المحتوى الرئيسى

وحيد حامد.. مايسترو العلامات الفارقة فى الإبداع

09/15 19:49

وحيد حامد... المتميّز بالدقة البالغة عند كتابة السيناريو، المبحر بانسيابية بين ثنايا الفكرة؛ راسمًا لوحات إبداعية تخوض بمجاديف التبصير والتدبير فى القضايا السياسية والأجتماعية؛ بشخصيات مفعمة بالحيوية والتمرّد،؛ ممسكًا باقتدار بتلابيب الأساليب السردية بمنتهى الذكاء والتفرد. ويتعدى ذلك عند اقترابه من عالم الروايات فيعطيها من روحه رؤية جديدة بدون إخلال بالرواية الأصلية؛ أنه خالق عالمه الخاص الجامع بين أساليب عدة بحبكة سحرية لا يقدمها سواه؛ فى عوالم إنسانية متفردة، مهما تباعدت طبيعتها إلا أنها تعبر عن جانب وفكر وتميّز إنسانى تتوق إليه الأنفس. وحيد يكرمه القاهرة السينمائى فى دورته القادمة عن مجمل أعماله.

فى عالم وحيد السينمائى المشهد الأخير جمع كل الخطوط التى زُرعت بين أحداثه ويحكم إغلاقها، حتى وإن ترك خطوطًا مفتوحة لتثير التساؤلات لدى المشاهد؛ تذكر معى مشاهد النهاية فى طيور الظلام؛ الإرهاب والكباب؛ اللعب مع الكبار؛ والإنسان يعيش مرتين. ولكن لا تنس أن تتوقف كثيرًا أمام مشهد النهاية فى (البرىء)، حيث ينتهى الفيلم بطريقه غير التى تم اقتطاعها لتكون نهاية الفيلم وهى حالة من الثورة تصدر عن أحمد سبع الليل رضوان الفولى عندما يرى مجموعة معتقلين جدد تدخل إلى قلب المعتقل، فلا يستطيع التحكم فى أعصابه ويرى أن الحل الأمثل هو إطلاق النار بشكل عشوائى على الجميع حتى زملائه من صغار المجندين ويترك السلاح من يده ليمسك بالناى ليعزف كما اعتاد قديمًا، ويموت فى هذا المشهد جميع من بالمعتقل إلا مجندًا واحدًا يقوم بإطلاق الرصاص على أحمد سبع الليل فيسقط الناى بجوار السلاح، ويبدأ صوت العبقرى عمار الشريعى ليشدو:

يا قبضتى دقى على الجدار.. لحد ما ليلنا ما يتولد له نهار.. يا قبضتى دقى على الحجر.. لحد ما تصحى جميع البشر؛ مع صوت أشبه بمارش عسكرى وهمهمة تصاحب خطوات المجند قاتل أحمد سبع الليل مبتعدًا.

كل الموضوعات، والأطروحات الإبداعية لديه مهما كانت بسيطًة، لابد أن يصل بها إلى حد محدد يريد توصيله إليك؛ وكل عنصر فى السيناريو مهما كان غير ملحوظ، لابد أن يحصد الدوافع التى من أجلها خلق التناغم بين الشخصيات؛ كما نرى فى محامى خلع؛ وأنا وأنت وساعات السفر؛ وفيلمه كل هذا الحب،

إنه المتفرد والمغرد فى تناوله الفكرة وفى كيفية ابتكار الشخصيات والأحداث التى تناسب هذه الفكرة، فكل شخصية لها مدلولها وحاجتها الدرامية التى يريد أن يحكيها؛ كما فى فيلم (قط وفار)، فشخصية حمادة الفار (محمد فراج) الذى يعمل كعامل نظافة بمؤسسة الأهرام يعيش صراعًا محمومًا مع وزير الداخلية (محمود حميدة) بكل السلطة التى يملكها؛ فحمادة شاب طيب وفقير وخجول فى علاقاته الاجتماعية، ولا يستطيع أن يعبر عن حبه للفتاة التى يحبها، وعلى مستوى آخر يعانى من إحراج أهل الحارة له نظرًا لجمال أمه وزواجها الكثير ورغبة أهل الحارة بها.

إنه المتمكن من توليد الصراع والعقبات التى تعترض طريق الشخصية، من عقبات خارجية وأخرى تخاطب مخاوفه الداخلية وتدفعه لأن يتراجع عند كل لحظة يقابل فيها عقبة معينة؛ كما فى فيلم «الوعد»، فالفيلم يُحلل

حياة وحيد حامد الإبداعية بها لحظة عديدة فارقة فى تاريخه الفنى ولكن نقطة التحول التى غيرت مسار حياته كانت فى «طائر الليل الحزين»، المسلسل الإذاعى الذى أدى فيه «عادل إمام» دور «عادل عزام» الذى ينجح فى الهرب من سجنه بعد الحكم عليه بالإعدام، من أجل إثبات براءته، ويلجأ إلى منزل رئيس المباحث «حازم» من أجل إثبات براءته، ليحقق المسلسل نجاحًا كبيرًا بنجومه فردوس عبدالحميد وسعد أردش، والمخرج مصطفى أبوحطب. وفى الحلقة السابعة وجد المنتج يبحث عن المؤلف ليتعاقد معه على أخذ حقوق الملكية الفكرية للمسلسل ليدفعه لأحد كتاب السينما المحترفين؛ فقرر وحيد حامد كتابة سيناريو الفيلم وليس بيع حق الانتفاع بالقصة وعكف ١٥ يومًا على قراءة كيف يكتب السيناريو السينمائى، فقرأ نماذج من عدة أعمال سينمائية أخرى؛ بطولة الفيلم لمحمود عبدالعزيز وشاركه البطولة كل من النجمة «نيللي» والراحل محمود مرسى والفنانة الراحلة «شويكار» والنجمة الراحلة مريم فخر الدين. ونجح الفيلم نجاحًا كبيرًا ولم يتم تعديل أى سطر من السيناريو وهذا ما يحدث مع أعماله دومًا.

وحيد حامد يكتب ما يؤمن به، لا فرق بين ما يطرحه فى مقالة عن ما يكتبه فى السيناريو عن ما يدور فى مخيلته ويجيش به صدره؛ إنه الراصد الكاشف لمن هتفوا وغنوا لمبارك وأنهم الذين سخطوا عليه ولعنوه بعد أن غاب عنهم، إنهم رقصوا أمامه ومدحوه شعرًا ونثرًا، ومع قدوم جماعة الإخوان صاروا جميعًا من الإخوان وتغيرت أشكالهم ولغتهم ورحبوا بالفاشية الدينية وزعموا أنها طوق النجاة الذى ترجوه البلاد، كانوا الدعاة والرعاة والداعمين لهذا الحكم الجاهل المتخلف، ومع قيام ثورة 30 يونيه كانوا أول من رقصوا فى أفراح رحيلهم؛ وما طيور الظلام الذى كتبه وحيد حامد بعد خلافاته مع أحد محامى الجماعات الإسلامية الشهير وأحد كبار قادتها حيث أفرد شخصية مثل التى قدمها رياض الخولى المحامى الملاكى للجماعات الإسلامية المتشددة؛ واستكمل هجومه عليهم من خلال مسلسل الجماعة بجزءيه الأول والثانى وقريبًا يستكمل بالثالث. جميعنا لا ننسى مقولته: «لهذا خلق الله الندم»، تلك المقولة التى اختتم بها وحيد حامد الجزء الأول من رائعته «الجماعة»، التى قيلت على لسان حسن البنا، فى الجماعة اكتشفنا الوجه القبيح لهذا التنظيم لكونه يستخدم الوثائق والدلائل التاريخية فى الفترة التى تلت اغتيال مؤسس جماعة

وحيد حامد الذى تربى على أن الخوف يجفف اللبن فى الضروع؛ فعندما كان طفلًا «حرنت» البقرة التى كانوا يملكونها وجف لبنها وحرموا من نعمة الله، صاحت أمه- رحمة الله عليها- فى غضب.

يقول وحيد حامد ارتجفنا.. عجزنا عن النطق.. قالت

من جديد: لقد أخفتم البقرة فجف لبنها يا كلاب..!

وكانت هذه حقيقة؛ فقد ركبنا البقرة نحن- الصغار- على الطريق، وكأننا فى سباق.. خافت المسكينة فجف لبنها.. عندئذ علمت أن الخوف يجفف اللبن فى الضروع، ويمنع البذور من أن تنبت، والطيور من أن تغرد.. تعلمت أن الخوف مانع للخير، مانع للحب، مانع للأمان مانع للمحبة والألفة والوئام.. الخوف قاتل للبهجة وعدو الفرحة...

ترجم وحيد حامد هذا الموقف من الخوف وتأثيره فى تفاصيل فيلم «النوم فى العسل»، حيث يقدم عادل إمام فى دور رئيس مباحث القاهرة الذى يكتشف وباء يسبب العجز الجنسى للرجال، ويعانى هو نفسه من هذا الوباء. وتحاول الحكومة إخفاء الأمر تمامًا خوفًا من مجابهة المشكلة. ويرفض مجلس الشعب ووزارة الصحة التحقيق فيه.

وكذلك لم يكن غريبًا أن تراه يكتب بكل حرفية فيلم سوق المتعة، طارحًا شخصية أحمد حبيب الذى يخرج من السجن شخصًا غريب الأطوار، يميل دائمًا إلى ممارسة هواياته العجيبة بمتعة لا مثيل لها، مثل تنظيف دورات المياه، والحنين دومًا إلى رفقاء السجن، وتتحقق له تلك الرغبات جميعًا وغيرها عندما يلتقى فى حمام شعبى زعيم العصابة، حيث يفاجئه أنه باستثمار سنوات سجنه يتضح أن له مكافأة تقدر بسبعة ملايين جنيه!، ولكن بشرط واحد مرتبط ببقائه على قيد الحياة، وهو عدم التفكير حتى فى السؤال عما يخص تلك العصابة. يبدأ أحمد حبيب فى التعويض عما فاته من سنى عمره المُهدرة، بالاستمتاع بكل ملذات الحياة، حتى يدرك أحمد فى النهاية أنه غريب عن المجتمع الذى يحيا فيه بجسده فقط، فيقرر الخروج عن المحظور ويفتح على نفسه أبواب جهنم بطلبه مقابلة كبير العصابة التى حولته إلى تلك الصورة الحيوانية.

وحيد حامد المؤمن بما قاله كاتبنا الكبير صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ، رحمة الله عليه، له جملة قصيرة كأنها طلقة رصاصة (إننا نستنشق الفساد، فكيف نأمل أن يخرج من المستنقع أمل حقيقى لنا؟!)، لذلك قدم مع عاطف الطيب أعمالًا تهتم بقضايا حقوق الإنسان والهموم الإنسانية وهو الجانب الذى يتطرق إليه فى أعماله منذ فيلمه طائر الليل الحزين (إخراج يحيى العلمى، 1977) والذى تطرق فيه بصورة غير مباشرة إلى تغير السياسات العامة فى مصر المصاحبة لما تعرف بحركة 15 مايو 1971، ثم تناول أحد وجوه الفساد السياسى من خلال فيلميه ملف سامية شعراوى (إخراج نادر جلال، 1988) والراقصة والسياسى (إخراج سمير سيف، 1990) الذى كان مقتبسًا من قصة للأديب إحسان عبدالقدوس وانحراف بعض كبار المسئولين فى فيلم اللعب مع الكبار وعورات السلطة المتورطة فى الفساد وإساءة استخدام السلطة لأغراض غير مشروعة لتحقيق مصالح شخصية فى المقام الأول، مؤكدًا أن الفساد يعطى الحق لغير صاحبه ويسهل كل أنواع الجرائم ويعمل على نشر كل الرذائل من خلال فيلمه معالى الوزير إخراج سمير سيف،

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل