المحتوى الرئيسى

علا الشافعي تكتب: شويكار.. سيدة القرنفل

08/15 19:59

ثقيلة هي الأيام في حقيقة الأمر، وأيضا يأتينا هذا الشهر ليحمل الكثير من المرارات، لم أعد أقوى على صياغة كلمات الرثاء، الأحبة يرحلون واحدا تلو الآخر، ولا نملك من الأمر سوى أن نقول "رحمهم الله"، الموت علينا حق، ولكننا نعاني ويعذبنا الفقد طوال الوقت، ومع نعمة النسيان نبدأ في استعادة شريط الذكريات لعله يهون علينا الأمر، هذا ما نمارسه في حياتنا العادية، ومع من نعرفهم وتربطهم بنا صلات مختلفة.

وأعتقد أنه في حالة الفنانين والنجوم الكبار لا يختلف الأمر كثيرا، خصوصا وأن معظم من يرحلون باتوا جزءا أصيلا من ذاكرتنا ووجداننا، ومعظمهم يؤثرون في أرواحنا بشكل أو بآخر، نبكيهم كما نبكي الأهل والأحبة، تتسود صفحات "السوشيال ميديا"، وتمتلىء بصورهم ومشاهد من أعمالهم، ليس من المهتمين بالفن أو العاملين فيه فقط، ولكن الجمهور الممتد والواعي والمحب.  

نشعر بالحزن الثقيل يتسرب لأرواحنا فنحن في أسبوع واحد فقدنا ثلاثة من القمم الكبار "الأستاذ سناء شافع، والمطرب سمير الإسكندراني، وصدفة بنت بعضشي"، أو سيدتي الجميلة.

شويكار هانم (مواليد 4 نوفمبر 1936)، والتي أسعدت الملايين من البشر على مدار مشوارها الفني الممتد والمتنوع (حوالي 100 فيلما سينمائيا، و40 مسرحية، و50 مسلسلا إذاعيا).

ولن أسرد الكثير عن تلك الفنانة الاستثنائية في تاريخ الفن المصري والعربي، حيث تربّت أجيال على فنّها وقدرتها الاستثنائية على الإضحاك، ولا طلتها ودخلتها المسرحية التي لا تنسي، وقدرتها المميزة على الغناء والرقص والاستعراض، ولا عن تلك المرأة المصرية بنت الذوات، ذات الأصول التركية  الشركسية، والتي باتت أرملة وهي في سن الـ 18 من عمرها، والموظفة بشركة شل للبترول، بعد أن أصبحت مسئولة عن طفلتها الوحيدة.

 ولا تفاصيل اللحظة التي قابلت فيها الفنان والمخرج محمود السباع الذي عرض عليها العمل على المسرح في فرقة "أنصار التمثيل"، وبعد ذلك المنتج جمال الليثي الذي قدمها بالسينما في الستينات من القرن الماضي، إلى أن تعرفت بعدها بسنوات قليلة على النجم فؤاد المهندس (1964) والمخرج فطين عبدالوهاب، والمبدع عبدالمنعم مدبولي لتبدأ رحلة طويلة ومتميزة مع الكوميديا، سواء على خشبة المسرح، أو في السينما، وأيضا أدوارها الدرامية  المهمة في أفلام مثل "الكرنك" لعلى بدرخان، و"طائر الليل الحزين" ليحيى العلمي، و"الباب المفتوح" لبركات،  و"كشف المستور" لعاطف الطيب، و"أمريكا شيكا بيكا" لخيري بشارة ، و"درب الهوى" لحسام الدين مصطفي.

ولكن عن شويكار التي كان أول تعارف بيني وبينها هو صوتها من خلال المسلسلات الإذاعية التي كانت تقدمها مع فؤاد المهندس في رمضان، وكنا في قريتي الصغيرة ننتظرها بفارغ الصبر، حيث لم يكن التليفزيون وقتها موجودا في كل بيت،  وكان الراديو هو وسيلة الترفيه الوحيدة نطلق معه الخيال لتلك الأصوات التي كنت أحاول في طفولتي أن أترجمها إلى صور، وقتها سألت نفسي كيف تكون ملامح شويكار صاحبة نبرة الصوت التي لا تخطئها أذن؟.. فهي تحمل الكثير من الدلال والغنج والشقاوة ، فهل تشبه الوردة، أم الفل، أم الياسمين، ولكن مع أول مرة تقع عيني على صورة لها أيقنت أنها "قرنفلة "، نعم هي "سيدة القرنفل"، تحاكي تلك الزهرة العشبية في جمالها وقوة تأثيرها، وتفردها، وكما جاء في كلمات استعراض الزهور للمبدع محمد فوزي التي جاء في كلماتها التي صاغها أبو السعود الايباري: "آه م القرنفل ده، ريحته تشغل ساحر ويسحر، قاتل ويقتل، يجعل حبيبك هواه مشعلل، ويكيد عزولك ويبات مفلفل، شقي وشقاوته سبب غلاوته، شوف القرنفل وأتمنى".

 وبعد أن بت أشاهد أعمالها في التليفزيون، وكان ذلك اليوم يحمل لي الكثير من الدهشة، خصوصا وأنا أشاهدها تصول وتجول على خشبة المسرح، أو في استعراض بأحد أفلامها مع العبقري فؤاد المهندس، وجدتها تحاكي جمال الألهة اليونانية القديمة، فهي كأفروديت، بوجهها المنحوت، وعينيها التي تحمل مزيجا من الطيبة، والذكاء، والمرواغة، في لحظات تشعرك أنها طفلة لا ترغب سوى في الضحك بصوت عال، ولحظات أخرى تشعرك أنها خلقت لتكون أنثى، مع جسدها البض الملفوف كانت نموذجا خاصا ومختلف عن باقي النجمات الموجودات في هذا التوقيت في المشهد الفني، كان لدينا سعاد حسني، ونادية لطفي، وفاتن حمامة، ومن قبلهن جميلات وموهوبات أخريات، ولكن شويكار كانت وستظل حالة استثنائية، بجمالها وروحها وبساطتها وموهبتها الحقيقية الصادقة، والتي تأكدت عبر مشوار طويل من الابداع وبعيدا عن الاستعراض، حيث كان حضورها في الحياة والمناسبات الاجتماعية نادر ندرة القرنفل الذي يظهر في توفيت محدد من العام فقط.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل