المحتوى الرئيسى

السلام والتحديات المشتركة

09/17 22:14

تحقيق السلام غاية ما بعدها غاية، ولو عرف المرء القيمة الحقيقية للسلام لقال مباشرة ودون تردد، لماذا تأخرنا كل هذه العقود عن تحقيقه؟ سؤال سيطرحه بالتأكيد استدراكا لكل الدمار والضحايا والأموال المهدورة التي أهدرت في الحروب والصراعات التي نشبت في منطقتنا. وعليه فإن التحدي الأكبر الذي يواجه منطقتنا بعد اليوم، هو كيفية تحويل معاهدات السلام التي وقعت والتي ستوقع لاحقا إلى سلام حقيقي في المنطقة، فالقضية هنا ليست توقيع معاهدات سلام بحد ذاتها بل خلق سلام حقيقي بين الشعوب من خلال رسم تاريخ جديد، وهو ما يطرح السؤال التالي: مالذي يجب أن يتغير في المنطقة بعد التوقيع على معاهدات السلام ؟. بداية، لا بد من القول لأصحاب الطموحات الإمبراطورية المدفونة في التاريح وتوابعهم من أصحاب الخطابات الرنانة والأيديولوجيات الكلية، إن وضع معاهدات السلام في إطار الأهداف الانتخابية والسياسية لكل من دونالد ترامب وبنيامين نتيناهو ليس إلا قصر نظر سياسي، وعدم إدراك لقيمة السلام، فالسلام بات استحقاقا للجميع، ويتطلب من الجميع تقديم تنازلات، وإجراء تحولات عميقة بحثا عن المستقبل، لا البقاء لعقود أخرى في صراع وصل إلى طريق مسدود، وإن أي مقاربة قديمة له ستكون أثارها كارثية تفوق ما حدث خلال العقود الماضية. وعليه، فإن السلام هو امتحان المصير للجميع دون أن يعني التنازل عن الحقوق، كل ذلك في إطار رؤية حقيقية تقوم على الاعتراف بالآخر وحقوقه والتعايش السلمي والتعاون والتكامل في الاقتصاد والسياسة والأمن.

لعل من شأن معاهدات السلام التي وقعت قديما وحديثا، المساهمة في إيصال قوى سياسية تؤمن بهذه الحقوق، من خلال إحداث تغيير فكري وثقافي في البنية السياسية التي أوجدتها قوى اليمين المتطرف والأيديولوجي. وكي يصبح السلام حقيقيا، ينبغي على إسرائيل اتخاذ اجراءات وخطوات حقيقية تمس حياة الفلسطينيين، ولاسيما في مجال وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى وتسهيل حياة الفلسطينيين، فمثل هذه الخطوات كفيلة بتأسيس الثقة والانتقال إلى مرحلة جديدة.

في المقابل، ثمة تحديات كبيرة يواجهها الفلسطينيون من أجل تحقيق السلام ونيل الحقوق، ولعل من أهم هذه التحديات، الكف عن جعل القضية الفلسطينية قضية أجندة إقليمية لهذه الدول أو تلك ولاسيما تركيا وإيران، خاصة وأن هذه الدول أدمنت على استغلال القضية الفلسطينية لأسباب داخلية لها علاقة بالسلطة، وأخرى خارجية لها علاقة بمشاريع الهيمنة والتوسع والسيطرة. والتحدي الثاني يكمن في كيفية وضع نهاية لثقافة التطرف والعنف والتعليب الأيديولوجي، لأن مثل هذه الثقافة لن تجلب سوى المزيد من الدمار في وقت تغيرت فيه الظروف والحقائق والمعطيات، والتحدي هنا لا يتعلق بالموقف الفلسطيني من إسرائيل فحسب، بل بالبيت الداخلي الفلسطيني نفسه، بفعل الانقسام والصراع والاصطفاف الذي نخر فيه و وصل إلى العظم، في وقت بات الاقتصاد الفلسطيني مرتبطا إن لم نقل جزءا من الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما يجب أن يدركه الفلسطينيون لأن المسألة تعني مستقبلهم، وغير ذلك يعني الموت على أبواب الشعارات والخطابات والأيديولوجيات التي تجاوزها الزمن.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل