد يظنه المرء" من قبل كتاب سود في أمريكا سواء أكانوا رجالا أن نساء.

لم يكن الأمر يتعلق بإخفاء الهوية، بل لإكمالها. ومرة أخرى الجنس الأدبي هو الأساس هنا.

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل